المشهد اليمني الأول/

مدفوعا من صقوره المتطرفين بالبيت الأبيض وعلى رأسهم مستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته مايك بومبيو واصل ترامب تحرشاته المتدرجة بإيران، وأدخلوا المنطقة في أجواء من التوتر مع نذر حرب جديدة تتصاعد لتتشنج الأجواء بشكل أعمق حين بدأ ترامب في استعراض عضلاته العسكرية وإرسال البوارج والأساطيل للخليج، من خلال بيان مباشر من بولتون في سابقة غير معهودة في التاريخ العسكري الأمريكي، بحسب تصريح غريغ ثيلمان المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية لمجلة “فورين بوليسي”، إذ قال إنه “اصطدم ببولتون عندما كان يعمل تحت إمرته قبل غزو العراق”. وأضاف في تعليقه: “لم أسمع بأن ذلك حدث أبدا، إنه أمر غير مسبوق أن يقوم مستشار للأمن القومي باستخدام سلطته لإرسال هذا البيان، هذا لم يحصل حتى في غزو العراق”.

طهران تتجهز

بعد ذلك تتسرب معلومات استخباراتية أن طهران تجهز لسلسلة عمليات ضد المصالح الأمريكية، وأن واشنطن ستتعامل مع ذلك بحزم وقوة إن تعرضت مصالحها أو مصالح حلفائها في المنطقة لأي تعد أو إضرار، أيام قلائل حتى جائت حادثة تخريب أربع ناقلات نفط قرب ميناء الفجيرة الإماراتي، دون تبني أحد -ما عدا تأكيد بولتون على دور إيران- لتتبعها بأيام قليلة تفجير مضختي نفط لشركة أرامكو في العمق السعودي بواسطة سبع طائرات مسيرة تابعة للجيش واللجان الشعبية في اليمن.

إعلان من اليابان

من اليابان، أرسل ترامب ذبذبات أفادت بأنه لا يرغب في تغيير النظام الإيراني، وأنه بالإمكان التفاهم مع القيادة الإيرانية، وأن رئيس الوزراء اليابان وبحكم علاقاته الطيبة مع الإيرانيين، يمكنه أن يقوم بدور فاعل مؤثر في هذه الأزمة.

تلك الذبذبات وفق قاموس السياسة والمصالح، تعني أن ترامب لا يريد حروبا يخسر فيها جنودا، وقد كانت إحدى وعوده الانتخابية التي اختاره الأميركان بسببها: الالتزام بسحب القوات الأمريكية من أماكن التوتر في العالم، وعدم خوض حروب جديدة إن كان كسبها بالدبلوماسية والسياسة.

هكذا أرسل ترامب رسائله وترك أمر استقبالها وفك شفرتها أو ترجمتها للرادارات الخليجية والإيرانية.. فأما الإيرانية، فيبدو أنها استلمت الذبذبات وترجمتها من فورها، وأرسلت من جانبها على الفور أيضا رسائل واضحة لترامب بأنها قوة إقليمية لا ترضى أن تُعزل وتعيش على هامش الأحداث، وأن بيدها عوامل استقرار وأمن أخطر وأهم مناطق العالم.

قمم مكة

أما الطرف العربي في الخليج -السعودية والإمارات والبحرين- الذي تحمس كثيرا في جلب الجبروت الأمريكي بقصد استخدامه ضد إيران، فقد تأخر كثيرا في ترجمة وتفسير ذبذبات ترامب، ولم تكن سرعته تقارن بسرعة الطرف الإيراني.

إن كل ما قام به الطرف الخليجي حتى الآن هو انتظار ما ستسفر عنه القمم الثلاث التي دعت السعودية إليها من نتائج وتوصيات، وهي على كل حال ستكون متأخرة، وعلى الأغلب ستكون موجهة ضد إيران، وهذا أمر يمكن القول فيه إن ترامب ربما تجاوزه وكذلك الطرف الإيراني، وهما نحو البدء بالتفاهم أقرب!

أحسبُ ختاما أن الأمور بعد كل هذا ستراوح مكانها كما الآن. حيث أجواء اللاحرب واللاسلم. وسيحاول كل طرف أن يستفيد من عامل الوقت.

ترامب يريد أن يخرج سريعا بمكسب سياسي خارجي قبل حلول موعد الانتخابات، فيما طهران تحاول أن تلعب على حبل التفاوض والأخذ والرد لحين موعد تلك الانتخابات، على أمل أن يخسر ترامب ويخرج من المشهد، ليأتي من يعيد الأمور إلى ما كانت عليه، أو إن فاز واستمر في المشهد، فسيكون حينذاك لكل حادث حديث.