مقالات مشابهة

عطوان: هل كسر تركيا للاحتكار الأمريكي بداية التمرد على صناعاتها ؟

المشهد اليمني الأول |

تواجه الصناعات العسكرية الأمريكية سلسلة متواصلة من الفضائح لا تكلف خسائر بمئات المليارات من الدولارات فقط، وإنما تراجع هيبتها وقدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية أيضا لصالح الخصوم في روسيا والصين وأوروبا.

مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، قال صراحة أن سعي بلاده لشراء منظومات الصواريخ الروسية الدفاعية من طراز ‘إس 400’ جاء بسبب قدراتها العالمية، ودقة إصابتها لأهدافها، ورخص أسعارها، بالمقارنة مع منافستها الأمريكية من طراز ‘باتريوت’ التي تراجعت كفاءتها العسكرية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

كان لافتا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم ينفذ أي من تهديداته التي توعد بها بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا بسبب تفضيلها الصواريخ الروسية، باستثناء تهديده بوقف مشاركة تركيا في برامج تصنيع طائرة الشبح الأمريكية المقاتلة من طراز ‘إف 35’ وتصنيع بعض أجزائها في مصانع تركية.

فبعد فضيحتي الخلل، أو العيوب، في إنتاج طائرتي 737 ماكس 8، و787 دريم لاينر المدنيتين، كشفت شركة طيران ‘بوينغ’ الأمريكية قبل يومين عن رصد عيوب تصنيعه في طائرة النقل العسكري والتزود بالوقود A 46 – KC مما أدى إلى رفض الجيش الأمريكي إدخالها في الخدمة، ويجري تصنيع طائرة الشحن العسكري هذه في مصانع الشركة في سياتل غربي الولايات المتحدة، وتعد من فروع طائرة بوينغ 767 7 200 التي دخلت الخدمة عام 1982، حيث رصدت المؤسسة العسكرية ما قيل أنها “أجسام غريبة” في بعض أجزاء الطائرة، من الممكن أن تسبب مشاكل كبرى خلال الطيران، وكشفت التحقيقات التي أجريت مؤخرا عن ‘ثقافة مريبة’ أخذت تسود في المصنع الحديث لطائرات بوينغ تستند إلى ‘السرعة في الإنتاج على حساب الجودة’، ولا ننسى في هذه العجالة سقوط طائرتين من طراز ‘بوينغ’ 733 ماكس بسبب خلل فني ومقتل أكثر من 300 من ركابها، الأولى إثيوبية والثانية ماليزية.

***

وبسبب هذه الأخطاء التي تكلف عشرات المليارات من الدولارات كخسائر لشركة بوينغ، وأخرى مماثلة لشركات أخرى، قرر الرئيس ترامب استخدام ‘الفيتو’ ضد ثلاثة قرارات اتخذها الكونغرس تقضي بوقف صفقات بيع أسلحة مثيرة للجدل إلى كل من السعودية والإمارات اللتين تخوضان حربا في اليمن منذ خمس سنوات تقريبا، وترتكبان جرائم حرب ضد المدنيين، واحتجاجا على مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بطريقة بشعة، لأنها أي القرارات، مثلما قال ترامب ‘تضعف القدرة التنافسية للولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وتضر بالعلاقات المهمة التي نقيمها مع حلفائنا وتقدم بإيصال رسالة تفيد أننا مستعدون للتخلي عن شركائنا وحلفائنا في الوقت الذي تتكثف فيه التهديدات ضدهم’.

ترامب تاجر، وأكثر ما يهمه هو صفقات الأسلحة، وما تدره من عشرات، وربما مئات المليارات من الدولارات، تنعش الصناعات العسكرية الأمريكية التي تتراجع قدراتها التنافسية بسرعة، وتدر دخلا للخزانة الأمريكية، وتخلق الوظائف للعاطلين عن العمل خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فهو يدرك جيدا أن زبائنه العرب لا يستطيعون أن يقولوا لا لإملاءاته وأوامره.

لا نعتقد أن السلطات التركية ستنزعج كثيرا من وقف مشاركتها في إنتاج طائرات الشبح المذكورة آنفا، رغم أن خسائرها المادية قد تصل إلى ملياري دولار كحدّ أدنى، لأنها ستتخلص من عبء هذا الاحتكار الأمريكي، وتشتري طائرات روسية مقاتلة أكثر كفاءة مثل طائرة ‘سو 35’ المزودة بقدرات قتالية عالية المستوى، وتتقدم على منافستها الأمريكية، حسب آراء معظم الخبراء العسكريين، وبعضهم غربيون.

ترامب تعهد في حملته الانتخابية الرئاسية قبل أربعة أعوام بأن يعيد العظمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وزيادة مسافة تفوقها على خصومها في ميادين صناعة الأسلحة، ولكن ما يحدث هو العكس تماما، فقد فشل في تغيير النظام في كل من سورية وفنزويلا وإيران، والنجاح الوحيد الذي حققه هو التهجم بطريقة عنصرية على النائبات الأربع من أصول عربية وإفريقية، وشتمهن بأفظع الشتائم العنصرية ومطالبتهن بالعودة إلى بلادهن، فأي عظمة هذه التي تأتي بالشتائم البذيئة.

تراجع الصناعات العسكرية الأمريكية التي تعتبر أحد الأركان الأكثر أهمية للاقتصاد وهيبة الولايات المتحدة، يعني بداية العد التنازلي لإزاحتها من القمة كالدولة الأعظم في العالم عسكريا وسياسيا واقتصاديا لصالح منافسين آخرين مثل الصين وروسيا.

***
لا نريد المبالغة في القدرات العسكرية الصاروخية الجبارة التي أحدثت ثغرة في جسم هذه الصناعة وكفاءتها بتدميرها أسطورة ‘الباتريوت’ والقبب الحديدية في الدولة العبرية، واختراق الرادارات التي تكلف مجتمعة عشرات المليارات من الدولارات خاصة في المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى، ولكن لا بد من الاعتراف بأن هذه الصواريخ والطائرات المسيرة، والعقول الجبارة التي تقف خلف إنتاجها، في إيران واليمن وجنوب لبنان وقطاع غزة، ولا تكلف إلا بضعة آلاف من الدولارات للصاروخ الواحد ونجحت في تغيير الكثير من المعادلات السابقة.

تمرد تركيا على الحليف الأمريكي وصناعته العسكرية المتراجعة، وهي الدولة العضو في حلف الناتو لحوالي 70 عاما، توجه لا يجب التقليل من أهميته، لأنه سيكون مقدمة لـ’تمردات’ مماثلة لدول أخرى، ويكفي التذكير بأن الهند التي يسخر منها وعمالتها بعض أشقائنا في دول الخليج (الفارسي)، لم تعد تملك ردعا نوويا فقط، وإنما أطلقت مركبة إلى الفضاء.

أين نحن العرب من كل هذا؟ نترك الإجابة لكم.. ولا نعتقد أنها تحتاج إلى الكثير من التأمل والتفكير.

* عبدالباري عطوان ـ رأي اليوم