المشهد اليمني الأول/

بعد أن أدرجت قيادة الجيش واللجان الشعبية منظومات الصواريخ الباليستية وسلاح الجو المسير في خط المواجهة المباشرة والردع الاستراتيجي ضد التحالف السعودي والإماراتي وتتويج العام الخامس بعمليات ضاربة ، بدأت الحرب باليمن بكل أبعادها تراوح مكانها وتأخذ مسارات عسكرية وميدانية مفصلية، فموازين القوة ومفاهيم التفوق العسكري وقواعد الاشتباك جميعها تغيرت وانقلب عكس ماكانت عليه بداية الحرب ، فمعطياتها تشير حرفيا إلى أن زمام المبادرة والتحكم لم تعد في يد التحالف السعودي والإماراتي (الطرف المهاجم ) بل في يد اليمنيين المدافعين الذين استطاعوا باحترافية غير مسبوقة تحويل تحديات ومصاعب الحرب التدميرية الشاملة إلى فرص لتدعيم القدرات والإمكانات العسكرية وتفعيل وتطوير الممكن من المنظومات الباليستية والطائرات دون طيار” وتطويعها لخدمة الأغراض الاستراتيجية المطلوبة لكسر التوازنات وفرض المعادلات الضغطية والإرغامية على السعودية والإمارات.

التصعيد مقابل التصعيد

اليوم ومع أن التحالف السعودي والإماراتي ما زال مستمرا منذ أربعة أعوام في ارتكاب المجازر الوحشية وخرق الاتفاقات المبرمة وخصوصا اتفاق السويد بتصعيدات عسكرية وميدانية بالحديدة وغيرها وتشديده الحصار المفروض على الموانئ والمعابر البرية لدخول الموارد الغذائية والصحية للشعب اليمني وإغلاقه أيضا لمطار صنعاء الدولي، كل هذه العوامل كانت في الواقع هي الدوافع الأساسية التي حفزت قيادة الجيش واللجان الشعبية في صنعاء لتغيير استراتيجياتها الدفاعية إلى استراتيجيات هجومية وردعية مثالية ترتكز على قاعدة التصعيد مقابل التصعيد وترسيخ مبدأ التوازن العسكري الاستراتيجي فقد توعد به قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وتم ترسيخه عمليا خلال عمليات الاستهداف الأخيرة التي نفذتها وحدة القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير على شبكة أهداف حيوية واقتصادية بالعمق الاستراتيجي للسعودية والإمارات منها المطارات الدولية ومحطات النفط البترولية وغيرها من المنشآت.

قصف مطارات السعودية ..التوقيت ..وطبيعة العمليات الاستهدافية

في مسار حاجة الشعب اليمني الملحة لكسر الحصار المفروض على اليمن وعلى مطار صنعاء الدولي خصوصا وهو يمر بأسواء كارثة إنسانية واقتصادية عرفتها البشرية ، كان لزاما على قيادة الجيش واللجان والمؤسسة العسكرية بعد تغيير الاستراتيجيات إلى تركيز الجهود والقدرات لفرض معادلة هجومية تقوم على استخدام القوة والإمكانات الممكنة لضرب وقصف (مطارات السعودية على وجه التحديد) كبداية عملانية لتحقيق عامل التوازن والتكافؤ العسكري الذي يحصر النظام السعودي في زاوية حرجه إثر الحصار المفروض على اليمن، ولذا فالعمليات الاستهدافية المركزة التي يقوم بها سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية منذ أكثر من أسبوعين وإلى اليوم على مطارات السعودية وفي المقدمة مطار نجران وجيزان وأبها التي تتعرض لقصف يومي، هي عمليات في طابعها العملياتي والاستراتيجي قائمة من قاعدة التصعيد بالتصعيد أي أنها “”ردعية إرغامية وليست هجومية بحتة”” فمطلب اليمن منها هو إرغام النظام السعودي وداعميه الكبار أمريكا وبريطانيا على رفع الحصار عن موانئ ومنافذ اليمن والحظر الجوي عن مطار صنعاء الذي يعتبر شريانا حيويا ومهما لتخفيف المعاناة والكارثة الإنسانية الجاثمة على صدر الشعب اليمني. لذا فهذه العمليات الرادعة وتوقيتها في هذا الظرف والمتزامن مع ما يمر به اليمن من موجة نجاحات كبيرة على صعيد صنع الأسلحة والتقنيات الدفاعية فهي ستؤسس لمعادلة قاسية أكثر تعقيدا أمام النظام السعودي وحلفائه.

فاليمن اليوم لم يعد كيمن الأمس والقدرات ونقاط القوة التي صقلها وطورها ذاتيا على مدار السنوات الأربع الماضية صارت أحجار زاوية تحقق له مبدأ الانتقال من الدفاع إلى الهجوم بفاعلية وتفوق مثالي وفرض قواعد اشتباك جديدة إرضاخية تمكنه من حصر النظام السعودي بين خيارين اما رفع الحصار عن اليمن وإما أن تستمر المؤسسة الدفاعية اليمنية في استهداف مطارات المملكة بالصواريخ والطائرات الهجومية حتى تخرج جميعها عن الخدمة.

عمليات قصف مطارات السعودية ملتزمة بالقيم ولا تستهدف المدنيين

إن المحور الأهم في طبيعة عمليات الاستهداف المكثفة التي تنفذه القوة الصاروخية اليمنية والطيران المسير على مطارات المملكة هي عمليات أثبتت التزامها الفعلي بقيم وأخلاق الحرب إذ أنها لا تستهدف المدنيين وليست قائمة على استخدام القوة الغاشمة التي ضمن برامجها العسكرية إلحاق الأضرار الجسيمة بالسكان والمنازل وارتكاب المجازر والمذابح بحق المواطنين وتحقيق أكبر قدر ممكن من الخسائر بالخصم ، فقيادة الجيش واللجان الشعبية والقيادة

السياسية بصنعاء وضعت محددات عسكرية صارمة في عمليات الاستهداف لمطارات المملكة، فمثلا هناك استهداف متدرج للمطارات بدأت بقصف مطار نجران ثم مطار جيزان الذي في واقعها لم تعد مطارات مدنية إنما حولها النظام السعودي في أعقاب الفترات الأخيرة إلى قواعد وثكنات عسكرية لقيادة العمليات والتحكم ومرابض للطائرات المقاتلة والاستطلاعية (الدرونات) التي تنفذ عمليات عدائية ضد اليمن ، يليها مطار أبها الإقليمي الذي يتم استهدافه مع سبق التحذير والتنويه باستمرار من قيادة الجيش واللجان للمسافرين [بعدم الاقتراب واستخدام هذا المطار كونه هدف عسكري مشروع] هذا من جانب، أما من الجانب الأخر فهناك نماذج ومدلولات تؤكد حرص القيادة العسكرية في صنعاء على عدم استخدام وسائل و أسلحة ذات القدرات التدميرية العالية، حيث اظهر واقع عملياتها على مطارات المملكة الثلاثة أن الأسلحة التي تم استخدامها هي طائرات درونز دون طيار من نوع قاصف K_2 وهي طائرة ملغومة تحمل مواد متفجرة محدودة الكمية مخصصة فقط لضرب وتدمير المراكز والأماكن الحيوية داخل المطار كأبراج المراقبة وأنظمة الملاحة الجوية ومرابض طائرات الدرونز وما إلى ذلك من الأهداف الدقيقة والمهمة، كذلك تم استخدام منظومات صواريخ الكروز المجنحة التي تتميز بالدقة العملياتية العالية حيث أظهر واقعه العملياتي في ضرب مطار أبها أن أثارا دقيقة ومحصورة فقط في تدمير برج المراقبة وأنظمة الملاحة الجوية وقمرة القيادة والسيطرة بالمطار، بالتالي فالقيادة في صنعاء ملتزمة على أن لا يحصل هناك أضرار مدمرة شاملة للأهداف وتطال المدنيين بل أضرار محدودة تخرج هذه الأهداف عن الخدمة، فالعمليات الاستهدافية ضد مطارات السعودية هي عمليات ردعية إرغامية دقيقة جدا أشبه بالعمليات الجراحية وظيفتها تتمحور حول تركيز الخسائر و الضغط على النظام السعودي ومن يقف خلفه أمريكا وبريطانيا لرفع الحصار عن اليمن وعن مطاراته وموانئه وإيقاف الحرب العبثية والعودة للطاولة التفاوضية.

بالتالي وفي حال لم يبادر النظام السعودي لأي مسار إيجابي من شأنه رفع الحصار فاليمن سيواصل فرض المزيد من المعادلات وسيقصف ويستهدف بقسوة مطارات أكبر وأكثر حيوية وأهمية للسعودية وسيكون القصف بأسلحة نوعية متطورة أقوى وأشد تأثيرا من سابقاتها على مسرح العمليات.