مقالات مشابهة

تعرف على آفاق الصراع الاستراتيجي الإيراني مع أمريكا

المشهد اليمني الأول/

في أبعاد مجريات الأحداث الساخنة بشأن الاتفاق النووي والتوتر في مياه الخليج، تحوّلات عميقة تكشف عن صعود إيران في المعادلات الإقليمية والدولية مقابل انحدار السيطرة الأميركية. لكن آفاق المواجهة بين الطرفين قد تسفر عن تغيير المنظومة الإقليمية والدولية على حساب أمريكا وحلفائها.

لعلَ الأزمات الإقليمية والدولية الناتجة عن الصراع الاستراتيجي بين أمريكا وإيران، أشبه بالزلزال الذي أحدثه انهيار الاتحاد السوفييتي في تغيير المعادلات الاستراتيجية رأساً على عقب. فالتعبير المكثّف عن حصيلة الصراع بين أميركا وإيران يدلّ على انحدار القدرة الأميركية في السيطرة القطبية الأحادية على معادلات المنظومة الدولية، ويدلّ في المقابل على صعود إيران ومحور المقاومة في موازين القوى الإقليمية والدولية، ما يفتح آفاق الانتقال إلى أسس منظومة دولية جديدة على حطام المنظومة الوليدة، إثر انتصار الحلفاء على المحور في الحرب العالمية الثانية.

إدارة ترامب التي تخوض معاركها مع معظم بلدان العالم، ولا سيما مع الصين وروسيا، تخوض حرباً مع إيران تعبّر عنها بعبارة “أقصى العقوبات” والحرب الاقتصادية. وربما السبب الأساس في هذه الحرب الأميركية ضد إيران التي تختلف عن المعارك الأميركية الأخرى، أن نموذج الثورة الإيرانية هو نقيض النموذج الأميركي، ويتجلّى هذا الأمر أكثر ما يتجلّى في التناقض العميق بين إيران والولايات المتحدة بشأن القضية الفلسطينية ووجود “إسرائيل”. وهو ما يعيد الاعتبار إلى إرث حركات التحرر والصراع بين الشمال والجنوب من أجل السيادة والاستقلال والحقوق الإنسانية في الغذاء والمأوى والتعليم والطبابة والعمل.

الدول الغربية في أوروبا وأميركا قبل ترامب سعت جاهدة بكل الوسائل الحربية بالوكالة والسياسية والاقتصادية والاستخبارية تطويع إيران لمنعها من تحقيق أهداف الثورة، لكنها اضطرت مرغمة بعد فشل مساعيها إلى المراهنة على توقيع الاتفاق النووي، أملاً بأن يؤدي انفتاح إيران على الدول الغربية والسوق الدولية إلى “تغيير السلوك” الإيراني بشأن وجود “إسرائيل” وبشأن الاستقلال والتحرر وتعاون العالم الإسلامي والمنطقة العربية.

ولم تتخلَّ إيران عن ثوابت أهداف الثورة على الرغم من البراغماتية السياسية في تحقيق المكتسبات، إذ رفضت إدراج ملفات البرنامج الصاروخي والسياسة الخارجية على طاولة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي. ولعل الدول الأوروبية التي تزعم الحفاظ على الاتفاق النووي، تتذرّع بالعجز عن تنفيذ التزاماتها تجاه إيران، لكنها تضحّي بصدقيتها أملاً بالضغط على إيران في البرنامج الصاروخي وسياستها الخارجية ولعب دور الوسيط مع ترامب. ولم تغيّر إيران براغماتيتها الدبلوماسية مع أوروبا لكنها تحرص على التمسّك بحقوقها لتعزيز قدراتها في زيادة التخصيب والاستعداد لتنفيذ المرحلة الثالثة.

ترامب الذي يتراجع عن الاتفاق النووي يتخيّل أن أقسى العقوبات والحرب الاقتصادية ترغم إيران على التراجع عن تحقيق أهداف الثورة والتدجين في إطار “الواقعية السياسية” بدعوى المفاوضات مع ترامب لتوقيع صك التنازل عن استقلالها والتعهّد على الأقل بعدم إعاقة المشروع الأمريكي المسمّى “صفقة القرن”.

لكن حرص إيران على ثوابت الثورة تعبّر عنه في مواجهة أمريكا والتمسّك بالندّية دفاعاً عن حقوقها كما أثبتت في إسقاط الطائرة الأمريكية وفي منع ترامب من حفظ ماء الوجه بضربة عسكرية محدودة حين وضعته بين خيار التراجع أو الحرب الشاملة ضد “إسرائيل” وحلفاء أميركا وضد القواعد والقوات والمصالح الأميركية.

القدرة الإيرانية على مواجهة أمريكا في دفاعها عن أهداف الثورة تتقاطع في الاستراتيجيا الدولية مع عودة روسيا إلى معادلات توازن القوى في المنظومة الدولية ومع نمو القدرة الصينية على منافسة الاقتصاد الأمريكي، ما يؤدي بروسيا والصين إلى السعي لتحسين مواقعهما على حساب السيطرة الأمريكية. فهذه التحولات تفرض نفسها في مأزق الإدارة الأميركية مع إيران. لكن الصراع الاستراتيجي بين أميركا وإيران يحمل في طيّاته تحوّلات إقليمية ودولية عميقة أساسها مركز الثقل الإيراني في مواجهة أمريكا.