المشهد اليمني الأول/

كشف مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي عن الهدف المعلن من زيارته التي يقوم بها الى كل من الرياض وأبو ظبي عندما قال انه “يريد بناء تحالف عالمي لمواجهة اكبر دولة داعمة للارهاب في العالم (ايران) لحماية طرق الشحن في مياه الخليج”، وهذا يعني عمليا ان تتحمل البلدان نفقات هذا التحالف وثمن الحماية الامريكية لناقلات نفطها، الى جانب مشاركتها “الرمزية” في عضويته، لانها لا تملك اساطيل ولا غواصات.

الرئيس ترامب اكد هذه الفرضية عندما لمح لحملة الابتزاز الجديدة هذه عندما هدد ملوحا بالتوقف عن حماية ممرات الملاحة في مضيق هرمز وجواره، حيث تعرضت ست ناقلات نفط لاعتداءات اكد جون بولتون، مستشاره للامن القومي ان ايران تقف خلفها، وعزز نظريته هذه بالقول “ان الصين واليابان هما على رأس الدول التي يذهب اليها النفط عبر هذا المضيق، ولا بد ان تتولى حماية سفن نفطها بنفسها”، وذهب الى بيت القصيد عندما تساءل “لماذا نحمي ممرات ملاحة لسنوات طويلة دون “تعويض” بعد ان اصبحنا لا نحتاج نفط الخليج وبتنا اكثر دولة منتجة للطاقة في العالم”.
***
الترجمة الحرفية لهذه التهديدات ان ترامب يريد نصف تريليون دولار على الأقل من السعودية والامارات ليس لتعويض الحماية الامريكية لناقلاتها في الوقت الراهن، وانما بأثر رجعي ربما يعود الى أربعين عاما.

قرأنا في الأيام القليلة الماضية مقالات كتبها جنرالات متقاعدون في الجيش الأمريكي قالوا فيها ان أمريكا سلحت دول الخليج بالسلاح الأقل أهمية، وباعتها صفقات طائرات بعشرات المليارات من الدولارات، وهذا جميل، ولكن الأولوية بالنسبة الى هذه الدول، والسعودية والامارات على وجه الخصوص، هو شراء السفن الحربية والغواصات لحماية موانئها وناقلاتها النفطية التي تحمل صادراتها الى الدول المستهلكة في أوروبا وشرق آسيا.

ايران تنبهت الى هذه المسألة، أي التركيز على السلاح البحري مبكرا، وطورت صناعة ذاتية لبناء السفن والغواصات والزوارق السريعة، لتعويض الحظر المفروض عليها لشراء طائرات حربية، ولكن جيرانها على الضفة الغربية من الخليج لم ينتبهوا الى هذه المسألة الاستراتيجية الهامة بالشكل المطلوب في سوء تقدير لافت.

لا نستغرب ان يكون بومبيو حمل معه الى المسؤولين في السعودية والامارات الى جانب “فاتورة” التعويضات المالية المتوقعة، كشفا آخر للمشتريات المقترحة تضم سفنا وغواصات وزوارق للدفاع عن ناقلاتها وسفنها وموانئها النفطية.

احتمالات الحرب تتزايد يوما بعد يوم ليس بسبب اسقاط صاروخ إيراني طائرة أمريكية مسيرة فوق مضيق هرمز، وانما أيضا بسبب اقدام الرئيس ترامب على فرض عقوبات جديدة على ثمانية من قادة الحرس الثوري الإيراني الى جانب السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في خطوة استفزازية جديدة تعكس حالة افلاس الإدارة الامريكية، ونفاذ كل أوراق الضغط التي تملكها ويمكن ان تستخدمها ضد ايران.

ما هي العقوبات التي يمكن ان تفرضها إدارة ترامب على السيد خامئني مثلا؟ منعه من دخول الولايات المتحدة وهو الذي لم يغادر طهران منذ عقود؟ ام على قادة الحرس الثوري الذين لا يملكون ارصدة او حسابات في المصارف الامريكية او الأوروبية، وربما حتى في ايران نفسها؟
***
المضحك المبكي ان وزير الخزانة الامريكية كشف ان السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية، سيكون من بين الشخصيات المستهدفة بالعقوبات الجديدة، فما هي اخطر العقوبات التي ستطاله، منعه من الابتسام مثلا، وهل بقيت هناك عقوبات لم تفرضها أمريكا على ايران طوال السنوات الأربعين الماضية أصلا.
لا نبالغ اذا قلنا ان كل هذا لتصعيد الأمريكي وقرع طبول الحرب، وزيارات المسؤولين الأمريكيين الى الخليج هي من اجل حلب الضرع المالي لدوله حتى النقطة الأخيرة، وليت الامر يقتصر على ذلك، وهذا اهون الضرر، فالخوف ان يتم اجبار هذه الدول على بيع أصولها، ورهن نفطها وغازها وعوائده لعقود قادمة، تحت ذرائع متعددة ومفبركة.. والأيام بيننا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الباري عطوان