المشهد اليمني الأول/

أكثر من أربعة أشهر والشعب السوداني يقاتل من أجل حرّيته والصعود إلى أولى درجات الديمقراطية، وكان يسير في هذا الاتجاه لولا “بقايا نظام عمر البشير” الذين تبرؤوا منه، ولكنّهم يقومون بأفظع مما قام به؛ نعم نتحدث عن المجلس العسكري الذي يكرّر تجربة البشير في القمع والاستبداد والديكتاتورية، ولا يجد مخرجاً لإعادة السيطرة على البلاد إلا من خلال العنف، وقتل المواطنين الأبرياء الذين تركوا أعمالهم، وتحمّلوا جميع الضغوط لكي يرسموا مستقبلاً مشرقاً لبلادهم لكن “المجلس العسكري” وقادته يحاولون سرقة ثورتهم، ونضالهم بمساعدة أطراف عربية ودولية.

كان هناك الكثير من المؤشرات والدلالات التي تؤكّد عدم صدق نوايا رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فيما يخصّ الحوار مع قادة الحراك الثوري، حيث أوهم البرهان الشعب السوداني أنه منهم، ومعهم، وبدأ مع قادة الحراك الشعبي مفاوضات للوصول إلى حل سلمي لانتقال السلطة وإنشاء حكومة مدنية – عسكرية وبدأت شرارة الالتفاف على المطالبين بحكومة مدنية من خلال إطالة أمد المفاوضات حتى يقوم البرهان بتثبيت نفسه إقليمياً، ودولياً حتى يصل إلى السلطة ويتفرّد بالبلاد، ولكون قوى الحراك الشعبي رفضت مطالب البرهان بالاستئثار بالسلطة لجأ إلى قمعهم، وقتل أكثر من 35 مواطناً سودانياً من المعتصمين السلميين، وبهذا يكون البرهان فضح نفسه وحرق ورقته أمام الشعب السوداني الذي طالب باستمرار الاعتصام.

ونقلت وسائل إعلام عن رئيس المجلس العسكري، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، نفيه ضلوع الجيش في الأحداث الراهنة في منطقة اعتصام القيادة العامة بالعاصمة الخرطوم .

وأعلن البرهان إلغاء الاتفاق مع تجمّع المهنيين، مشيراً إلى أنه سيدعو لانتخابات خلال فترة لا تتجاوز 9 أشهر، مجدداً وعده بتسليم السلطة لمن يختاره الشعب، كما تعهد البرهان بالتحقيق في أحداث فضّ الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في إشارة إلى عدم تورّطه بهذه المجزرة.

ودعت قوى الحرية والتغيير إلى وقف التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي، والعصيان المدني، وحمّلت – في بيان نشرته على صفحتها في فيسبوك – المجلس المسؤولية كاملة عمّا وصفته بـ”الجريمة”، التي خطط لتنفيذها “في الخرطوم ومدن أخرى.

السعودية والإمارات ومصر

بقيت الأمور تسير على نحو جيد حتى تدخّلت السعودية والإمارات ومعهما مصر في الشؤون الداخلية للسودان من تحت الطاولة عبر التعاطي مع قائد المجلس العسكري بأنه السلطة المطلقة في البلاد وتجنّب دعوة الأطراف الأخرى أو التعاطي معها على أساس أنها تمثّل الشعب السوداني، وعلى هذا الأساس ذهب البرهان ونائبه “حميدتي” إلى كل من الإمارات والسعودية ومصر وكانت التحية العسكرية التي قدّمها البرهان للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كفيلة بمعرفة طبيعة العلاقة، ومستقبل السودان في حال سيطر المجلس العسكري على السلطة.

البرهان أيضاً قام بجولة أخرى إلى الإمارات بينما توجّه نائبه إلى السعودية ووعدت الدولتان بتقديم ثلاثة مليارات دولار للسودان، وكانت الغاية الدخول على خط الأزمة وتسويق البرهان بأنه الجهة الممثلة للشعب، وعلى هذا الأساس تمّت دعوته إلى قمة مكة مع العلم أنه لا يمثّل الشعب السوداني إلا أن تعاطي السعودية معه على هذا النحو يدفع الأمور نحو المجهول، ويؤسس لفتنة داخلية تقود البلاد نحو الهاوية.

صحيفة الغارديان راقبت ما جرى في السودان وكتبت في افتتاحيتها أن ليس من قبيل المصادفة أن الحملة العنيفة المفاجئة على المتظاهرين بالخرطوم أعقبت سلسلة من الاجتماعات بين قادة “الطغمة العسكرية” هناك والأنظمة العربية “الاستبدادية” التي تحاول تشكيل مستقبل السودان.

وأكملت الصحيفة إن حكام مصر والسعودية والإمارات يقاومون أي توجّه نحو الديمقراطية في المنطقة ويعملون معاً لإحباط تطلعات حركة الإصلاح السودانية، وكانوا يدعمون المخلوع عمر البشير، ومنذ الإطاحة به في نيسان الماضي ظلّوا يتآمرون لإثارة ثورة مضادة ضد الاحتجاجات الشعبية.

وقالت أيضاً إن مصر قدّمت بالفعل مساعدة كبيرة لعسكر السودان باستخدام نفوذها الإقليمي، ونجحت في تمديد مهلة الاتحاد الإفريقي إلى ثلاثة أشهر بدلاً من 15 يوماً.

وذكرت الصحيفة أن جنرالات السودان يخشون بحق من المحاسبة إذا رضخوا لمطالب المعارضة المدنية بتسليمها السلطة، كما أن الدول العربية الإقليمية تريد أن تكون قادرة على التأثير في سياسة السودان المستقبلية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية و”الإرهاب” وإيران.

وأشار كاتب المقال إلى أن الجيش السوداني لديه بالفعل علاقات قوية مع ممالك الخليج، بعد أن ساعد في الحرب السعودية الإماراتية في اليمن، ويقول إن أمريكا غير مهتمة بالشأن السوداني، كما أنه يتساءل عن بريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة عندما تحتاج لها السودان.

إن استخدام القوة المفرطة في السودان تجاه المدنيين لن تؤدي إلا إلى المزيد من العنف، وفشل المجلس العسكري في الحوار مع الأطراف الأخرى ليس سوى دليل واضح على أن أعضاء هذا المجلس يخشون من أن يشتم الشعب رائحة الديمقراطية ويخرجونهم خارج السلطة وربما يحاسبونهم، لذلك لجؤوا إلى العنف، إلا أن إصرار الشعب السوداني على مطالبهم سيأخذ الأمور نحو انقلاب جديد ربما لن يكون فيه مكان لقادة المجلس العسكري.

أخطأ المجلس العسكري باتخاذ هذه الخطوة، وأطلق رصاصة الرحمة على نفسه بعد أن وضع نفسه في مواجهة الشعب، ولا نعتقد بأن الشعب سيستسلم لما فعله المجلس العسكري لذلك سنكون على موعد مع الكثير من التطورات في الأيام المقبلة.

مصدرالوقت التحليلي