مقالات مشابهة

عدن في ظل الإحتلال: اغتيالات وإخفاءات وسجون سرية

المشهد اليمني الأول |

منذ سيطرت القوات الإماراتية على المشهد الأمني في عدن أواخر عام 2015، تحولت تلك المدينة التي حملت كل معاني وملامح وروح المدنية إلى بؤرة للفوضى بأشكالها كافة.

رأت مدينة عدن، في عهد الحاكم الإماراتي وأدوات أبو ظبي من التشكيلات العسكرية التي أنشأتها ودربتها وتمولها، ما لم تره تلك المدينة المسالمة حتى في عهد الاحتلال البريطاني، فقد أصبحت الاغتيالات طقساً معتاداً؛ إذ لا يمر يوم أو أسبوع أو شهر إلا وتحدث عملية اغتيال، وغالباً ما يكون الضحايا من الأبرياء، إضافة إلى عمليات الاعتقالات والإخفاءات القسرية، التي أنشأت من أجلها الإمارات سجوناً سرية لإذلال مواطني الجنوب وبأيدي إخوانهم ممن اشترت أبو ظبي ولاءهم، ولم تسلم من تلك الاعتقالات والإخفاءات القسرية حتى النساء، فقد تمت مداهمة منازل واختطاف نساء من داخلها إلى تلك السجون السرية، ويحدث في تلك السجون ما لم يتخيله يمني من تعذيب يصل حد الاعتداءات الجنسية.

وفوق كل ذلك أغرقت الإمارات المحافظات الجنوبية اليمنية بالمخدرات، خصوصاً مدينة عدن، حيث أصبحت المخدرات بكل أنواعها في متناول حتى القاصرين، ولم يتم ضبط أحد من تجارها ومروجيها، فقد أفادت الأنباء أن ضباطاً إماراتيين كانوا ومازالوا يقفون خلف تلك التجارة، حتى من كان يتم ضبطه لم يكن ذلك إلا للتغطية الإعلامية حيث كان يطلق سراحهم في اليوم نفسه، ولم يسمع أحد عن محاكمة أي تاجر أو مروج مخدرات في عدن.

لم يكن إغراق الإمارات محافظات الجنوب بالمخدرات لأجل التجارة نفسها، بل كان لأجل تحويل شباب تلك المحافظات إلى عناصر غير فاعلة وغير قادرة على العطاء وغير قادرة على الدفاع عن أرضها وثرواتها، ولنا أن نتخيل ماذا يعني مجتمع مدمن على المخدرات!!

كما حرصت الإمارات من خلال التشكيلات العسكرية المحلية التي أسستها في الجنوب ومولتها، حرصت على إفراغ الجنوب من أبنائه، حيث زجت بأعداد كبيرة من الشباب إلى معاركها العبثية في جبهات الساحل الغربي، أو إرسالهم للدفاع عن الحدود الجنوبية للسعودية، ولا شيء هناك غير الموت المجاني.

حرصت الإمارات منذ إحكام سيطرتها وبسط نفوذها في عدن على تحويل المشهد إلى فوضى عارمة، وأهم ما حرصت أبو ظبي على حدوثه هو إحياء النزعات المناطقية، حيث نفذت أدواتها في عدن عمليات قمع فظيعة بحق أبناء المحافظات الشمالية في عدن، فزجت ببعضهم في السجون الإماراتية بعدن، ورحلت كثيراً منهم بطرق مهينة، بعد نهب ومصادرة كل أملاكهم، وحرصت الإمارات على تكريس مفهوم أن أولئك المواطنين البسطاء من أبناء الشمال محتلون، لصرف الأنظار عن كونها محتلة ومغتصبة للأرض الجنوبية.

ولم يفتِ الإمارات دعم نافذين من أدواتها على نهب الممتلكات الخاصة والعامة، بل وصل بأولئك النافذين التبجح حد البسط على الأراضي العامة أو الخاصة بحماية أطقم عسكرية رسمية، في مشهد لم تكن عدن تتخيل يوماً أن يحدث في شوارعها وزواياها التي طالما فاضت بالمحبة والألفة وسيادة القانون.

ولم يتوقف العبث الإماراتي عند تلك الحدود؛ فقد دفعت أبو ظبي بأدواتها إلى تشويه المعالم الأثرية والتاريخية، حيث امتدت أيادي أولئك العابثين إلى البناء داخل حرم صهاريج عدن التاريخية، وكذلك برج الصمت أو ما يسمى “مهلكة الفُرس”، وكذلك أعمال البسط والاستحداثات والحفر في مساحات تابعة لقلعة صيرة التاريخية، خصوصاً في الأرض البحرية الواقعة إلى الجنوب من القلعة، والتي تهدد بتدمير ذلك المعلم التاريخي، وقد بني عدد من المنازل العشوائية في محيط متنفس أرضي تابع للقلعة.

وخلال الفترة الأخيرة لم يكتفِ المتنفذون بالبسط على الممتلكات الواقعة في الشوارع الخلفية؛ بل امتدت أطماعهم وعبثهم إلى البسط على الشوارع الرئيسية، فقد نهبوا الشارع العام في جزيرة العمال بمديرية خور مكسر، وتم البناء على ضفة البحر بمدخل الجزيرة، كما بنى أحدهم عمارة على رصيف الشارع العام في مديرية المنصورة.

وها هي الإمارات تسلم عدن لحليفتها السعودية، والتي مهما كانت الشعارات المبشرة بعهد جديد؛ لن تفعل شيئاً سوى إكمال ما بدأته شقيقتها.