مقالات مشابهة

احتجاز”ستينا إمبرو” … والرسائل السبع

المشهد اليمني الأول/

عند أعتاب grace1 ينتهي الصبر الإستراتيجي لإيران فعلياً. ومع إحتجاز ناقلة “ستينا إمبيرو” البريطانية، تبدأ المعادلة الجديدة الناقلة بالناقلة.الضربة بالضربة لا بل قد نكون السباقين في حال خرق سيادتنا. معادلةً تعيد طهران فيها خلط أوراق النظام الدولي القائم على قواعد هشة، تتحكم فيها قوى تسلطية لا تنظر إلا من منظار مصالحها. ومعها تعيد طهران رسم الخارطة السياسية بمنطقة الشرق الأوسط كافة، وفي الخليج خاصة، لتسحب بساط السيطرة الأميركية ـ الغربية، وتوجه رسائل عدة لمن يخال لهم بأن إيران محاصرة وغير قادرة على المبادرة والتحرك في مدار منطقتها؛ وفق منطق القوة الذي يعد السبيل الوحيد مع قوى لا تفقه للدبلوماسية لغة، إلا بعد التحرك في الميدان وتثبيت معادلات الردع العسكرية.

لم تجرؤ قوى كثيرة تعتبر فاعلة في الساحة الدولية، على التحرك بوجه واشنطن ـ بريطانيا والحلفاء، لكن إيران تملك تلك الإرادة التي تجعلها تتحرك في الخليج على أقل تقدير، لتضع حداً لتلك الترهات الغربية، فعصر السيطرة القطبية انتهى، مذ بدأ سقوط الالة الحربية الإسرائيلية في تموز 2006، لينتهي بعدها على أعتاب دمشق. ولا يخفى أن هذا السقوط كان بفعل الوجود الإيراني في المنطقة بشكل أساسي. اليوم تأتي معادلة الناقلات وحرب السفن مجدداً لتقضي على أمال الحلفاء بتحقيق شرقهم الكبير الذي يحلمون به، ولتسقط أوهام السيطرة المطلقة على منطقة تعد الأهم للسيطرة الدائمة على العالم.

هنا المعادلات تبنى بالأفعال لا بالأقوال، بالتنفيذ لا بالتهديد. هذه المعادلات هي معادلات القيادة الإيرانية الصلبة، قيادة الإمام الخامنئي الذي قال إن “القرصنة البريطانية لن تمر من دون رد”، فيسارع الحرس الثوري لمصادرة ناقلة النفط البريطانية، بطريقة احترافية وغير عدوانية، تمنع توجيه الانتقادات الأممية له، لكون العملية لم تأت من خارج المحافظة على سلامة الملاحة الدولية، حيث لم تحصل هذه الخطوة إلا كردة فعل على على عدم التزام الناقلة بمعايير الملاحة وفق ما أعلن الحرس الثوري، الذي يؤكد من خلال هذه الخطوة، أن يد طهران هي العليا في الخليج، ويوجه بذلك رسائل عدة يمكن فهمها وتلخيصها كالتالي:

أولاً: تتلخص الرسالة الأولى التي يجب أن يفهمها الغرب، بأن إيران قادرة على تعقيد الأمور ورسم خارطتها في الخليج، فهي تملك القدرة والقرار والجرأة، إذ لم تستهدف سفينة تابعة لدولة عربية، بل لبريطانية الحليف الاستراتيجي لواشنطن.

ثانياً: تملك إيران قوة بحرية قادرة على المواجهة، حيث تم سحب الناقلة على الرغم من رفع القوات البريطانية التي تملك وجوداً عسكرياً كبيراً في الخليج، إجراءاتها الأمنية لحماية سفنها هناك إلى الدرجة القصوى، فضلاً عن الاستنفار الأمني الأميركي الكبير في المنطقة، في ظل مساعي القوات الأميركية، لبناء تحالف أمني في المضائق المائية قبالة إيران واليمن، وهذه رسالة قوية جداً تبرهن القوة الإيرانية في مقابل فشل الغرب في المواجهة.

ثالثاً: التأكيد على أن اليد الطولى في الخليج هي لإيران، التي لديها القدرة على تعطيل الملاحة البحرية فيه كلياً، من خلال إقفال مضيق هرمز.

رابعاً: إفهام الغرب بأن لدى طهران أوراق عدة يمكن اللعب ضده من خلالها، لمواجهة الأوراق المعادية المستخدمة في حصار الجمهورية الإسلامية.

خامساً: يمكن اعتبار هذا التحرك بمثابة ضغط جديد على الأوروبيين في إطار التردد الحاصل في التزاماتهم النووية، خاصة أن بريطانيا بدأت تغرد خارج سرب الاتحاد الأوروبي في مسألة الاتفاق النووي، وباتت أقرب إلى تغليب الرؤية الأميركية، وهنا يمكن الإشارة إلى الخطوة السريعة للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في التواصل مع الرئيس الأميركي لبحث تداعيات الحادث لمنع تصاعد الأمور في المنطقة.

سادساً: الضغط على الأطراف الدولية من خلال الدفع نحو رفع أسعار النفط التي ارتفعت تلقائياً بما يقارب 2%.

سابعاً: الرسالة السابعة والأهم، هي تثبيت معادلة التعامل بالمثل، والندية في سياسية المواجهة مع واشنطن وحلفائها، وبالتالي الدفع نحو إفهام الأميركي بأن الطرف الإيراني هو طرف قوي لا يمكن اللعب معه على حافة الهاوية، ولديه القدرة على جعل المنطقة ناقلة كبيرة لجثث الأميركيين في حال فكروا بالاعتداء على طهران.

ونستطيع القول، بعد ما أوردناه من نقاط، أنه على الرغم من التعقيد الحاصل في منطقة الخليج، ووصول الأزمة إلى شفير الهاوية، حيث هناك احتمالات في نشوب نزاع عسكري في المنطقة، إلا أن هذا لن يحصل، لأسباب عدة، لا مكان لإيرادها هنا، ولكن أهمها أن واشنطن لن تدخل في رد فعل خاسر بوجه طهران، من أجل الناقلة البريطانية، فهي تعلم أن أي رد فعل ضد القوات الإيرانية سيؤدي إلى تدحرج الأمور إلى مواجهة عسكرية، لا تريدها واشنطن في الوقت الراهن على أقل تقدير، كونها تعلم أن هذه المعركة في وجه إيران لن تكون رابحة، بل ستؤدي إلى كوارث على القوات الأميركية، فإيران ليست مرتعاً لتنزه هذه القوات، وبالتالي فإن المسار الوحيد أمام واشنطن هو الذهاب نحو مفاوضات غير مشروطة تحافظ على الاتفاق النووي لإنهاء هذه الأزمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
علي إبراهيم مطر