المشهد اليمني الأول/

يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حثيثا للتسويف, والمماطلة إزاء مبادرة السلام المعلنة من رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط نهاية سبتمبر الماضي , ويحاول الابتعاد عن الحل بطلب وساطات دولية لإجراء محادثات مع طهران التي بدورها أعلنت أن لاحل لوقف العدوان إلا باليمنيين وتحديدا بين صنعاء والرياض.

وكان مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى أعلن، في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي ، عن وقف كافة أشكال استهداف الأراضي السعودية مع الاحتفاظ بـ”حق الرد”، وإطلاق “مبادرة سلام” هدفها إتمام مصالحة “وطنية شاملة” بموجب مفاوضات “جادة وحقيقية” بين مختلف أطراف الحرب، لكن العمليات العسكرية ما زالت جارية حتى اليوم.

وقال المشاط ندعو إلى “مفاوضات جادة في ظل وقف تام لإطلاق النار تفضي إلى الحل السياسي الشامل، على الرُغم من عدم تنفيذ الطرف الآخر من اتفاق ستوكهولم”

وعقب إرسال بن سلمان وساطة رئيس الوزراء الباكستاني غلام خان, الذي نقل رسالة منه لإيران بشأن التفاوض على ملف اليمن أعلن متحدث الرئاسة الإيرانية علي ربيعي الجمعة ، رفض بلاده التفاوض مع السعودية بشأن وقف الحرب باليمن نيابة عن اليمنيين وفي غيابهم .

وعوضا عن أن يتم تسوية الملعب لمفاوضات جادة بين صنعاء, والرياض لإنهاء تورط العدوان بالحرب على اليمن لخمس سنوات ,سارعت واشنطن أمس الجمعة ,ومن طرف واحد للإعلان عن نيتها إرسال الآلاف من الجنود الأمريكيين للسعودية لحمايتها حسب مزاعم وزير دفاعها .

وعقب إعلان الولايات المتحدة إرسال قوات إضافية ومعدات عسكرية إلى السعودية وسط تصاعد التوتر في منطقة الخليج علق عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي على ذلك الإجراء قائلا “بدلا من إرسال المزيد من آلاف العناصر العسكرية الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط سيكون أفضل لترامب وإدارته ووزير حربه اسبير أن يرسلوا خطط العيش المشترك وخطط المواطنة المتساوية والديمقراطية لا خطط الحروب والدمار لحلفائهم أو للشعوب الحرة”.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أفادت في تقارير صحفية قبل أيام بأن الولايات المتحدة بصدد الإعداد لمحادثات مباشرة مع انصارالله كما ذكرت مصادر صحفية أميركية نقلا عن المبعوث الاممي إلى اليمن مارتن غريفيث قوله ان واشنطن تبحث تقديم خطة سلام للحرب في اليمن وأنها تدعم جهوده التي يبذلها لإنهاء الحرب وإيجاد حلول سياسية للازمة.

وأضاف محمد الحوثي قائلا “أن يرسلوا لحلفائهم ولو لمرة واحدة ما يحمله شعار أمريكا من أغصان الزيتون، وأن يفاجئوا العالم بأنهم – مع مساعدتهم لحلفائهم في صنع أسوأ أزمة إنسانية في العالم على الشعب اليمني – لا يزالون يحملون جزءا من إنسانيتهم المزعومة، وأن يفاجئوا العالم بتغيير سياستهم العدوانية، والتي بالتأكيد لم يحصدوا من ورائها غير السخط والخسارة كما تحدث ترامب بأنهم خسروا جراء قرارهم الخاطئ ثمانية تريليونات”.

وتابع: “أن يواجهوا الشعب الأمريكي بالحقيقة التي يدركها الجميع أن زيادة العدد لا يعني الانتصار، فما لم يحققه 14000 ألف جندي لا يمكن أن تحققه الزيادة المعلنة سواء كانت 2000 أو 3000 بحسب الرواية المختلفة للإدارة ذاتها”، مضيفا: “علمنا إن انسحابكم من خطوط التماس مع إيران بسوريا لا يعني إعادة تموضع من السعودية

وقال الحوثي “أن يشعروا شعبهم – ولو لمرة واحدة – أنهم تعلموا الدرس من حرب فيتنام أو حرب العراق أو حربهم في اليمن، وأنها حروب عبثية”.مشيرا إلى أن “مزاعم المواجهة مع إيران من السعودية باتت مفضوحة”.
وتواصل قوى العدوان على اليمن غاراتها الجوية, وتحركاتها ,وعملياتها العسكرية وتشديد الحصار رغم مرور ثلاثة أسابيع على إعلان صنعاء لمبادرة السلام ،وتوالت تأكيدات القوى في صنعاء أن الموقف السعودي ما زال غير واضح متوعدة بان استمرار تصعيد العدوان سيقابل بتصعيد مماثل .

ومرت نحو ثلاثة أسابيع منذ إعلان صنعاء لمبادرة وقف الهجمات الصاروخية على العمق السعودي ولا مؤشرات مماثلة من جانب الرياض وتحالفها مع استمرار الغارات الجوية والتصعيد العسكري على الأرض إذ شنت منذ بدء التهدئة اليمنية أكثر من 300 غارة أدت إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى …

وحسب مصادر عسكرية بالجيش واللجان لا تزال المبادرة مطروحة ولا يزال النظام السعودي يراوغ في جديته كذلك من القبول بها ،و الميدان هو الذي يحدد ما إذا كان النظام السعودي قبل بالمبادرة من عدمها .

ورغم ترحيب مسئولين سعوديين بمبادرة صنعاء وإنهم ينظرون إليها بإيجابية وسط أحاديث عن تفاهمات غير معلنة للتهدئة من الطرفين إلا أن الموقف السعودي بحسب القوى في صنعاء ما زال في إطار الأقوال ولم يترجم إلى أفعال ،وان الرياض حتى اللحظة لم تقدم أي تصور حقيقي لوقف عدوانها وحصارها وهو ما لا يساعد على استمرارية المبادرة وتحولها لتهدئة شاملة …

وتصعيد تحالف العدوان تمثل أيضا في تحركاته وممارساته العبثية في جنوب البلاد وتحديدا مدينة عدن من خلال ما أسماها بخطة إعادة التموضع والانسحاب المفاجئ للقوات الإماراتية مقابل انتشار قوات سعودية كما ضاعفت السعودية وتحالفها من حالة الحصار على اليمنيين والتسبب في أزمة إنسانية خانقة نتيجة احتجاز عدة سفن تجارية ونفطية .

وحيال هذا الشأن، يرى الخبراء أن انسحاب الإمارات مجرد خدعة تهدف إلى تلميع صورة أبو ظبي على الساحة الغربية. وإن الجهود التي تبذلها للنأي بنفسها بعيدا نفسها عن التداعيات السياسية السلبية لهذه الحرب ، لا سيما في ظل توقعات خسارة الرئيس دونالد ترامب لانتخابات السنة القادمة لصالح مرشح عن الحزب الديمقراطي.

ويرى خبراء عسكريون انه مع تعهد الجيش واللجان الشعبية بضرب الإمارات في حال واصل الإماراتيون المشاركة في الحرب فإن ذلك يؤكد وجود الانقسامات الأساسية التي كانت موجودة لدى دول تحالف العدوان الذي بداء ب 17 دولة وتراجع إلى بضع دول, وبمشاركة صورية أكثر منها فعلية فى الميدان العسكري.

وفيما تتوعد صنعاء أن أي تصعيد عسكري سيقابل بالمثل تؤكد أن الحصار الخانق على رأس الأعمال العدائية وان لقواتها اتخاذ ما يلزم عسكريا لرفعه وهو ما يعني أن الهدنة الأحادية الجانب باتت على شفا الانهيار في أي لحظة.

وفي مقابل تلك الضربات نفذت القوات اليمنية 241 عملية هجومية مختلفة منها 50 عملية اقتحام وسيطرة و68 عملية إغارة تركز اغلبها على جبهات نجران وجيزان وعسير،وكان أكبرها وأوسعها عملية “نصر من الله” التي ما زالت تكشف تفاصيلها تباعا، كما أن سلاح الجو المسير نفذ 56 عملية هجومية استهدف معظمها مواقع ومنشأت وقواعد عسكرية في العمق السعودي.

وهناك أرقام مهولة فيما يتعلق بالخسائر البشرية وفي الآليات, وأيضا في الجغرافيا هناك خسائر وتم استعادة العديد من المواقع التي كان قد سيطر عليها العدوان منذ ثلاث سنوات وتم استعادتها في زمن قياسي وبإمكانيات وقدرات جبارة.

وأكد الجيش واللجان تمسكها بحق الرد على كل عمل عدائي بحجمه ومستواه ولو كان غارة جوية واحدة ومواصلة الدفاع عن سيادة وكرامة اليمن ،في مواجهة ضربات التحالف واستمرار عملياته العسكرية تمسك صنعاء بأعصابها وفي الوقت نفسه تقول قواتها المسلحة إن الحرص على السلام لا يعني التفريط بسيادة اليمن وكرامة شعبه وتؤكد أن السلام لا بد أن يؤدي تلقائيا إلى وقف الحرب ورفع الحصار وإنهاء معاناة الشعب اليمني.

وخلاصة القول ينبغي على الرياض أن تتعامل مع جرائمها العديدة التي ارتكبتها في اليمن، والتي تسببت في جعل السعودية منعزلة أكثر في خضم صراع يديره ولي العهد بن سلمان بمفرده.خاصة بعد تكثّيف الجيش واللجان الشعبية الأشهر الأخيرة ضرباتهم الصاروخية وبطائرات مسيّرة ضد السعودية واستهدافهم مواقع حيوية وإستراتيجية في العمق السعودي.

تقرير : محمد علي الديلمي