مقالات مشابهة

إبن سلمان يطيح بالسعودية حتى في الخليج

المشهد اليمني الأول/

الدور الخارجي السعودي يواصل رحلة انحداره الجنونية في سورية والعراق واليمن وقطر وإيران وتركيا مسجلاَ أزمات قريبة من الانفجار مع الكويت وعمان والإمارات. فلم يعد لديه من أصدقاء سوى البحرين بالاستتباع ومصر بالتأييد الخطابي الفارغ، أما الأميركيون فهم أصدقاء وهميون لا يفعلون إلا مصالحهم مع العودة الدورية لابتزاز مملكة آل سعود وسط سخرية عالمية يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كل مرة ينتزع من الملك سلمان أو ولي عهد محمد أموالاً بالمليارات.

فأين هي المشكلة؟

لا ينتمي النظام السعودي إلى دائرة النظم المتعارف عليها عالمياً. فالوطنية بالنسبة إليه تعني دمج الناس فولكلورياً في عشيرة آل سعود إنّما من دون حقهم الاستحصال على سيطرتها الاقتصادية والسياسية.

كما أنه لا ينتسب إلى دائرة دول جزيرة العرب أو الخليج، فلا يقبل إلا باستلحاقها لبيعة آل سعود كزعامة خليجية وعربية وإسلامية، وإلا فإنه ينصب لها الفِخاخ والمكائد ومشاريع الحروب كما يحدث مع اليمن وقطر حالياً والكويت سابقاً وإيران منذ أربعين عاماً.

ولا ينتسب أيضاً إلى معادلة الدول القومية، ألم يسبق له الاحتراب مع أنظمة البعث في العراق وسورية وليبيا القذافي، مقاتلاً مشروع عبد الناصر بشراسة نادرة وفرت لـ»إسرائيل» فرصة الانقضاض على قواته في 1967.

كما أنه ليس نظاماً إسلامياً، لأنه يستخدم الدين لتقوية نظام آل سعود في ما تعمل الدول الدينية على تدعيم نظامها بتحشيد الناس حوله.

هذا هو النظام السعودي الذي يرفض الأدوار الوطنية والخليجية والعربية والإسلامية والأممية، ما يدل على أنه نظام العائلة الواحدة التي تستبيح لأفرادها السياسة والنفط والمال والدين والمواقع والمناصب.

بهذه المعادلة خرجت السياسة السعودية إلى الجوار العربي والإقليمي والدولي، لكن ما ستر عليها هما النفط والدين في حرميه الشريفين وموسم الحج. هذا إلى جانب الرعاية الأميركية، التي استعملت بدورها الدور السعودي لسببين الاقتصاد ومقارعة الاتحاد السوفياتي في مرحلة ما قبل 1990. هذا ما وفّر للسعودية دوراً وازناً في العالمين العربي والإسلامي، قام على أساس قدرتها على شراء الولاءات بنثر أموال النفط في كل اتجاه يريده أولياء الأمور الأميركيون.

إن ما تسبّب تبديل هذه الوضعية السعودية المريحة هي مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 لأن الأميركيين وضعوا مشروعاً لتفتيت المنطقة العربية، وذلك للمزيد من الإمساك بها وإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية والتأسيس التدريجي البطيء لعصر الاعتماد على الغاز.

فوضع آل سعود كامل إمكاناتهم الاقتصادية والدينية وعلاقاتهم مع تنظيمات الإرهاب المتقاطعة مع حركتهم الوهابية في خدمة تدمير المنطقة العربية والشرق أوسطية داعمين فيها حصراً الملكية في البحرين لإبادة تيارات معارضة ديمقراطية فيها، وذلك بتثبيت قواعد أميركية وبريطانية وفرنسية وسعودية وأخرى لمجلس التعاون الخليجي ودرك أردني وأدوار استشارية إسرائيلية وقوات آل خليفة.. كل هذا الانتشار موجود على مساحة 500 كلم مربع من أصل 700 كيلومتر هي مساحة البحرين، وبعديد سكان لا يتجاوز 50 ألف نسمة.

ماذا كانت النتيجة؟

أدرك المشروع الأميركي درجة عالية من التراجع والانسداد في سورية والعراق، وانكمش معه الدور السعودي ـ الخليجي الذي خسر كل أدواته، مُخلياً الساح لتقدّم الدور التركي بديلاً منه، أما العنصر الآخر فهو نجاح الصمود الإيراني في مجابهة أقوى مشروع أميركي ـ سعودي ـ إسرائيلي مع الإشارة إلى نجاح اليمنيين في ردع الهجوم السعودي ـ الإماراتي على بلادهم وانتقالهم من الدفاع المتواصل حتى الآن في جبهات متعددة إلى الهجوم داخل الأراضي السعودية بقوات برية وطائرات مسيّرة وصواريخ وصلت إلى مشارف الإمارات.

لقد شكّل هذا التراجع تقلصاً «بنيوياً» في الدور الإسلامي والعربي للسعودية فلم يتبق لها إلا البحرين ومصر، مع الكثير من الخطابات غير المجدية لرؤساء من دول إسلامية في آسيا الوسطى وأفريقيا، معبأة بمديح عاجز عن وقف انهيار دورها.

حتى أن الرئيس المصري السيسي اعتاد على القول إن الخليج جزء من الأمنين القومي المصري والعربي، مضيفاً بأن السعودية هي رأس هذا الأمن، أما عملياً فلا يسمع أحد صوت السيسي في أزمات الخليج حتى أنه يختبئ في قصره ملتزماً صمتاً عميقاً.

هذا ما يدفع بآل سعود لتكثيف دورهم في آخر ما تبقى لهم من زوايا وهي البحرين المطلة على ساحلهم الشرقي، حيث يتعاونون مع ملكها على إيقاع أكبر كمية أحكام بإعدام عشرات المعارضين لأسباب تتعلق بتهم حول نقل أسلحة وتنظيم جمعيات إرهابية، وهي تهم حتى ولو كانت صحيحة لا تستأهل أكثر من بضعة أشهر سجن، لكنه الذعر الذي يدفع السعوديين وآل خليفة إلى إنهاء حياة كل من لا يواليهم، وعلى السمع والطاعة المعمول بها في أراضي الحرمين الشريفين.

من جهة أخرى، أدى هذا الضمور السعودي في الدور إلى انتفاضة دول الخليج على هذه المملكة التي تمسك بهم منذ سبعينيات القرن الماضي، فشعروا أنها فرصة نادرة للخروج من العباءة السعودية وكانت عُمان البادئة، فاستقلت عن الموقف الحربي السعودي والتزمت سياسة حياد بين الأطراف المتعادية، ويتطور موقفها إلى حدود أداء دور وساطة فعلية بين إيران وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وترفض أي تنسيق مع السعودية.

كذلك الكويت المعتصمة بحياد وازن، والمنفتحة على العراق، أما قطر فتمكنت بدفع أموال للوالي الأميركي من النجاة من خطر الخنق السعودي ـ الإماراتي.

أما الإمارات، فما أن استشعرت اليأس من السيطرة على اليمن وصمود إيران في وجه الأميركيين والسعوديين والإسرائيليين حتى بدأت تحزم حقائب قواتها من اليمن إلى الإمارات، بشكل تدريجي وتحايلي وسط غضب سعودي منها.

وهكذا يتضح أن تراجع الدور السعودي لا يقتصر على البلاد العربية والإسلامية، لأنه أدرك مهد السعودية في جزيرة العرب ومداها الخليجي المباشر، ما يضعها أمام احتمالين: أما التخلي عن مساندتها للإرهاب الأميركي واكتفائها بإدارة المملكة حصرياً أو استرسالها ببناء علاقات عميقة مع الإسرائيليين وحكام البحرين، على قاعدة الانصياع للأميركيين والاستمرار في الضغط النفطي على روسيا وشراء بضائع صينية لا تحتاجها، وصفقات مع أوروبا لا تجيد استعمالها، يبدو أن رحلة الانتحار السعودي متواصلة لاعتقاد حكامها بأن انسحابهم من تأييد الأميركيين والإسرائيليين لا يبقي لهم أحداً في العالم فيخسرون الحكم والدنيا والدين، وأراضٍ في شبه الجزيرة العربية يحتلونها منذ مطلع القرن الفائت، ويستعبدون سكاناً، قابلين للتمرّد عليهم عند توافر الظروف المناسبة، وهي لم تعد بعيدة.
ـــــــــــــــــــــــــــ
د. وفيق إبراهيم