المشهد اليمني الأول/

كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن دولة الإمارات أعلنت خلال الأيام القليلة الماضية عن توقف أنشطتها العسكرية في اليمن، وذلك بعدما أيقنت بأن تحالف العدوان الذي تقوده السعودية لم يتمكّن خلال السنوات الخمس الماضية من تحقيق أي مكاسب على أرض الواقع، وإنما على العكس من ذلك قام بالكثير من الجرائم غير الإنسانية ضد أبناء الشعب اليمني الأعزل.

وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة “فرانس برس” عن مسؤول إماراتي قوله إن الإمارات قامت خلال الأسابيع القليلة الماضية بسحب الكثير من قواتها العسكرية التي كانت متمركزة في العديد من المناطق الجنوبية اليمنية، ولفت ذلك المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، بأن أبو ظبي قرّرت تغيير استراتيجيتها في اليمن والانتقال من استراتيجية الحرب إلى استراتيجية المفاوضات والسلام.

وبحثاً عن الأسباب التي تقف وراء سحب الإمارات جزءاً من قواتها في اليمن، أفاد بعض الخبراء السياسيين، بأن هذا قد يكون تكتيكاً تحاول من خلاله “أبو ظبي” تحسين صورتها في الظاهر بعد الدعوات التي وجهها مسؤولون يمنيون، والضغوط الشعبية التي تطالب بإنهاء دور الإمارات في تحالف العدوان السعودي الإماراتي باليمن.

في الواقع يبدو أن “أبو ظبي” تعاني من مشكلات متعلقة بسمعتها التي تضررت للغاية من حرب اليمن وتأثيرها على باقي الإمارات في الاقتصاد والسياسة، وهنا يؤكد الصحفي اليمني “عدنان هاشم” أن أبو ظبي تتعرّض لضغوط داخلية هائلة من أجل وقف سياستها الخارجية التي تقودها في المنطقة من قِبل حُكام وشيوخ باقي الإمارات ويضيف “هاشم” قائلاً: “يلاحظ أن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد كرر أكثر من مرة خلال الفترات الماضية الحديث عن تأثير القرارات السيئة للحكام على الاقتصاد، وذلك في الوقت الذي تبدو فيه باقي الإمارات غاضبة لأن معظم القتلى في حرب اليمن هم من أبنائها وليس من أبو ظبي، وهو ما يجعل تلك الضغوط حقيقية من أجل عودتهم”.

الاقتصاد الهش.. الإمارات تحاول تقليص وجودها العسكري في اليمن

يعتقد رئيس مركز “أنديشة سازان نور”، والخبير في شوؤن الشرق الأوسط  الدكتور “سعد الله زارعي” أن هذه الخطوة التي أقدمت عليها دولة الإمارات يكتنفها الكثير من الغموض، فمن ناحية، شاهدنا الإمارات خلال السنوات الماضية تبذل قصارى جهدها للسيطرة على أجزاء من الجنوب، وعلى سبيل المثال، السيطرة على مدينة المكلا التابعة لمحافظة حضرموت والهيمنة على مدينة عدن الاستراتيجية وكانت هذه هي السياسات الاستراتيجية لدولة الإمارات في اليمن، وليس هناك ما يدل على حدوث تغيير في هذه القضية.

ومن ناحية أخرى، يمكننا أن نرى مستوى من إعادة تموضع هذه القوات والمعدات على الساحة الميدانية.

في رأيي، إن الجمع بين هذين الأمرين يؤكد لنا بأن الإمارات تسعى إلى تغيير دورها كلاعب من الدرجة الأولى في التطورات الميدانية اليمنية والانتقال إلى لعب دور ثانوي وذلك من أجل توريط السعودية أكثر في مستنقع اليمن.

في رأيي، إن الإمارات لن تغادر اليمن في الوقت الحالي، لكنها سوف تقوم بعملية إعادة تمكين قواتها إلى حد ما، بحيث تتمكن من النجاة من هجمات الطائرات المسيّرة والصاروخية لقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية “أنصار الله” وتأمين الموانئ والمراكز وناقلات النفط التابعة لها، ولقد أظهرت قضية الفجيرة أن الإماراتيين لا يملكون بنية تحتية قوية، وأن اقتصادهم لن يتمكّن من تحّمل ضربات “أنصار الله” الموجعة، مثل السعودية.

لقد أثبت “أنصار الله” خلال الفترة الماضية قدرتهم العالية على إلحاق الضرر بدول العدوان ولقد أظهرت غارات الطائرات من دون طيار في التاسع من رمضان على ميناء الوادمي الواقع على الشواطئ الشمالية للبحر الأحمر، أن “أنصار الله” أصبحوا قوة لا يُستهان بها.

زيادة الانقسامات بين دول تحالف العدوان المشاركة في الحرب اليمنية

وحول هذا السياق، قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط، إن هذا التحرك الإماراتي أدى إلى اتساع الفجوة بين أبو ظبي والرياض وذلك لأن السعودية ستعتبر بالتأكيد هذه التدابير الإماراتية تخلياً عن المسؤولية، وستشعر بمشاعر ذلك الشخص الذي تم التخلي عنه في وسط المعمعة، وهنا يجب التذكير بأن الحرب اليمنية بدأت بعد قرار مشترك اتخذه القادة الإماراتيون والسعوديون، ولكن دولة الإمارات الآن قرّرت التخلي عن السعودية، وتركها وحيدة في مستنقع اليمن، وهذا الأمر سوف ينعكس سلباً على معنويات القادة والجنود السعوديين.

إخماد نار الحرب والمضي قدماً في مسير الحلول التفاوضية

تحدّث “زارعي”، حول آثار هذه الخطوة الإماراتية على التحول الميداني للحرب اليمنية، وقال: “لقد قامت الإمارات بهذه الخطوة وذلك من أجل دعوة الأطراف الخارجية الأخرى للتعاون معها لمساعدتها على الخروج من مستنقع اليمن بماء الوجه.

وبالتالي، يمكن للمرء أن يتوقّع انخفاض حدّة الحرب والمضي قدماً في مسير تنفيذ عمليات وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات جديدة، وهنا تجدر الاشارة إلى أن معظم الدول الغربية قلصت دعمها لدول تحالف العدوان خلال الفترة الماضية وأن الكويتيين بدؤوا بتوجيه انتقادات شديدة اللهجة لتحالف العدوان، وأن معظم الدول العربية والإسلامية قامت باتخاذ بعض المواقف الحازمة تجاه تحالف العدوان نظراً لاستمرار الحرب في اليمن واستعانة السعودية بالعديد من المقاتلين الأجانب الذين جلبتهم من دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية.

تأجيج الجنوب

وحول هذا السياق، قال الدكتور “زارعي”، إن انسحاب القوات الإماراتية من جنوب اليمن، جاء من أجل تأجيج المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في تلك المناطق وهذا الأمر تؤكده الاحتجاجات الأخيرة التي شارك فيها المئات من أبناء المناطق الجنوبية في محافظة شبوة والمهرة القريبة من سلطنة عمان، وهنا تجدر بنا الإشارة إلى أن القادة السياسيين والمنظمات الجنوبية القديمة التي اشترتها الإمارات في السنوات الماضية، سيصبحون بالتأكيد أكثر نشاطاً في تلك المناطق الجنوبية عقب انسحاب الإمارات منها، ولذا يجب علينا أن نتوقع ارتفاع حدة الصراعات والمنازعات في جنوب اليمن.

مصدرالوقت التحليلي