المشهد اليمني الأول/

– ليس من المبالغة في شيء الاستنتاج أنه في لحظات تاريخية تتركّز دماء الشهداء والتضحيات وبطولات المقاومين، وسلاح المقاومة وقدراتها وخططها والتزاماتها، وتتجمّع وتختزن عناصر القوة الأخلاقية فيها ومصادر المهابة والمصداقية، لتصير جميعها في ذروة تأجّج الصراع في كلمات رجل وتعابير وجهه ونبرة صوته وحركة سبابته. وفي اللحظة التاريخية التي يخيم فيها شبح الحرب الأميركية على المنطقة من بوابة الخليج والتصعيد بوجه إيران، وتظلل فيها القضية الفلسطينية المخاوف من تمرير صفقة القرن وما تتضمّن من تكريس الوعد الأميركي الجديد بجعل القدس عاصمة لكيان الاحتلال، وتزداد مع كل ذلك الأسئلة حول ما الذي يمكن فعله، يخرج سماحة السيد حسن نصرالله ليطلق الثقة بالغد الآتي، مشفوعاً بمعادلات قوة تضعها المقاومة في ميدان الصراع. فالحرب إذا اشتعلت ستشعل المنطقة ولن تكون «إسرائيل» بمنأى عن صواريخ المقاومة، والقوات والمصالح الأميركية في المنطقة ستباد، والأنظمة الملحقة بواشنطن ستتهاوى مع الطلقات الأولى لهذه الحرب التي يختصر السيد ليقول إنها لن تقع، لكن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن أحد اسباب عدم وقوعها هو المعادلات التي أطلقها السيد نصرالله.

– يستفيض السيد في الكلام عن مستقبل القدس ويوم القدس وصفقة القرن وقراءة موازين القوى بين جبهتي مؤيدي صفقة القرن سراً وعلناً، ومعارضيها المنتمين لمحور المقاومة وغير المنتمين، تظهر التحليلات والوقائع التي ساقها السيد نصرالله، الثقة بالقدرة على إسقاط المشروع الأميركي الإسرائيلي، واليقين بحال الوهن والضعف التي تسود صفوف الحلف الثلاثي الأميركي الإسرائيلي الخليجي قياساً بما كان عليه من قوة وثبات وتماسك، مقابل صعود قوة محور المقاومة والشعوب المتمسكة بهوية القدس، قياساً بما كان عليه أيضاً، فهو اليوم أقوى بما لا يُقاس بأي يوم مضى، لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع هي أنه بالنسبة لكل المقاومين وقادتهم وشعوبهم، تشكل كلمات السيد نصرالله قدراً من المصداقية والثقة، ما يجعلها سبباً حقيقياً لصناعة هذه المعادلة، معادلة نمو القوة، مقابل ما تفعله المصداقية نفسها ومعها المهابة، وقد عزّزتهما تجارب الماضي، في صفوف المعسكر المعادي للمقاومة، من الشعور بالوهن والضعف، فيصير كلام السيد وهو يقرأ ويحلّل بعضاً من نتاج يتداخل مع ما يفعله قوله نفسه، وقد صار قوله سلاحاً استراتيجياً يغيّر موازين القوة، ولا يقوم بقراءتها فقط.

– في المعادلة اللبنانية بوجه المفاوض الأميركي ديفيد ساترفيلد ومن خلفه المصالح والحسابات الإسرائيلية، تظهر عبقرية القائد، في رسم المعادلات. فربما يفاجئ السيد نصرالله جمهور المقاومة وحلفائها وأصدقائها، لكنه يلحق الهزيمة المدوّية بأعدائها، فيضع الأميركي والإسرائيلي بين خياري الفشل أو الفشل، إما الفشل بالخروج من التفاوض حول البر والبحر احتجاجاً على السقف العالي الذي وضعه السيد، لكن دون القدرة على الذهاب إلى البديل الطبيعي في مثل هذه الحالة وهو الحرب، وهذا فشل على فشل، خسارة القدرة على الرد وخسارة الفرصة على تأمين الثروات النفطية التي كانت في خلفية كل مسعى التفاوض. أما الخيار الثاني فهو الرضوخ وقبول العودة للتفاوض دون أسئلة فضولية، ودون التذاكي، ودون الابتزاز، وهذا فشل على فشل. فهو تسليم بالمعادلة الجديدة، سنقوم بتصنيع الصواريخ الدقيقة، وتسليم بالتفاوض من موقع أضعف في الملفات الأصلية.

– مقارنة بسيطة لا تجوز أخلاقياً، لكنها ضرورة سياسياً، بين الحرب النفسية التي يخوضها الأميركي والإسرائيلي، والمستندة إلى الأكاذيب والتغطية على العجز بالادعاءات الفارغة، وبين حرب نفسية أصيلة وأصلية يخوضها قائد عبقريّ حكيم وشجاع وهو يستند إلى الحقائق والوقائع والمقدرات والشجاعة على توظيفها والحكمة في تبويبها وتوصيفها.

– تملك المقاومة ويملك محور المقاومة عناصر عديدة للردع الاستراتيجي، لكن هذه العناصر تصير بمفاعيل وعناصر تثقيل مضاعفة عندما تتحوّل بين يدي السيد نصرالله وبنبرته وحضوره ومهابته وذكائه وعبقريّته وشجاعته وحكمته، لتصير حرباً كاملة، تماماً كما يتحوّل الحديد ذهباً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ناصر قنديل