المشهد اليمني الأول/

 

القرار الأميركي بتصنيف الحرس الثوري الاسلامي ضمن المنظمات الإرهابية العالمية أثلج صدور أطراف ثلاثة معادية لإيران، واشنطن وتل ابيب والرياض، مقابل توجس وقلق عالمي من الإسهام بتصعيد حدة التوترات في الإقليم، من دون استبعاد نشوب حرب بين طهران والرياض لتدمير البلدين “بتشجيع أميركي ــ اسرائيلي،” على غرار حرب الخليج بين ايران والعراق.

 

عداء المؤسسة الأميركية لإيران متجذر منذ سقوط الشاه، ووجدت أرضية خصبة لاستمرار وتجديد موجات العداء لإيران.
العامل المغيب لدى العديد من الساسة والمراقبين، عند استعراض السياسة الأميركية في عموم منطقة الوطن العربي والإقليم، هو “عدم استثنائها لعداوات دائمة، بل تعززها وتشييد حضارتها على أنقاض المنطقة ونهب خيراتها،” حسب وصف معارض أميركي. فالولايات المتحدة تعتبر “سموّ رسالتها” هي في السيطرة التامة على المنطقة، بتجديد الأعداء وشن الحروب اللامتناهية.

 

إدراج الحرس الثوري جاء ثمرة وفي سياق سلسلة العقوبات المفروضة على ايران منذ الرئيس السابق اوباما في عام 2007، تجددت مرتين عام 2011، على خلفية برنامجها للصواريخ الباليستية، وعام 2012 بحجة انتهاكها لحقوق الإنسان. وزارة الخزانة الأميركية أدرجت الحرس الثوري على لائحة الإرهاب الدولية عام 2017 بحجة دعمه لفيلق القدس التابع له والذي كان مدرجاً على اللائحة منذ عام 2007.

 

كثافة حجم الوجود العسكري الأميركي وامتداداً حلف الناتو، في مياه الخليج، شكلت عاملاً رادعاً للرئيسين السابقين، جورج بوش الابن وباراك اوباما، بعدم استدراج ايران للمواجهة، وأحجم كليهما عن إدراج الحرس الثوري كمجموعة ارهابية “رغم الضغوط التي خضعا لها بذاك الاتجاه،” خشية وقوع ضحايا أميركيين.

 

تشبث الرئيس ترامب بآرائه المثيرة للجدل وفاقدة المصداقية دوماً متهماً ايران “بدعم وإيواء تنظيم القاعدة” على اراضيها،ت1/ اكتوبر 2017، طمعاً في حشد أكبر موجة دعم له داخل المؤسسة الحاكمة ولصرفه الأنظار عن الملاحقات السياسية والقضائية والأخلاقية.

 

ردود الفعل الإيرانية يقرأها ضابط الاستخبارات الأميركية الأسبق، باتريك لانغ، قائلاً أن “ايران وقواتها العسكرية تعد لحرب مع الولايات المتحدة منذ زمن بعيد . وربما أولى الخطوات التي ستتخذها تصنيفها للقوات الأميركية (في المنطقة) كمؤسسة إرهابية،” 7 نيسان/ابريل الجاري.

 

ردّ “مجلس الأمن القومي” الإيراني على تصعيد واشنطن بتصنيفه الولايات المتحدة “دولة راعية للإرهاب وأن القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة جماعات إرهابية .” وحمّل واشنطن مسؤولية التداعيات الخطيرة لقرارها، وتصنيفه قيادة قواتها المركزية “سنتكوم” وكافة القوات الأخرى العاملة تحت لوائها بـ”الجماعات الإرهابية.”

 

ومضى ضابط الاستخبارات الأميركية (لانغ) محذراً من تداعيات القرار بأنه ينطوي على “ايجاد أرضية قانونية للقوات الأميركية العاملة في الخليج (والمحيط الهندي) لشن هجوم على الحرس الثوري وممتلكاته من الزوارق البحرية والدوريات أينما تواجدوا وتحت أي ظرف كان ، إنه إعلان حرب.” بالمقابل، ما ينطبق على الحرس الثوري يسري تلقائياً على سلاح البحرية الأميركية، وتصعيد مديات خطر الاشتباك إلى “مستويات كارثية”.

 

الاعتقاد السائد في اوساط النخب الفكرية الأميركية أن دوافع الرئيس ترامب لما أقدم عليه تتلخص في مسألتين: تحطيم إيران ونيل رضى نتنياهو، لا سيما وأن الثنائي، وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، المتنفذ يتناوبان التأكيد على ضرورة “تغيير النظام في ايران.”

 

المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة تتشوق لحلول يوم 3 أيار/مايو المقبل وهو الموعد الذي ستطبق فيه حزمة عقوبات إضافية ضد إيران “لتصفير صادراتها النفطية.” ويتأهب الطرفان لاستعراض عضلاتهما في مضيق هرمز الحيوي لا سيما بعد تواتر أنباء أن طهران حذرت حاملة الطائرات الأميركية الضخمة، جون ستينيس، الاقتراب من زوارق البحرية للحرس الثوري في المنطقة.

 

حادثة احتجاز ايران لرهائن في سلاح البحرية الأميركية، 2016، كان ينبغي أن يشكل مثالاً ساطعاً للمحافظين الجدد، اذ لو تكررت تلك الحادثة اليوم فلن تكون نهايتها مطابقة وربما تتعامل ايران مع طواقم البحارة كعناصر إرهابية وليس كجنود في مؤسسة عسكرية، وربما تمضي في مقاضاتهم والحكم عليهم بالسجن او الاعدام او الإثنين معاً.

 

تتعدد السيناريوهات في هذا الشأن، في حال تصادم مباشر بين البحرية الايرانية والاميركية، وتضييق الخيارات المتاحة أمام الرئيس ترامب وفريقه السياسي من المحافظين الجدد، الذين “يصرون” على اقصاء ايران من المنطقة واستثمار ما سينجم عنه في صيغة ضغوط إضافية على “لبنان والعراق للابتعاد عن ايران.” موقف المؤسسة العسكرية، البنتاغون، في هذه المسألة بالغ الخطورة. نُقل على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة، جون دنفورد، معارضته للتوجه الرئاسي خلال سلسلة نقاشات داخلية رفيعة المستوى، وكذلك معارضة كبار المسؤولين من غير العسكريين لخشيتهم من “مدى الضرر الذي سيلحق بحلفاء أميركا في المنطقة، والخطر الذي ستتعرض له القوات الأميركية هناك”.