مقالات مشابهة

هل سيُصلّي السيّد نصر الله في المسجد الأقصى قريبًا؟ وما هي الرّسالة التي أراد توجيهها.. ولمَن؟

المشهد اليمني الأول/

حرِص السيّد حسن نصر الله في خطاباته الأخيرة على تجنّب استخدام لهجة تهديديّة قويّة لدولة الاحتلال الإسرائيليّ، والحديث عن احتمالات الحرب التي يُمكن أن ينجر إليها لبنان بطريقةٍ أو بأخرى، حرصًا منه على الجبهة الداخليّة، والحِفاظ على تحالفاته اللبنانيّة، وتعزيز استقرار البلاد التي تُواجه ظُروفًا اقتصاديّةً صعبةً، وتُعاني من انقسامات حزبيّة وطائفيّة، ولقطع الطريق عن الباحثين عن أيّ ذرائع من المُعسكر الآخر، ومرجعيّتيه الإسرائيليّة والأمريكيّة، ولكن الوضع اختَلف كُلِّيًّا في اللّقاء الذي خصّ به قناة “المنار” يوم الجمعة، وما ورَد فيه من مواقف، ليس لأنّ المُناسبة، ذكرى انتصار حرب تمّوز عام 2006، تتطلّب لغة خطابيّة “تعبويّة” مُختلفة تتناسب مع حجمها، وإنّما لأنّ ظُروف المِنطقة الشرق أوسطيّة أيضًا تعيش حالةً من التوتّر والتّصعيد، تدفع الكثيرين، ونحنُ من بينهم، لعدم استِبعاد حُدوث حرب شاملة على أكثر من جبهة، وعلى رأسها الجبهة اللبنانيّة.

أجوِبة السيّد نصر الله على الزميل المُقدّم عماد مرمل كانت قويّةً جدًّا، تُذكّرنا بالأيّام الأولى لزعامة السيّد نصر الله لحزب الله، لأنّها كشفت، وتكشِف عن وجود استراتيجيّة مُواجهة شامِلة تترسّخ للعدو الإسرائيلي، لا تتوقّف عند حُدود لبنان، والجليل المُحتل، وإنّما تمتد لاحتماليّة زوال دولة الاحتلال الإسرائيليّة وجوديًّا من خارطة الشرق الأوسط في حال اندلاع الحرب.

حتى لا نغرَق بالعُموميّات، ونُتّهم بتجنّب وضع النقاط على الحُروف، نجِد لزامًا علينا التوقّف عند النقاط الرئيسيّة في هذه المُقابلة التي تعكِس هذه الاستراتيجيّة، وهذا التّغيير في اللّهجة لدى زعيم المُقاومة:

أوّلًا: أكّد السيّد نصر الله أنّ المُقاومة الإسلاميّة باتت أقوى من أيّ وقتٍ مضى، وقادِرة على تدمير إسرائيل بالكامل وإعادتها إلى العصر الحجري (متى آخِر مرّة استخدم فيها هذا التّعبير).

ثانيًا: إعادة التأكيد على أنّ صواريخ المُقاومة التي باتت أكثر دقّةً قادرة على استهداف كُل إسرائيل من أقصى الشمال (الناقورة) حتى مدينة إيلات (أم الرشراش) في أقصى الجنوب.

ثالثًا: اقتحام الجليل وتحريره كأحد أولويّات الاستراتيجيّة المذكورة، يعني أنّ مُقاومة حزب الله للاحتلال لن تكون باستخدام الصواريخ لضرب أهداف ومُدن إسرائيليّة، وإنّما أيضًا بالتوغّل بريًّا، خاصّةً أنّ وحدات المُقاومة اكتسبت خبرات كبيرة جدًّا في هذا المِضمار بفضل حربها لسبع سنوات في سورية.

رابعًا: الحديث عن فشل قادة إسرائيل في ترميم الثّقة بالجيش الإسرائيلي الذي انهزم في حرب تموز، وتراجع القوة البريّة لهذا الجيش بعد فشله في التقدّم داخل الأراضي اللبنانيّة أثناء هذه الحرب، وتدمير أسطورة دبّابة “الميركافا” يعكِس حقائق مُثبتة نتيجة مُتابعة دقيقة للقُدرات العسكريّة للطرف الإسرائيلي، وزيادة منسوب الثّقة بالنّصر في أوساط قيادة المُقاومة بشقّيها السياسيّ والعسكريّ.

خامسًا: هذه هي المرّة الأولى، ومُنذ سنوات التي يتحدّث فيها زعيم عربي إسلامي عن عزمه، وثقته، بالصّلاة في المسجد الأقصى في القدس المحتلة، وبعد تحريرها، آذا كتب له الله طُول العمر، فالسيّد نصر الله يتطلّع إلى تحرير القدس، وكُل فِلسطين طبعًا، وبالمُواجهة العسكريّة، لتحقيق أمنيته هذه، أيّ ليس من خلال صفقة القرن، أو المُفاوضات العبثيّة التي لم تعُد للأمّة بغير الهَوان والإذلال.

السيّد نصر الله يُدرك جيّدًا ما يقول وكيف يقول، ومتى يقول، ولا نُضيف جديدًا عندما نقول بأنّ هذا الرجل لا يكذِب، أو يُضلّل، ولهذا يحظى بمصداقيّةٍ كبيرةٍ لدى الإسرائيليين الأعداء الذين يُتابعون خطبه، ومُقابلاته، ويُصدّقون كُل كلمة يقولها، ولا يُصدّقون مُطلقًا السياسيين الإسرائيليين البارِعين في الكذب، والتّهديدات الجَوفاء، وعلى رأسهم بنيامين نِتنياهو.

كلمات السيّد نصر الله تُوحي بأنّ ما بين سُطورها وجود عزيمة قويّة على الدّخول بقُوّةٍ إلى ميدان أيّ حرب قادمة، وربّما وشيكة، أيّ أنّه لم يقُل ما قاله من مُنطلق شن حرب نفسيّة على العدو، وهذا عمل مشروع على أيّ حال، وإنّما من مُنطلق ذخيرة قويّة من المعلومات، وقراءة دقيقة للتطوّرات السياسيّة والعسكريّة على الأرض في ظِل التوتّر الإيراني الأمريكي المُتصاعد.

السيّد نصر الله خاض حربين وانتصر فيهما، الأولى عندما حرّرت المُقاومة بزعامة “حزب الله” الجنوب عام 2000، وأنهت الاحتلال الإسرائيلي، بعد إذلاله وإدماء أنفه، والثانية عندما تجرّأ هذا العدو على شن العدوان على لبنان عام 2006، ودفع ثمنًا باهظًا أبرز عناصره انهيار الثّقة بجيشه الذي قيل أنّه لا يُهزم، ولا نعتقد أن الانتصار الثالث بات بعيدًا، خاصّةً إذا اندلعت شرارة الحرب في المِنطقة بتحريضٍ إسرائيليٍّ.. واللهُ أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
رأي اليوم