المشهد اليمني الأول/

تركت الحرب العدوانية الظالمة التي تقودها السعودية وحلفاؤها على اليمن آثاراً مدمرة شملت معظم نواحي الحياة في هذا البلد منذ عام 2015 حتى اليوم، إذ إن هذه الحرب طالت معظم القطاعات وخاصة الخدمية والصحية، مخلفة نتائج مأسوية على الشعب اليمني، فقد ذكرت تقارير الأمم المتحدة بأن هناك أكثر من 18 مليون شخص بحاجة معونات إنسانية، وكذلك 3 ملايين نازح يحتاجونها، إضافة إلى عشرات الآلاف ممن لقوا حتفهم أو أصيبوا بجروح.

ولا شك في أن هناك الكثير من الحاجات التي لا تتم الاستجابة إليها، فانعدام الأمن نتيجة القتال والقصف يجعل تقديم المساعدة أمراً صعباً جداً وأحياناً ومستحيلاً، كما أن مشكلات الوصول إلى السكان نتيجة القيود المفروضة أو التأخيرات في إصدار التصاريح لبعض الجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني تجعل التدخل الإنساني صعباً.

إن الشعب اليمني بات يعتمد كلياً تقريباً على المعونات، وخاصة بعد تراجع النشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ، وهناك قضية مقلقة جداً تتمثل في ظهور الأمراض ومنها المعدية، وهو مؤشر مباشر لانهيار النظام الصحي، حيث انخفض مستوى تغطية اللقاحات إلى درجة أدنى من المعتاد بكثير، كما أثر اجتماع عدة عوامل كالحرب والقيود المفروضة على الواردات وعدم دفع رواتب الموظفين الحكوميين بشكل خطير في توفر الطعام وإمكانية الحصول عليه، إضافة إلى ذلك لا تتوفر العلاجات التغذوية، كما أن عمليات توزيع الطعام متقطعة وغير منتظمة.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن هناك 1.1 مليون امرأة مرضع تعاني من سوء التغذية و 462 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد نتيجة تدهور الأوضاع في اليمن، كما أن المشافي ومراكز توزيع الأغذية لا تعمل بطاقتها الاستيعابية القصوى، وهناك العشرات من المنشآت الصحية دمرت بفعل الغارات الجوية، ولم يقتصر الأمر على الهجوم على المستشفيات، فهناك منشآت مدنية أخرى كالأسواق أو الملتقيات الاجتماعية تعرضت أيضاً للاستهداف.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد أشار الاقتصاديون إلى عدم وجود إحصاءات دقيقة لحجم الخسائر الاقتصادية في اليمن، إلاّ أن بعض التقديرات المحلية تؤكد أن البلاد تكبدت خسائر اقتصادية جسيمة تفوق في تقديراتها الأولية 100 مليار دولار، كما أظهرت النتائج الأولية لمسح حديث أجراه البنك الدولي في تشرين الأول 2018 أن ما يقرب من 35 في المئة من الشركات اليمنية أغلقت أبوابها، بينما عانى أكثر من 51 في المئة من الشركات الناجية من تضاؤل حجمها وتراجع أعمالها.

وفي الوقت ذاته كشف تقرير رسمي أعد مؤخراً أن حجم الخسائر الاقتصادية يفوق الـ54.7 مليار دولار خلال أربعة أعوام من 2015 إلى 2018 مقارنة بسنة الأساس عام 2014. وأوضح التقرير أن أحد أهم آثار الحرب على اليمن يتلخص في انكماش متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من نحو 1287 دولاراً عام 2014 إلى 385 دولاراً عام 2018 بمعدل تغير تراكمي 70 في المئة، مبيناً أن هذا الانكماش يعني انزلاق المزيد من المواطنين إلى ما تحت خط الفقر المقدر بـ600 دولار للفرد في العام.

وأظهرت تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 90 في المئة نهاية عام 2018 مقارنة بـ49 في المئة عام 2014، وتدنياً مزمناً في نصيب الفرد اليمني من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية مقارنة بمتوسط دخل الفرد في العالم ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وأفاد التقرير بأن الاقتصاد اليمني سجل خلال الحرب على اليمن انكماشاً تراكمياً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي في الأعوام التالية: 2015-2016-2017-2018، لافتاً إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 إلى 24.8 مليار دولار مقارنة بـ 31.7 مليار دولار عام 2014، بينما انخفض إلى 17.6 مليار دولار في عام 2016 وإلى 15.3 مليار دولار في عام 2017 وإلى 14.4 مليار دولار في عام 2018

ونبه التقرير إلى أن هذا الانخفاض وتلك الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي لليمن مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الحرب التي ألحقت أضراراً مباشرة على رأس المال المادي والبشري إضافة إلى تسببها بنزوح ملايين اليمنيين داخلياً وخارجياً، إلى جانب دفع الكفاءات ورأس المال للهجرة، وكذلك زعزعة الثقة بمستقبل الاقتصاد اليمني، ولفت التقرير إلى أن الحرب المستمرة عدة سنوات على اليمن تسببت بحدوث أزمة سيولة حادة للقطاع المصرفي، وبعجز في الموازنة العامة للدولة، إضافة إلى تعميق انكماش الناتج المحلي الإجمالي.

إن الحرب على اليمن تركت معظم موظفي الدولة والمتقاعدين من دون رواتب لنحو أكثر من 3 سنوات، وتسببت في تعثر برامج الخدمات العامة، وتعطيل الكثير من الأنشطة الاقتصادية والخدمات العامة وعلى رأسها الكهرباء والنفط والغاز التي كانت تمثل أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني.

وعن مسلسل الجرائم التي ارتكبت بحق الاقتصاد اليمني بسبب الحرب الظالمة التي تقودها السعودية على اليمن وشعبه، أكد تقرير أممي أن تلك الحرب كبّدت الاقتصاد اليمني خسائر بالغة تجاوزت 89 مليار دولار وساهمت في تراجع التنمية البشرية لأكثر من 20 عاماً.. في حين قال تقرير أممي صدر مؤخراً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: لو تحقق السلام غداً، فقد يستغرق الأمر عقوداً حتى يعود اليمن إلى مستويات التنمية السابقة وهذه خسارة كبيرة للشعب اليمني.

(مركز الدراسات الاستراتيجية العالمي)