المشهد اليمني الأول/

بعض المراقبين السياسيين يستشهدون بمثل قديم من الموروث الشعبي يقول: “مجنون يلقي حجرا في بئر يعجز عن اخراجة مائة عاقل”، لشرح حال الرئيس الامريكي دونالد ترامب، بعد خروجه من الاتفاق النووي الذي وقعته القوى الست الكبرى مع ايران، بعد اعوام من المفاوضات الطويلة والمعقدة.

الاتفاق النووي بشهادة القوى الكبرى ، ومن بينها امريكا حينها ، كان اتفاق “رابح – رابح” ، وكان انجازا كبيرا للدبلوماسية الدولية ، وابعد عن المنطقة والعالم شبح الحرب والفوضى ، وسد الطريق امام كل المتربصين بامن واستقرار المنطقة، وكانت ايران ، بشهادة 14 تقريرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اكثر الاطراف التزاما بالاتفاق.

من حق اولئك المراقبين، ان يصفوا ترامب بالمجنون ، لضربه اكبر نجاح للدبلوماسية الدولية منذ عقود طويلة بعرض الحائط، وادخاله امريكا وحلفائه الاوروبيين وبقية الاطراف الموقعة على الاتفاق النووي ، في دوامة من الفوضى لا افق لها، وطرحه بالمقابل مطالب تعجيزية، يمكن وصفها بالطفولية، كما جاءت في الشروط الاثني عشر التي صاغها وزير خارجيته مايك بومبيو، التي تحولت الى مادة للتندر لسخفها.

في فترة قياسية، يخرج ترامب من الاتفاق النووي، ويعيد فرض الحظر الامريكي الظالم على ايران، بل ويعلن الحرب على العالم كله، حتى اوثق حلفائه في اوروبا والعالم، لمنعهم من التعامل مع ايران تجاريا واقتصاديا، وجند كل امكانيات امريكا لمطاردة كل دولار يمكن ان يدخل ايران، وصنف، في اجراء غير مسبوق، حرس الثورة الاسلامية في ايران، كتنظيم ارهابي، وارسل حاملة طائرات وقاذفات بي 52 وبطاريات باتريوت، وجنود الى منطقة الشرق الاوسط، وهدد بمحو ايران من الوجود، ولكن في عشية وضحاها، تراجع ترامب عن كل مواقفه ، وحتى عن شروطه الاثني عشر، واخذ يغازل ايران ويتودد اليها ، واخذ يدعو وبشكل ملفت ، الايرانيين، للتفاوض معه ، واخذ يرسل الوفود الى طهران من اجل ذلك.

اذا نظرنا من زاوية اخرى الى ما اقترفه ترامب من خطأ فادح بخروجة من الاتفاق النووي، فاننا لن نضعه في خانة المجنون، بل في خانة الساذج الذي استغلته الصهيونية العالمية، وممثلها الابرز في الادارة الامريكية، صهره المدلل جاريد كوشنر ورفيق دربه رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتمرير المؤامرة الكبرى، التي كانت تحاك ضد القضية الفلسطينية، والمتمثلة بـ”صفقة القرن”.

كوشنير ونتنياهو ومن ورائهما الصهيونية العالمية، كانوا يتصورون، انه لا يمكن تمرير هذه الصفقة دون تقييد ايران ومحاصرتها اقتصاديا وسياسيا، لمنعها، حسب اعتقادهم، من افشال الصفقة، ولكن فات كوشنير حقيقة، من شدة بديهيتها لم يرها، وهي ان صفقة القرن، بمواصفاتها التي طرحت، لا يمكن ان تخطر حتى ببال السذح من حديثي العهد بالسياسة، لذلك لم تعثر امريكا ، على فلسطيني واحد ، واحد فقط، يمكن ان يسايره فيها، حتى ذيول امريكا في المنطقة، ورغم كل ذيليتهم، مازالوا يخشون ان يعلنوا تاييدهم للصفقة في العلن، الامر الذي دفع بومبيو الى ان يعلن عن موت الصفقة امام اجتماع لجماعة يهودية في امريكا.

ترامب الذي تُرك وحيدا، في مواجهة الفشل الذريع وخيبة الامل التي وضعه فيها صهره، لم يجد من مخرج له الا بالتراجع عن سياسته البلهاء التي انتهجها ازاء ايران، محاولا ايجاد قناة للتفاوض معها، قبل ان تضطر الاخيرة، الى اتخاذ خطوات تصعيدية، لن تكون في صالح امريكا ولا حلفائها ولا ذيولها ، وفي مقدمة هذه الخطوات، تعليق ايران لبعض التزاماتها ، في اطار الاتفاق النووي، مثل رفع نسبة تخصيب اليورانيوم.

الزيارة المرتقبة لرئيس وزراء اليابان الى طهران، هي في الحقيقة زيارة لرسول ترامب الى الايرانيين، وهذه الحقيقة ليست خافية على احد، وان اول من اعلن عنها هو ترامب نفسه، في محاولة منه ، من اجل اقناع الايرانيين لفتح نافذة من التواصل معه حتى لو كانت صغيرة.

الايرانيون ، كعادتهم، سيستقبلون ضيفهم بالترحاب، ولكن لن يُسمعوه ، بالتاكيد، ما يتمناه ترامب، قبل ان يتراجع عن كل الاجراءات الاحادية وغير القانونية ضد ايران، وفي مقدمتها رفع الحظر، والكف عن ترهيب العالم ومنعه من التعامل مع ايران.
ـــــــــــــــــــــــــ
ماجد حاتمي