المشهد اليمني الأول/ قراءة – حُميد منصور القطواني

ثلاثون عام على رحيل الإمام روح الله الخميني -رضوان الله عليه- وأربعون عام منذ إنتصار الثورة الاسلامية في إيران, انتصر فيها الشعب الإيراني لحقه في الحياة بكرامة وعزة, وبناء حاضره ومستقبله, والنهوض بمسؤولياته الأخلاقية والدينية تجاه قضايا الشعوب المستضعفة ومواجهة الاستكبار, والإسهام في بناء الحضارة وخدمة الإنسان وانصاف القيم.

وبعد أربعون عاماً من الانجازات العظيمة للشعب الايراني في البناء والتنمية والنهوض الحضاري, وايضا تصدير المواقف الكبيرة الداعم انتصار امتنا لقضاياها ومظلومياتها وتطلعاتها, الذي بات فضاء ليس بقليل من ارادات شعوبنا من بناء قلاعها و امتلاك خيار ورهان تقرير مصيرها.

أربعون عاما من فشل العدو الصهيوامريكي الكيد والتآمر والعدوان المادي والمعنوي, بكل اشكالها التي أنتجت الألم والأذى, لإعادة الشعب الإيراني إلى سجون الذل وقيود الإرث السلبي, بل وارتد ذلك على الصهيوامريكي سقوط أهم أركان نفوذه في المنطقة, وبات هرمه اليوم يتهالك ويتآكل ويترنح أمام مصير الإنهيار.

أربعون عام من ولادة رؤية الأمل في تحرر الإنسان والنهوض بالحضارة والأوطان, التي جسدت الحكمة والبصيرة, واحترام استقلال الارادات وحرية القرار والمصير, و قدمت تصور لتقويم الحياة بمبداء العدالة والمساواة وقوانين المنطق السديد, واستلهام السعادة والنجاح من مشعل النور المحمدي و بصيرة العقل ومرجعيات الفطرة السوية.

هذا النور الذي حاول اعداءه تطويقه من الداخل والخارج, إلا أنه فرض نفسه بقوة حجته وجدية المؤمنين به في النهوض بمسؤولياتهم, و جاذبية واقع نجاحه الذي مكنه من تجاوزت حدود الجغرافيا السياسية والعقدية والقومية كتجربة انسانية رائدة.

حقيقة وتصور

من هذا ما يستخلصه المفكرون المنصفون ونتصوره في اوساطنا, عن محددات رؤية الامام الخميني, وشكل الموقف الجامع المتوازن والعميق في التشخيص للمشاكل والمخاطر والتهديدات بشموليتها وملامح العدو التاريخي ومحددات المعركة, وتصدير المسؤوليات والمواقف والرهانات وخارطة المعركة وثوابت الشراكه في الموقف والمصير واحترام التنوع والخصوصيات واستقلال الارادات, والعلاقات المتكافئة الضامنة للمصالح والطموحات المشروعة على كل المديات.

ويمكننا ان نسلط الضوء على عنوان رئيسي جامع ,وهو الموت لامريكا والموت لاسرائيل, والذي يشمل فيه كل الابعاد المحلية والاقليمية والعالمية, ومنها نبحث عن ملامح الاهداف والاهمية والمشروعية وثمار مسيرتها المتواصلة في صناعه التحولات الكبرى.

السؤال, لماذا تبنى الامام الخميني هذا الموقف? وهل الامر يخص شعب وقائد بعينه? ام ان الامر يعني كل شعوب امتنا والبشرية المعاصرة?

الامر لا يحتاج لسبر اغوار التاريخ وانتاج فلم وثائقي او تحضير الدكتوراة في دراسة تفاصيل تلك الحقبة الزمنية, وان كان من حق هذا الرجل ان تنصف حركته و جهوده ونضالاته وتضحياته.

ان الوصول لمعرفة الحقائق المنطقية, لا يأخذ جهد في القراءة والاطلاع والبحث والتقصي, كل ما في الامر, وقفة تأمل في واقع نعيش ادق تفاصيله كافراد وشعوب في عالمنا العربي والاسلامي, ليس هناك من لم يتجرع مرارة بؤسه, وعلقم حرمانه, ويقاسي بطش ظلمه وطغيانه, ووحشة ظلمته وقهر سلطانه, وارهاب بغيه واجرامه, وبحر فتنه ودياجير افاته, وعواصف طمس الهويات الايمانية والحضارية, ومهالك تفكيك المجتمعات وتدمير اخلاق وقيم الفطره السوية, ودهما قالحة لا تنبت الا الانحلال والانحراف والشذوذ في الفكر والشعور والسلوك, وعاهات نفسية ملوثة العواطف قابلة للطرق والسحب لا تتقن الا عداوة نفسها وشعوب امتها.

هذا يوصلنا ببساط الى خلاصة مفادها ان “كل ذلك صناعة امريكية, خدمة لتمكين وتأمين بني صهيون على ارض شعب اجتث من ارضه، وذاته الحال على شعوب امتنا المهددة بالاجتثاث وهي مسلوبة القرار والبصيرة, تتناحر بسكاكين غبائها و دعم حكامها, واموالها المسخرة لخدمة مؤامرات وحروب عدوها الجاثم على صدرها.

قراءة بديهية انتجها واقع مظلم يسحق طغيانه عظام البشرية ويهدد مصير الحضاره الانسانية بالاندثار , وتفرض على كل عاقل الوقف بجد امامها للبحث عن مخرج.

نظرة الاستكبار الصهيوامريكي

هذه الحقائق لم نصل اليها الا بعد دفع ثمن غالي, ليس لانها صعبة, ولكن لان الاكثرية امنوا بان امريكا نصير الانسان والحضارة, وارداتها قدر لا راد له, وان الصهيونية عقلها المدبر رب يفعل ما يريد.

وان امتنا وبقية الامم المستضعفة هي ما دون عالم الاسياد ابناء الرب من الصهاينة, من ينحصر في جنسهم الاهلية والملك للحياه على الارض , ولهم فقط شرعية الحكم والتصرف في شؤون البشر وتقرير مصيرهم, وما دونهم عالم ثاني يتثمل في شعوب الغرب المسيحي, المصنفين في خانة جنس العبيد والجواري الفاقدين لكامل الاهلية, المؤهلين فقط لخدامة ابناء الرب وخدمة مظاهر الحضارة.

ثم ياتي تصنيف الاستكبار لشعوب امتنا في خانة العالم الثالث, كحيوانات في اشكال ادمية لا قيمة لها ولا فائده منها, جنس لا يمتلك الاهلية ولا المؤهلات, ومستحيل ان يمتلكها, وجودهم يلوث الحياة, وعليه يجب ان تكون اوطانه مستنقعات حجر, يسجن فيها هذا الجنس بقيود وسياط وسيوف حكامها وكيد اولياءهم, حتى يتم تقرير مصيرهم.

كان هذا هو التصور الحاكم لمشهد عقود تشابهة في الوقائع والظروف, وان كانت اليوم اكثر تطورا في البشاعة والفضاعة نتيجة تراكم تلك التركة الفضيعة والارث الافضع, لعقود من الذل والتخاذل والاستحمار والاستسلام والانبطاح والانقياد لزيف بريق الدولار والريال ووهم السلام وثقافة طاعة الطغاه، ناهيك عن خزي وعار الانقياد رهبة ورغبة لتعبئة حروب ومؤامرات العدو التاريخي للامة , الذي لم يقتصر استكباره وطغيانه على شعب وامه بعينها..

مفارقة

إن توقيت انتصار الثورة الإسلامية في ايران, المتزامن بعد اعلان الوفاة رسميا للمشروع العربي وخروج مصر من معادله الصراع بتوقيع كامب ديفيد, فيه تجلي لتدبير الهي واضح, يراد منه حفظ الامل لخلاص لشعوب الامة.

ولا أجل توصيف للمشهد, الا ما نقل عن المفكر و الكاتب والمؤرخ المصري هيكل رحمة الله عليه, عن الامام الخميني بانه قذيفة اطلاقة من القرون الوسطى (يقصد انطلاقته النورانيه القرأنيه) لتنفجر في القرن العشرين “.

فبعد اربعون عام من ذلك الربيع نقف على اطلال المراحل ونتأمل خط التحرر الذي يتسع ويكبر ويتعاظم وتتكامل قواه ويتجذر حضوره بفضل ذلك الموقف الذي اسس دعائمه الامام الخميني رضوان الله عليه.

وفيه تجليات صدقية ووفاء السلف والخلف في درب الثورة والدولة من الاحرار المخلصون في ايران بقياده الامام الخامنئي حفظه الله وايده.. والى جانب الامام الخامنئي شركائه واقرانه القاده الاحرار في بقية شعوب امتنا يمضون كتفا بكتف, ورهانهم في هذا المسار بالله, ونور قرانه والفطره السوية وشعوب صحت وتنفست الحرية والكرامة, وبناء سنن انتصار تتعزز وتتنامي بشكل مضطرد, معنويا وفكريا ومعرفيا وماديا افشلت رزنامة اطماع ومؤامرات الصهيوامريكي وقيدت نفوذه وكسرت جبروته وبطشه.

ثورة العصر

الثورة الاسلامية في إيران برؤيتها وروحيتها التحريرية العصر بانجازاتها في مجالات التنمية والنضهة الشاملة ورؤيتها التحريرية, شكلت الطليعة للثورات التحررية النهضوية, ومقدمة لثورة أممية كبرى, تتعدد زمانيا ومكانيا و عضويا وادوار محورية, و تتنوع في المشارب والمذاهب, والهويات الوطنية وشخصياتها الحضارية وتطلعاتها والخصوصيات الذوقية وتصورات الحياة, وتتوحد في الدرب و الخندق والموقف.

وتجتمع على قلب رجل واحد في معركة المصير, والمسار التكاملي, لخدمة القيم والاهداف المشتركة, وعقيدة الثبات والتضحيات, حتى النصر الذي ينصف قضايا ومظلوميات شعوبا وامم, ويؤمن مستقبل اجيالها ويحمي الحضارة الانسانية.

نصرا يفرض التوازنات و سيادة نظام العدالة والمساواة, وقوانين التعايش المنصفة, وصون مبادئ حرية وكرامة واستقلال الاراده والمصير والطموح, و تسييج وعي ووجدان الحضارة الانسانية ضد نزعات الاستعلاء والاقصاء والالغاء و الاستكبار الذي بلغ ذروت طغيانه في هذا العصر, المتمثل في منظومة الهيمنة الصهيوغربامريكية..

خيارات ونهايات

اليوم يقف العدو الصهيوني والنفوذ الامريكي بوجهه الشيطاني القبيح, معزولا و حائرا ومهزوما, في المنطقة والعالم نتيجة طبيعية لمخرجات هزائم عدوانه وفشل مؤامراته, التي افرزت متغيرات جذرية في المعادلات الاقليمية, وتفاعلات رسمت مستقبل التوازنات والتحولات الدولية في بنيان مستقبل النظام الدولي, وبات اليوم يواجه استحقاق واقع قدر الزوال, وانتقال محور الخط المقاوم من مربع المقاومة الى مربع التحرير, في وقت يرى بين يديه رهانات فاشلة وقدرات مؤذية فاقدة لجدوائيتها, ومسارات مسدودة الافق.

ومجمل نتائج ودروس سلوكه الاجرامي, تضعه امام مساران اما التعايش مع واقع التوازنات الجديدة وسقوط معادلات الهيمنة الاقليمية والدولية بولادة طبيعية ستجنب امريكا الانهيار, او ان يختار الذهاب عاجلا او اجلا نحو معركة اقليمية كبرى, يقدم مصير امريكا قربا للصهيوني, في حماقة ينتظرها الصديق والعدو, ولا يستبعد تحولها الى عالمية.

ومهما كان الثمن الذي تدفعه شعوبنا, فانه لا يساوي معشار عشر ما دفعته وتدفعه وستدفعه لخيار الاستسلام والهوان والهروب من مواجهة الحقيقة والنهوض بمسؤولياتها.

وشعوب امتنا وطلائعها المقاومة, في محطة تستأنس بصوابية موقفها المحق, وتلمس سلامة المآل, وتستشف واقع التأييد الالهي, وترى مكتسبات هذا الدرب تتعزز, وانجازاته تتراكم, و تضحياتها وصمودها تثمر لخدمة تعزيز فرص انتصار ونجاح تحرك الاحرار شعوبا وقوى في هذا الخط التحرري المقاوم, وهي تخوض معركة المصير, للنصر العزيز والفتح المبين والفرج الكبير, الذي سوف يصنع باذن الله الخلاص للبشرية, والنهاية لقرن من إستكبار الشيطان الأكبر.

خاتمة

تحية إجلال وإكبار للإمام الخميني سلام الله عليه وعلى أقرانه من قادات أمتنا الشهداء وشهداءها العظماء ابدا الدهر، وتحية إعزاز وافتخار للشعب الإيراني الصابر والصامد، ولقائد ثورته ودولته الإمام الخامنئي وقاداتها ورجالها ونساءها المخلصون خير خلف لخير سلف, ودعوات بدوام التوفيق لخير وخدمة الإنسان وانصاف القيم, وبناء الحضارة للشعب الإيراني وشعوب أمتنا, والبشرية المعاصرة.