مقالات مشابهة

المهندس الذي «أتعب» أمريكا

المشهد اليمني الأول/

– ممكن نشوف أبو مهدي المهندس خارج الحشد (الشعبي)؟
– ممكن… إن شاء الله شهيد.

ذلك مقطع من حوار تلفزيوني أُجري مع الحاج جمال جعفر محمد علي آل إبراهيم، عقب الانتخابات التشريعية العراقية الأخيرة في أيار/ مايو 2018. إجابة سريعة ومكثّفة جلّت قناعة الرجل الستيني، الراسخة كرسوخ نخل البصرة الجنوبية، مسقط رأسه، منذ تخلّى المهندس الشاب، خرّيج جامعة بغداد، عن اسمه المدني، ليحمل لقباً اختاره بنفسه: «أبو مهدي».

متنقّلاً بين تنظيمات الإسلام السياسي، ودول الصراع في منطقة الشرق الأوسط، راكم المهندس تجربة غنية: أمنية وعسكرية وسياسية، ليُعرف لاحقاً – وتحديداً بعد الاحتلال الأميركي للعراق في نيسان/ أبريل 2003، بـ«رجل إيران في العراق»، ما دفع واشنطن إلى إدراجه على لائحة العقوبات الخاصة بها لعام 2009. علّق المهندس على تلك الخطوة بأن «الأميركيين تحسّسوا منّي بسبب خلفيّتي الجهادية وحضوري في أكثر من ساحة، خصوصاً في أحداث النجف (2004) وما تلاها. كذلك، تحسّسوا من دوري المتواضع في إنشاء الائتلاف الوطني العراقي، الأول والثاني».

استطاع المهندس، بوصفه وحداً من أبرز وجوه محور المقاومة، بناء شبكة من العلاقات المتشعّبة من طهران إلى غزة، مروراً ببغداد ودمشق وبيروت. استثمر صداقاته القديمة في مشروع بناء المقاومة العراقية، منذ تسعينيات القرن الماضي ضدّ النظام السابق برئاسة صدام حسين، وصولاً إلى مطلع الألفية الثانية ضدّ الاحتلال الأميركي، قبل أن يُتوّج مسيرته بالحرب ضدّ تنظيم «داعش» في حزيران/ يونيو 2014، والتي تسنّم خلالها منصب نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي».

مسيرته «الجهادية» الحافلة كرّسته رقماً صعباً في حسابات «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني. يصفه البعض بـ«العضد العراقي» لقائد القوة اللواء الشهيد قاسم سليماني، حتى اقترن اسمهما ورسمهما، خصوصاً في الأعوام الخمسة الأخيرة، على سواتر المواجهة ضد «داعش»، من حزام بغداد إلى تلعفر (شمال غربي البلاد)، وصولاً إلى القائم – البوكمال (عند الحدود العراقية – السورية). الرحلات المشتركة لم تعرف حدوداً؛ مرة يطلّان من العاصمة السورية دمشق حيث يزوران مقام السيدة زينب، وأخرى في جرود القلمون عند الحدود السورية – اللبنانية إبّان معارك المقاومة ضدّ المجموعات الإرهابية، وثالثة عند الحدود مع فلسطين المحتلة خلال الاطلاع من قيادة المقاومة على تفاصيل عملية الردّ على اغتيال الشهيد جهاد عماد مغنية ورفاقه.

طوال أعوام الدم والنار ضدّ «داعش»، بدا الحاج الذي غزاه الشيب بحيوية الشباب. تراه في مقرّه مجتمعاً بضيوفه، ليتوجّه من دون سابق إنذار إلى خطوط التماس، وتَعرِف لاحقاً أنه حطّ على الساتر الأمامي في إحدى الجبهات للإشراف على إنجاز مهمةٍ مستعجلة. كان يصل ليله بنهاره، ما انعكس دائماً إرهاقاً على وجهه.

في أيّامه الأخيرة، كان حنين الرجل كبيراً إلى رفاق سلاحه الشهداء

الثابت الأبرز في مسيرة المهندس عداؤه المطلق لواشنطن، وإيمانه بالمقاومة المسلّحة لطردها. يصف الحضور الأجنبي في العراق بأنه «خطٌّ أحمر قاتم بلون الدم»، مؤكداً – باللهجة المحكية المصحوبة بضحكته المعهودة – أن الروح المقاوِمة «لا تتعب… أميركا هي اللي تتعب». هذا الثبات شكّل محطّ إشادة في ردود الفعل التي أعقبت نبأ اغتياله، وعلى رأسها موقف المرشد الإيراني، السيد علي خامنئي، الذي وصفه في بيانه أمس بـ«مجاهد الإسلام الكبير»، وأيضاً بيان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي عدّه «قائداً كبيراً»، علماً أن المهندس كان ضيفاً دائماً على القائدَين، خصوصاً نصر الله الذي كانت زياراته إليه دورية، وآخرها في أيلول/ سبتمبر الماضي.

في أيّامه الأخيرة، كان حنين الرجل كبيراً إلى رفاق سلاحه الشهداء، وحديثه دائماً عن الشهادة. تحدّث – كما يُنقل عمّن التقاه أخيراً – عن «السابقين»، آملاً أن يكون من «اللاحقين». تحقّقت للمهندس أمنيته، برفقة من كان يصفه بأنه «قائده». سقطا معاً في الطريق إلى بغداد، فيما كانت الوجهة حتماً: القدس.
ـــــــــــــــــ
نور أيوب