المشهد اليمني الأول/

في الآونة الأخيرة، طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الكونغرس تخصيص 150 مليار دولار للعمليات العسكرية في الشرق الأوسط في وقت يُفترض فيه أن الولايات المتحدة تُنهي عملياتها هناك، ولديها عدد قليل جداً من القوات التي لا تمارس مهام قتالية بمعظمها، الغريب أن هذه الكمية من الأموال تتجاوز بكثير تلك التي أنفقتها الولايات المتحدة عندما كان لديها ما يصل إلى 200 ألف جندي منخرطين في القتال.

وفي حين تزعم أمريكا أنها «تسعى لتحقيق السلام في سورية»، فإن هناك شيئاً مختلفاً تماماً يجري، إذ تشير تقارير عراقية وروسية إلى أن عملية تحرير إدلب من الإرهاب تتداخل مع حقيقة أن تنظيم «القاعدة» الإرهابي فيها يتلقى كميات كبيرة من الأسلحة والأموال، ويمكن القول: إن أمريكا تحاول تحويل إدلب إلى معقل خاص بهذا التنظيم وعينها على نطاق أوسع، إذ تستعد الولايات المتحدة لشن عدوان على فنزويلا وإيران، وتُظهر تقارير موثوقة أن واشنطن تعيد تنظيم وتجهيز وحدات «داعش» من داخل قواعدها في العراق حتى تستعيد قدراتها القتالية وتعيد حشدها ضد سورية، وكل ذلك تحت ذريعة «منع روسيا من السيطرة على العالم».. و«الديمقراطية المهددة»!.

الخلل العسكري

دعونا نلقي نظرة على القوى الأجنبية الموجودة في الشرق الأوسط. روسيا، على سبيل المثال، لديها، حسب الإحصاءات الأخيرة، حوالي 20 طائرة عاملة في سورية لدعم عمليات مكافحة الإرهاب هناك، بينما تمتلك الولايات المتحدة في المنطقة حوالي 800 طائرة مقاتلة، وهذا يتضمن القاعدة العسكرية في دييغو غارسيا (التي لعبت دوراً مهماً في العمليات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط) وقاعدة العديد في قطر، وست قواعد داخل العراق، واثنتين داخل تركيا، وواحدة داخل «إسرائيل»، وثلاثاً داخل الأردن، وخمس قواعد في الكويت، وثلاثاً في الإمارات، وواحدة في البحرين، ويمكننا أن نضيف إلى ذلك قاعدتين جويتين رئيستين في أفغانستان و65 منشأة أصغر، فضلاً عن أن الولايات المتحدة لا تزال تدير، في الوقت الحالي، مرافق عسكرية داخل سورية على نحو غير قانوني. إلى ذلك، نضيف ميزانية ترامب العسكرية الجديدة لعام 2020.

طلب ترامب من «الكونغرس» موازنة تبلغ 718 مليار دولار لـ«البنتاغون» كجزء من إجمالي الطلب البالغ 750 مليار دولار للإنفاق الدفاعي ضمن موازنة عام 2020، وذلك استناداً إلى تصريحات اثنين من المسؤولين الأمريكيين لشبكة «سي إن إن» الأمريكية.. ويغطي المبلغ ميزانية «البنتاغون» وكذلك نشاط وزارة الطاقة في مجال الأسلحة النووية، ويمثل زيادة في الإنفاق العسكري بنسبة 4.7% عن ميزانية هذا العام، ووفقاً للمسؤولين، فإن مشروع ميزانية الدفاع ينص على تخصيص 544 مليار دولار للنفقات الأساسية لـ«البنتاغون» مع تخصيص 9 مليارات دولار إضافية لصندوق الطوارئ، وسيتم استخدام المبلغ المتبقي، أي 165 مليار دولار لتمويل عمليات الطوارئ الخارجية، بما يتضمن العمليات العسكرية في الخارج في أماكن مثل أفغانستان والعراق وسورية، في زيادة كبيرة عن ميزانية عام 2019 التي خصصت 69 مليار دولار لهذا الحساب التشغيلي.

إن طلب إدارة ترامب تخصيص مبلغ كبير لعمليات الطوارئ في الخارج الذي تم الإعلان عنه سابقاً من قبل العديد من وسائل الإعلام، قد تعرض لانتقادات من قبل كبار المشرّعين الديمقراطيين. وكما يبدو، فإن ميزانية ترامب لعام 2020 من المحتمل أن تعتمد على وسيلة للتحايل فيما يخص عمليات الطوارئ الخارجية وذلك لدعم الإنفاق الدفاعي. فإذا صح ذلك، فإن هذا لن يكون أكثر من محاولة فاضحة من جانب ترامب للسخرية من عملية الموازنة الفيدرالية، وإخفاء التكلفة الحقيقية للعمليات العسكرية، وتقليص الاستثمارات الأخرى الحيوية التي تعزز الأمن القومي والاقتصادي الأمريكي، وذلك وفقاً لما أكده رئيس لجنة الموازنة في مجلس النواب جون يارموث ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب آدم سميث في بيان مشترك الشهر الماضي.

وبرغم أن كمية الأموال المطلوبة لهذا الحساب وصلت إلى مستويات مماثلة خلال السنوات الأولى لإدارة أوباما السابقة، فإنه في ذلك الوقت كان لدى الولايات المتحدة حوالي 150 ألف جندي منتشرين في مهام قتالية نشطة في العراق وأفغانستان مقارنة بـ14 ألف جندي ينتشرون اليوم في أفغانستان وحوالي سبعة آلاف آخرين في العراق وسورية يُزعم أنهم «يؤدون أدواراً استشارية إلى حد كبير».. لكن كل ذلك خداع ووهم.

«على صعيد الداخل الأمريكي، لا يتمثل التهديد الحقيقي بروسيا بل في جنوب الولايات المتحدة متجسداً بهيئة غزو وهمي للبلطجيين وتجار المخدرات الذين يعبرون الحدود إلى الولايات المتحدة».. لا شك في أن ترامب محق في ذلك، فقد تضاعفت المعابر الحدودية في المكسيك خلال فترة ولايته، ولكن ليس انطلاقاً من أي محاولة لغزو الولايات المتحدة، بل من جهود عزل ترامب من قبل المسؤولين الذين صنعوا تهديداً مزيفاً وسط تطبيق تكتيكات وحشية على الآلاف ممن سمح لهم ببساطة الدخول إلى الأراضي الأمريكية.. وفي الواقع، لدى الولايات المتحدة القدرة، منذ زمن طويل، على إغلاق الحدود المكسيكية أو أي حدود أخرى بنشر عشرين ألفاً من حرس الحدود و380 ألفاً من الشرطة المسلحة في المنطقة الحدودية، وهي قوة مساوية تقريباً لتلك المستخدمة ضد فييتنام، كما أن الولايات المتحدة قد طورت، منذ ذلك الوقت، أنظمة الأقمار الصناعية ونظام الأيروستات الذي يمتد على بعد 200 ميل داخل المكسيك، مدعوماً بخوارزميات تكشف كل مركبة وكل فرد يقترب من أراضيها قبل عدة أيام.

روسيا

إن تصوير روسيا دولة معادية، من خلال الاعتماد على تاريخ مزيف لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية- عندما أصبحت الدعاية المتطرفة في الولايات المتحدة متفشية كما هي اليوم- هو تلفيق محض.. نعم، لدى روسيا تكنولوجيات متقدمة، وبالتأكيد العديد منها يتفوق على تلك التي تمتلكها الولايات المتحدة، لكن ما لا تملكه روسيا هو قواعد عسكرية منتشرة في 160 دولة و12 شركة طيران، ومجمّع صناعي عسكري تبلغ ميزانيته ترليون دولار سنوياً يبسط سيطرته على حكومتها.ز ومع ذلك، حتى يومنا هذا، لا يزال البنتاغون يروّج لسيناريوهات تزعم أن «آلافاً من القاذفات الروسية طويلة المدى أو أساطيل الدبابات الحديثة المدعومة من الأساطيل الجوية تدفع (ناتو) إلى البحر»! لاشك في أن جيلاً من الضباط العسكريين الأمريكيين أصبح منفصلاً عن الواقع.

بعد ما سبق، قد يتساءل المرء، لماذا تحافظ الولايات المتحدة على سياسات الإنفاق والمواجهات العسكرية غير المستدامة التي تستند إلى تهديدات لا يمكن أن توجد؟

لا يوجد أدنى شك في أن الولايات المتحدة قد طورت سياسة حرب بديلة وغير متكافئة ضد أي دولة غنية بالموارد، وبرغم ذلك، فإن أمريكا نفسها تزيد ديونها على 21 تريليون دولار ولا شك في أنها ستغرق بسرعة في الانهيار الاقتصادي.

عن موقع «نيو إيسترن آوت لوك»