المشهد اليمني الأول/

من المقرر أن يقوم الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بجولة إلى الشرق الأوسط، وستكون السعودية إحدى المحطات. وقبل زيارته إلى السعودية، أشار بوتين إلى قضايا مهمة للصحفيين.

حيث تحدث عن الهجوم على أرامكو وقال إن موقفه هو إدانة الهجوم، وأشار إلى العلاقات التاريخية بين السعودية وروسيا، لكنه أكد في الوقت نفسه على أن الدول المجاورة لإيران يجب أن تأخذ في الاعتبار موقعها، لأن قوة أكبر مثل إيران، التي كانت في هذه الأرض منذ آلاف السنين، لها مصالحها الخاصة التي يجب احترامها.

موقع روسيا الوسيط في الشرق الأوسط

تصريحات بوتين قبل زيارته إلى السعودية وتأكيده المتزامن على موقع إيران القوي إلى جانب إدانة حادثة أرامكو، تشير بوضوح إلى أن روسيا لا تزال تحاول لعب دور الوسيط في العلاقات الإقليمية لدول الشرق الأوسط.

بعبارة أخرى، على عكس الجهات الفاعلة عبر الإقليمية الأخرى مثل الدول الأوروبية أو أمريكا، حاولت موسكو حتى الآن لعب الدور الوسيط في الصراعات الإقليمية أو التوترات في الشرق الأوسط، وهذا يغاير دور الدول الغربية في المنطقة، التي كانت دائماً جزءاً من التوتر في العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط.

وخلال التطورات في سوريا، كانت أمريكا دائماً جزءاً من الحدث، وأظهرت مواقفها إلى جانب السعودية والإمارات، لكن روسيا وعلى الرغم من دعمها للحكومة المركزية لبشار الأسد، فقد تابعت دائماً علاقات وثيقة مع كل من السعودية وإيران، واستخدمت موقفها دوماً لتعديل الموقف المعادي لسوريا من قبل السعوديين أو الدول الأخرى المعارضة للحكومة السورية المركزية.

وفي اليمن أيضاً، فعلى الرغم من دعم الغرب الكامل للسعودية، كانت روسيا تؤكد على حل المشكلة والتفاوض مع الجماعات اليمنية وقادة الرياض ووقف الاشتباكات والحرب على اليمن، رغم أن عدم النضج السياسي لولي العهد السعودي الشاب تسبّب في استمرار الأزمة في اليمن حتى الآن.

وبالنسبة إلى العلاقات المتوترة الحالية بين إيران والسعودية، تحاول روسيا لعب دور الوسيط سعياً لتحقيق التوازن في المنطقة بدلاً من أن تكون طرفاً، وانعكس دور روسيا هذا بوضوح في تصريحات بوتين قبل السفر إلى السعودية.

فرصة روسيا الذهبية في سياسة ترامب الانعزالية

في سياق التطورات الأخيرة فيما يتعلق بالهجوم التركي على شمال سوريا، كتب السيناتور الأمريكي البارز “ليندسي غراهام” في انتقاد غير مسبوق للرئيس الأمريكي في تغريدة: إن سياسة الانعزالية لم تحقق نتيجةً لأمريكا، لا قبل الحرب العالمية الثانية، ولا في 11 سبتمبر ولا الآن.

أشار غراهام في الواقع إلى أن انسحاب أمريكا من شمال سوريا يعتمد على سياسة ترامب الانعزالية التي يتبعها بشأن أمريكا.

لكن انعزالية ترامب هذه حيال التطورات في الشرق الأوسط، تمثل من ناحية أخرى فرصةً ذهبيةً لورثة القيصر الروسي في الكرملين لتعزيز دورهم في المنطقة في غياب الأمريكيين.

وبعبارة أخرى، أتاحت سياسات ترامب الفرصة لروسيا للعب دور أكبر في التطورات الإقليمية.

لكن دور روسيا القوي في المنطقة يواجه عقبةً كبيرةً، وهي قلق دوائر القوة في أمريكا، فعلى الرغم من رغبة ترامب الشخصية في تقليص دور أمريكا في الشرق الأوسط، إلا أن الحقائق تظهر أن المناخ السياسي الأمريكي هو المهيمن، وحتى أقرب حلفائه غير راضين عن خروج أمريكا من الشرق الأوسط.

منذ بضعة أيام فقط، تحدّث ترامب عن الشرق الأوسط ليبرر مغادرة شمال سوريا، واصفاً الإنفاق الأمريكي في المنطقة أنه بلا جدوى، ولكن في المقابل فإن العديد من حلفاء ترامب الجمهوريين، بما في ذلك السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أو مندوبة إدارة ترامب السابقة في الأمم المتحدة “نيكي هايلي” وبعض الشخصيات المحافظة البارزة الأخرى، تفاعلوا سلباً مع هذه المغادرة.

حتى قيل إن استقالة وزير الدفاع الأمريكي السابق “جيمس ماتيس”، قد جاءت بسبب معارضته لسحب القوات الأمريكية من سوريا ومناطق الشرق الأوسط الأخرى.

تبعاً لذلك، فإن تراجع دور أمريكا العسكري في المنطقة لم يلق قبولاً حسناً من السياسيين الأمريكيين، ويمكن ربطه بشكل أكبر بفكرة النظرة الاقتصادية لترامب، وفي هذه الحالة، ليس بعيداً عن المتوقع أنه بعد ترامب، ستستمر سياسة واشنطن في توسيع دورها وإنفاقها العسكري في المنطقة.

من ناحية أخرى، لم يتمكن ترامب بعد من تنفيذ فكرته حول خفض الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط بسبب معارضة السياسيين الأمريكيين الآخرين، وسيرسل قواته إلى المنطقة مرةً أخرى إذا شمَّ رائحة الأموال، ومنها ما أعلنت عنه وزارة الدفاع الأمريكية قبل بضعة أيام عن نشر 3 آلاف جندي في السعودية، لكن في الوقت نفسه، قال ترامب للمراسلين بأن السعودية هي التي ستموّل هذه القوات.

أهداف السعوديين من التقارب مع روسيا

في الوقت نفسه، فإن زيارة بوتين إلى السعودية والتي تأتي بدعوة من العاهل السعودي، مرتبطة أيضاً بالمخاوف والاحتياجات السعودية.

ففي هذه الأيام، تشعر السعودية بالضعف الشديد في مجال الدفاع الجوي، وهذا الضعف ليس بعيداً عن الواقع أيضاً، حيث تشير هجمات الجيش اليمني بالصواريخ والطائرات المسيرة ردّاً على استمرار العدوان السعودي، إلى مدى ضعف هذا البلد في مجال الدفاع الجوي.

في هذه الظروف، يتطلع السعوديون إلى نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس 400 أيضاً، والذي يتم نصبه في تركيا هذه الأيام، وقبلها قدَّمت الهند طلبات لشرائه، وربما يكون المستورد التالي هو الرياض.

بالطبع، في وقت سابق خلال زيارة الملك سلمان إلى موسكو في سبتمبر 2017، توصل الجانبان إلى اتفاق بشأن الدراسات الأولية حول نشر إس 400 في السعودية، والآن ربما ستؤدي زيارة بوتين إلى الرياض إلى اتفاق على استيراد إس 400 الروسي إلى السعودية.

لكن وصول إس 400 إلى السعودية هو كابوس كبير لواشنطن، ولهذا السبب أيضاً وبالتزامن مع الإعلان عن زيارة بوتين إلى السعودية، أعلن المسؤولون الأمريكيون عن إمكانية تزويد السعودية بجيل جديد من منظومة صواريخ “ثادالأمريكية.

لا يزال لدى السعوديين هدف طموح آخر، سيجعل الرياض وموسكو تتقاربان أكثر، ألا وهو البرنامج النووي السعودي.

يواجه البرنامج النووي السعودي أحياناً أصواتاً معارضةً في أمريكا، ولا سيما أن السياسيين الديمقراطيين الأمريكيين لديهم ثقة ضئيلة بالأهداف النووية السعودية، بينما يدعم ترامب مشاركة الشركات الأمريكية في البرنامج النووي السعودي لأسباب اقتصادية، ولكن من غير الواضح ما إذا كان سيستمر هذا الدعم بعد ترامب أم لا.

هذه الظروف نفسها هي التي تجعل السعوديين يلتفتون في بعض الأحيان إلى أصدقائهم الروس، حتى يتمكّنوا من تحقيق نتيجة تذكر بشأن برنامجهم النووي، لذلك فإن البرنامج النووي السعودي مجال آخر يجعل قادة الرياض أكثر ميلاً للروس.

مصدرالوقت