المشهد اليمني الأول/

تحاول سلطات نجد في «اتفاق الرياض» لملمة شذاذ آفاق شرورها العدوانية، وجمع ما تبقى معها من دويلات ومشيخات البترودولار ومن يقف خلفها بهدف استمرار عدوانها لتمزيق شعب وتدمير وطن لطالما تمنت أن تلتهم خارطة حدوده الجغرافية وتلغي وجوده التاريخي.

منذ عقود خلت وسلطات بني سعود بحقد سلالي وبتراتبية زمنية، تجاهد لطمس هوية اليمن الحضارية، والتحكم بسيادته الوطنية، ولأجل ذلك دفعت ولازالت حتى اللحظة تدفع وتتآمر لتحقيق حلم ابتلاع جغرافيته الطبيعية و«سعودة» هويته اليمنية وضمها لملك بداوتها الأسري.

تحالف عدواني مشوه

قبل 5 أعوام ولد تحالف عدوانها على اليمن مشوها بنوايا شرورها العدوانية وأحلام سلالتها القديمة، وحاولت من خلاله تحقيق أمانيها وآمالها وأحقادها المزمنة تلك، في تمزيق هذا الامتداد الجغرافي والتاريخي المسمى «اليمن»، فتمزقت أحلامها وتبعثرت آمالها بتمزق أشلاء تحالفها وبتبعثر أطماع مختلف أطرافه العالمية والإقليمية والمحلية. 

أرادت ابتلاع جغرافية وطن، وكسر ثورة شعب، فابتلعت سهول اليمن وجبالها جحافل مرتزقتها، وانكسرت هيبة آلتها العسكرية الحديثة، وغارت على تخوم صحارى هذا الوطن.

إعادة تدوير نفايات العدوان

بحسب الكثير من المراقبين فإن اتفاق العدوان وأدواته في الرياض يعد خدجا عدوانيا آخر وامتدادا مشوها لبقايا هذه التحالفات العدوانية المتناقضة والمهزومة نفسيا وسياسيا أكثر من هزائم قواتها العسكرية على الأرض وانكسارات جميع أدواتها المحلية الأكثر ضعفا وتناقضا، والتي تسعى الآن الرياض قبل حليفتها اللدودة أبوظبي إلى لملمتها من جديد وإعادة تدوير نفاياتها في محاولة لتغطية خيباتها وفشلها الذريع في تحقيق أي مكاسب على الأرض بعد مضي أكثر من 5 أعوام من هزائمها المتلاحقة ليس فقط على مستوى جبهات مرتزقتها الداخلية، بل ما تلقته من ضربات موجعة في خاصرتها الجنوبية وعلى امتداد الجبهات الحدودية، وصولا إلى قصور وعروش عاصمة ملكها وأكبر قواعدها الاقتصادية المتمثلة بحقول وشركات النفط العالمية.

ويرى المراقبون أن الرياض تدرك جيدا قبل غيرها صعوبة الخروج من ورطة فشل عدوانها وانفراط عقد تحالفاتها ولعنة هزائمها والتهديدات التي تلاحقها، كإدراكها أيضا مدى صعوبة لملمة أطراف مرتزقتها ومليشيات حليفتها في ما يسمى «اتفاق الرياض»، ناهيك عن إمكانية إقناع حليفتها بتسوية ملفات الخلافات التي مازالت عالقة في ما بينها، ولم يتضمنها الاتفاق، ولم تشر إليها بنوده السياسية، والتي من الصعوبة تنفيذها على الأرض لتصادمها مع أهدافهما ومشاريعهما المتناقضة ومع مصالح أدواتهما المحلية، ما يؤكد أن هذا الاتفاق ولد متعسرا ومشوها، وسيموت قبل أن يجف حبر التوقيع على بنوده المستحيلة التنفيذ بتصادم تلك التناقضات وبتعثر آليته التنفيذية لبنوده الأكثر استحالة، بواقع أحجار أطراف الصراع الميداني المتعددة التي تلقي الآن بظلال أحجامها على عتبات احتمالات كثيرة ليس فقط في تشكيل أي واقع جديد على الأرض من عدمه، بل إلى ما قد تفضي إليه تلك الاستحالات من مآلات جديدة لصراعات دموية مستدامة وحروب قادمة، حسب عديد المراقبين.

خارطة تموضعات أطراف الصراع

خارطة تموضعات أطراف الصراع المحلية والخارجية وسيطرتهم الميدانية الحالية، سياسيا وعسكريا، في المحافظات الجنوبية المحتلة، تشير سهامها إلى أكثر من اتجاه من التداخلات والتكتلات السياسية الخارجية وتناقضات أدواتها المحلية المغلفة بالأحقاد والصراعات المناطقية والقبلية والمصالح الضيقة، على نحو مفزع من جوامع الارتزاق والعدوانية، الكفيلة بإفشال أي اتفاق لتناقضات مشاريع مطامع الهيمنة الاستعمارية لأطرافه الخارجية وارتباط أدواتها المحلية المختلفة بالمصالح الذاتية أكثر من ارتباطها بأهداف وطنية أو سعيها لتحقيق مكاسب سياسية.

مرتزقة ونخب ناسفة 

على مدى السنوات الأربع الماضية من احتلالهما للمحافظات الجنوبية، تسابق الاحتلال السعودي والإماراتي، لنشر قواتهم في عدد من المحافظات المحتلة، بالإضافة إلى تقديم الدعم العسكري المحدود لتشكيل قطاعات مليشياتهم ومعسكرات مرتزقتهم لضمان السيطرة عليها بما يكفل فقط خدمة مشاريع الاحتلال بعيدا عن أي ولاءات وطنية. 

استغلت أبوظبي الحاضنة الشعبية وتطلعات الحراك السياسي الجنوبي، وشرعت في تشكيل أحزمتها ونخبها في محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت وسقطرى، فيما فشلت في تشكيلها بمحافظة المهرة، التي يواصل الاحتلال السعودي سيطرته على معظم مديرياتها ومنافذها البرية والبحرية ومطارها الجوي منذ أكثر من عامين، وقد وصلت حسب التصريحات الأخيرة للناطق الرسمي للجنة مظاهرات المهرة الشعبية، إلى نحو 30 معسكرا ومركزا تابعا لقواته ومليشياته المتطرفة المنتشرة في جميع مناطق مديريات المحافظة، لأغراض سياسية واقتصادية أولها وأهمها إنشاء مشروع أنبوب النفط على أراضيها من منطقة الخراخير وصولا إلى موانئ أحلامها النفطية على شواطئ البحر العربي بمحافظة حضرموت، لتأسيس أكبر موانئ التصدير لثرواتها النفطية، وهو ما تعارضه أبوظبي لأسباب اقتصادية، فهي تعتبرها بأنها ستضرب موانئها البحرية وتضر بحركتها التجارية، بينما ترى الرياض أنه آن أوان ما تخطط له كحلم قديم، وتدرك أن تنفيذه مرتبط باستمرار عدوانها وبتحالفها مع أبوظبي على رغم معرفتها بمحاولات عرقلتها عن تحقيق ذلك منذ اللحظة الأولى التي قررت فيها مشاركتها عدوانها على اليمن الذي كان من أهم أسبابه الرئيسة إعاقة حليفتها عن تنفيذ بعض مشاريعها في الداخل اليمني، وفي مقدمتها مشروع مد أنبوب النفطي السعوي عبر الأراضي اليمنية، وتأسيس أكبر الموانئ النفطية على سواحلها الجنوبية. 

لذلك بعد فشل سيطرة قواتها على المهرة، سارعت أبوظبي إلى احتلال نصف مديريات محافظة حضرموت، ومازالت تسيطر قواتها ومليشياتها على مدينة المكلا ومطار الريان وغيرهما من موانئ ومناطق حضرموت الساحلية والمحافظات الجنوبية الشرقية، بما فيها منشأة بلحاف في محافظة شبوة التي لم تعلن عن انسحابها منها مثلما سحبت قواتها من مناطق وادي حضرموت، في مديريات رماه وغيرها من مناطق خارطة مد أنبوب النفط السعودي الصحراوية التي أصبحت تحت سيطرة قوات الاحتلال السعودي، إلى جانب احتفاظها المسبق طيلة سنوات عدوانها بمعسكرات مرتزقة المنطقة العسكرية الثانية في مدينة سيئون، التي لم تتعرض لغارات طيرانها الحربي، ولاتزال بكامل قواتها وعتادها العسكري كقوة موالية لقوات الاحتلال السعودي، ودعمها لمرتزقتها في عدد من مناطق الوادي من مليشيات الإصلاح والعميل الأحمر الإخوانية، وفي بعض القطاعات من ألوية المنطقة العسكرية الأولى، إلى جانب معسكرات القاعدة في عدد من مديريات المحافظات الجنوبية الشرقية.

هشاشة أدوات الاحتلال العسكرية 

كشفت أحداث أغسطس الماضية في محافظة عدن وبعض المحافظات الجنوبية المحتلة، مدى هشاشة مليشيات «الانتقالي» ومرتزقة الوحدات العسكرية التي تم تشكيلها بدعم من الاحتلال السعودي والإماراتي في محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة، مقارنة بتلك المعسكرات الموالية لحكومة العميل هادي، والمتمركزة في وادي حضرموت وفي مديرية بيحان بمحافظة شبوة المحاذية لمحافظة مأرب، والتي لم تدمر من قبل العدوان السعودي لأسباب وحسابات سياسية مع حليفتها أبوظبي.

ففي الوقت الذي حسمت مليشيات «الانتقالي» معاركها مع مرتزقة الوحدات العسكرية الموالية لحكومة العميل هادي في عدن، خلال 72 ساعة، في مواجهات 10 أغسطس الماضي، ثم تقدمت في محافظة أبين، انكسرت ومنيت بهزيمة ساحقة في نهاية الشهر مع مليشيات النخبة في محافظة شبوة من قبل قوات العميل هادي ومعسكرات الجيش التابع له في بيحان، والتي واصلت تقدمها نحو أبين واستعادتها، وكادت أن تستعيد عدن بعد انهيار مليشيات «الانتقالي»، لولا تدخل طيران الاحتلال الإماراتي لإنقاذ مليشياته في لحج وعدن وأبين، بعد أن هربت قيادتها إلى أطراف مديريات يافع ومحافظة الضالع، لتعود في المساء لتستلم من أبناء قبائل «الصبيحة» تلك المعسكرات التي كانت قد قامت بتأمين بعضها بعد هروب قيادتها، وهو ما يعكس ليس فقط مدى هشاشة تشكيلات مليشيات ومرتزقة الاحتلال العسكري في أحداث تلك المسرحية الدامية بين أدوات الاحتلال، بل يؤكد إدارة الاحتلال لها ولأطرافها من غرفة عملياته في الرياض حينا وحينا آخر من أبوظبي، في سيناريو فاضح يعري توافق هدف تحالفهما العدواني المشترك على مواصلة تدمير اليمن وتمزيقه، وفي الوقت نفسه فضحت تناقض مشاريعهما أو اختلافهما حول تهافتهما وتسابقهما لتقاسم كعكة المطامع قبل احتراق ما تبقى منها من فتات أمام كل خسائرهم خلال السنوات الماضية.

التقاسم الإماراتي السعودي

من ضمن ضغوط أبوظبي على حليفتها الرياض حول ملفات التسويات العالقة بينهما تنفيذا لأجندة خارجية، أو على تقاسم المصالح في المحافظات الجنوبية المحتلة، تأتي منشأة بلحاف النفطية في محافظة شبوة المحتلة (أكبر منشأة يمنية لإنتاج الغاز المسال)، حيث تصر الإمارات على إبقاء المنشأة تحت سيطرة قواتها بعد خسارة مليشياتها للمحافظة عقب أحداث أغسطس الماضي الدراماتيكية التي بدأت بسقوط عدن وأبين وبتهديدات «الانتقالي» باجتياح بقية المحافظات الجنوبية والشرقية، بما فيها حضرموت والمهرة، وما تلاها من أحداث انتهت بخروج مليشياته من شبوة وسيطرة قوات الاحتلال السعودي ومعسكرات حكومة المرتزقة الموالية لها على كامل المحافظة، بعد أن كانت طيلة السنوات الأربع الماضية تحت سيطرة قوات الاحتلال الإماراتي ومليشيات «الانتقالي». 

شبوة مقابل عدن 

يرى عدد من السياسيين أن إصرار أبوظبي على إبقاء سيطرتها على بلحاف، بالإضافة إلى أجزاء واسعة من حضرموت، وتعزيز قواتها ومليشياتها في جزيرة سقطرى، يأتي في إطار الضغوط الإماراتية على حليفتها السعودية، تنفيذا لتوجيهات دولية لإعاقة مشاريع الرياض في اليمن، والتي تتوافق مع مصالح أبوظبي، وتلوح في الصراع الخفي بين الحليفين وحرب المطامع غير المعلنة بين أبوظبي والرياض، والتي جاءت عقب اتفاق الاحتلال وأدواته المحلية في الرياض, وهو الاتفاق الذي مازال يكتنفه الكثير من الغموض والصعوبات المرتبطة بالآليات التنفيذية لبنوده، خصوصاً في ما يتعلق بالعديد من الملفات العالقة بينهما وبين أدواتهما المحلية، ومن ضمن ذلك الفقرة 1 من الملحق الثاني الخاص بالترتيبات العسكرية، والتي تنص على: «عودة جميع القوات – التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية شهر أغسطس 2019م – إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها، وتحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة، خلال 15 يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق»، وهو ما ترفضه أطراف كثيرة في شرعية المرتزقة، وتحديداً خروج قواتها من محافظة شبوة وعدد من مديريات محافظة أبين، ما يعكس احتمالات كبيرة بتقويض الاتفاق وفشله، وفقا لكثير من المراقبين، كونه لا يخدم مرتزقة هادي ولا مليشيات «الانتقالي»، بقدر ما يعكس توجهات حلفاء الاحتلال على تقاسم المصالح في ما بينها في المحافظات الجنوبية المحتلة في إطار تفهمات مسبقة، ومنها إعلان سلطات الإمارات عن سحب قواتها من مدينة عدن فقط، وإحلال قوات الاحتلال السعودي بديلا عنها دون بقية المحافظات، كتكتيك من سلطات أبوظبي أو «كمخاتلات لعبة القط والفأر»، مع حليفتها الرياض، لضمان تنفيذ وعود وتسويات غير معلنة وترتيبات سرية تمت بينهما تحت الطاولة، ومنها الانسحاب من عدن مقابل تنفيذ ما تشير إليه بنود الملحق الثاني من اتفاقية الرياض، المتعلقة بخروج القوات العسكرية لحكومة المرتزقة من محافظة شبوة المسنودة بمليشيات الإصلاح ومعسكرات العميل الأحمر الإخوانية (العدو الأول المبرر لاستمرار احتلال قواتها للجنوب)، بالإضافة إلى استبدال محافظين ومدراء أمن موالين للرياض بآخرين موالين لحليفتها أبوظبي في محافظات شبوة وأبين وعدن وجزيرة سقطرى، وغيرها من التسويات التي وردت إشاراتها الضمنية في اتفاق الرياض، أو التي لم تذكرها، وتمت تسوياتها مع الرياض وقبولها بها، نزولا عند رغبة -أو بالأصح ضغط- حليفتها أبوظبي التي ترى في الحفاظ على أدواتها المحلية في هذه المحافظات، بالإضافة إلى سقطرى وأجزاء من محافظة حضرموت، ضمانا لتحقيق أهدافها وتنفيذ مشاريعها فيها، بعيدا عن غدر حليفتها ومرتزقتها. 

استمرار صراع لعبة القط والفأر..

في الوقت الذي أعلنت فيه أبوظبي سحب قواتها من عدن، نجد أن مليشياتها مازالت حاضرة في عدد من المحافظات الجنوبية المحتلة، وتتحكم بمصيرها، فمن أصل 10 مواقع عسكرية رئيسية في المحافظات الجنوبية المحتلة والساحل الغربي، تسيطر عليها قوات الاحتلال الإماراتي ومليشياتها، أعلنت أبوظبي فقط سحب قواتها من محافظة عدن (الميناء والمطار) وقيادة عملياتها من «المخا وباب المندب»،  فيما نجدها مازالت تعزز تواجدها في مطار الريان في المكلا وجزيرة سقطرى وجزيرة ميون وميناء بلحاف في محافظة شبوة المنتجة للنفط. 

ويرى سياسيون ومراقبون أن قيام قوات الاحتلال السعودي باستلام مقر قيادة التحالف في محافظة عدن، والشروع باستلام بعض المرافق والمؤسسات فيها، واستبدال حراستها بقواتها الاحتلالية للمحافظات الجنوبية والسيطرة على مؤسساتها ومنشآتها السيادية، بحسب اتفاق الرياض، هو دور آخر وحيلة جديدة من حيل الاحتلال وصراعاته الخفية. 

كما أن إعلان قوات تحالف العدوان تولي السعودية قيادة عملياتها العسكرية في عدن والساحل الغربي، بعد إعلان قوات الاحتلال الإماراتي سحب قواتها منها، يأتي في إطار تبادل الأدوار لاستمرار العدوان كهدف مشترك لتدمير اليمن، وهو أيضا ليس ببعيد عن إطار الضغوط المتبادلة في حرب المطامع الخفية غير المعلنة بين تحالف الاحتلال، بهدف تقاسم المصالح لتنفيذ مشاريعهم المختلفة في أهم المواقع الاستراتيجية والحيوية في اليمن. 

«الصبيحة».. وقود حروب فقرهم 

في كل حروب الصراعات السياسية التي مر بها الجنوب خلال المراحل والمنعطفات التاريخية السابقة، كانت بلاد «الصبيحة» وقودها وشوكة الحسم التي ترجح كفة انتصار أحد فرقاء الصراع.

وقد قيل عنهم «أشر أجناس الأرض»، كما وصفهم المؤرخ الريحاني في كتابه «تاريخ ملوك العرب». ليس لديهم مواقف مسبقة من أي صراع، ولا يحتكمون لأي شيخ أو حاكم، ويقودهم فقرهم وعوزهم ليكونوا وقود أية حرب. وقد استغل تجار الحروب ودعاة الصراعات السياسية والمناطقية وقوادو الارتزاق تلك الشجاعة وتلك الفاقة والعوز في أبناء «الصبيحة» لتجنيدهم في حروبهم. وبعد كل انتصار بهم أو حين تضع الحروب أوزارها، تجدهم في هامش كل الأنظمة المتعاقبة، بعيدين عن كل استحقاق أو مغنم. 

وكأن الشاعر عمرو بن معدي كرب مازال لسان حالهم في قوله: 

«إذا قُتلنا ولا يبكي لنا أحدٌ
قالت قريشٌ ألا تلك المقاديرُ
ونحن بالصفّ إذ تَدمى حَواجِبُنا
نُعطى السويَّةَ ممّا يُخلِصُ الكِيرُ
نُعطى السَوِيَّةَ من طعنٍ له نَفَذٌ
ولا سَوِيَّةَ إذ تُعطى الدنانيرُ» 

وفي معارك الساحل الغربي وتعز والوازعية والدريهمي، تعرض الكثير منهم للقتل، مما جعل أصواتاً وطنية قبلية وأخرى سياسية ومثقفين وقيادات رأي تدعو وتطالب بعودة أبناء الصبيحة ممن زج بهم دعاة الحروب وتجارها من جبهات الموت بلا ثمن، ومنهم من اقتنع وقدم استقالته من قيادة تلك الجبهات، ومنهم من حمل سلاحه وعاد إلى بيته بعد أن شعر بالمهانة والإذلال، واكتشف أنه ضحية تجار حرب قاده فقره وعوزه نحوهم، وزجوا به في معارك ليس له فيها ناقة ولا جمل، وبما في ذلك عودة عدد كبير من أبناء الصبيحة من أفراد ما يسمى اللواء التاسع صاعقة، ومعظمهم دون سن الـ20، بعد أن زجت بهم قيادات مليشيات «الانتقالي» في معارك وجبهات أبين وعدن خلال أحداث أغسطس الماضي، دون سابق معرفة أو أي تدريب عسكري من قبل قيادات اللواء الذي لا يمتلك أية إمكانيات عسكرية ولا قيادته القبلية هي الأخرى لديها أية معارف عسكرية.

رسالة الصبيحة عشية اتفاق مرتزقة الرياض

ما قاله نجل أحد القيادات السياسية الراحلة من أبناء الصبيحة، في حديثه الموجه لمرتزقة الاحتلال ومليشياته، عشية توقيعهم على اتفاق الرياض، يحدد موقفه ومواقف الكثير من أبناء الصبيحة، ليس من الاتفاق فقط، بل من عديد القضايا الوطنية ومواقف أبناء «هذه الأرض العجيبة التي لم تتعرض للتشويه والعبث، وظلت منذ القدم برجالها سدا منيعا وشوكة لم تنكسر أمام كل الغزاة والناهبين»، حد وصف صلاح، نجل الشهيد قائد علي صلاح.

وأشار إلى أن الصبيحة الغائب الحاضر عبر كل منعطفات التاريخ القديم والحديث، ستظل عنوانا للانتصار والتضحية والفداء، وسيظل أبناؤها رموزا للحرية وللاستقلال الوطني والحركة الوطنية والنضال المستمر، لا يساومون في سيادة الوطن ولا في قضاياه العادلة، ابتداءً من الشهيد قحطان الشعبي والشهيد فيصل عبداللطيف، مرورا بمحمد علي الصماتي وعلي شكري والشهيد قائد صلاح وغيرهم.

وقال: من كل هذا الإرث العظيم والحضور التاريخي لهذه الأرض العزيزة من هذا الوطن الغالي، وانطلاقا من القواعد والمبادئ والثوابت الوطنية والمبادئ المستندة على التضحيات الجسيمة، تأبى إلا الانتصار للوطن ولقضاياه العادلة، وأولاها القضية الجنوبية، ولرموزها الوطنية من أبناء الصبيحة الذين تعرضوا للقتل وللخيانة والتهميش من قبل جميع الأطراف.

وعن موقف أبناء الصبيحة من اتفاق الرياض أو أية مفاوضات أخرى، قال صلاح: نحن نراقب ما يجري من اتفاقات، ونترقب أية مشاورات قادمة، وما ستفضي إليه، واضعين أيدينا على قلوبنا خوفا من أي تفريط في سيادة هذا الوطن وقضاياه العادلة، أو الإفراط في العداوة المناطقية وتغليب رغبة الانتصار للذوات الحزبية والفردية على حساب تضحيات دماء الآلاف من شهدائنا ووجع أضعافهم من الجرحى الذين سقطوا في مختلف جبهات الشرف في طول البلاد وعرضها في مختلف المراحل.

وأكد أن التاريخ لا يرحم، فإن غيبت «الصبيحة» برجالها عن تلك المفاوضات، فإن اللائمة تعود على من فرط في كل تلك الثوابت ودماء الشهداء وآلام الجرحى، وسيلحق به العار، فيما ستكون الكلمة المسموعة لأبناء الوطن الشرفاء والمنتصرين لسيادته ولقضاياه الوطنية، وكذلك هي الصبيحة ومواقف أبنائها في كل المراحل.

مصدرصحيفة لا ميديا