مقالات مشابهة

عالم يعاد تشكيله ما بعد جانحة كوفيد 19… الأزمة الاقتصادية المتجددة والصراع لتكوين نظام عالمي جديد

المشهد اليمني الأول/

الأزمة الاقتصادية المتجددة والصراع لتكوين نظام عالمي جديد

قد توصف سنة 2020 كجانحة كوفيد 19 أو كورونا 19، مثلما سميت سنة 1929 أزمة الكساد العظيم، أو الانهيار الكبير عام 1987، أو الأزمة المالية العالمية لسنة 2007 والتي أطلق شرارتها انهيار قروض الرهن العقاري بالولايات المتحدة وسقوط بنك ليمان براذرز وما تبعه.

من الصعب إيجاد تصور موضوعي عن الأبعاد العالمية أو الإقليمية والمحلية الكاملة لجانحة كوفيد 19، لأنه من أجل إنجاز ذلك يجب أن يكون قد تم حصر الوباء أو وقفه سواء بإيجاد دواء أو لقاح، ولكن الأمر المؤكد هو أن الأزمة ستترك بصماتها على العالم إقتصاديا وسياسيا وحتى عسكريا وستساهم في المساعدة على تشكيل نظام عالمي جديد يجرى الصراع من أجل تكوينه منذ سنة 2000، بعدما أعاد الرئيس فلاديمير بوتين روسيا إلى ساحة الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، ثم عمل في مراحل لاحقة بالتعاون مع الصين على الاطاحة بنظام القطب الواحد.

سيتم وقف الجزء الأكبر من النزيف البشري للوباء خلال ثلاثة أشهر من التوصل إلى دواء أو لقاح حسب تقديرات الخبراء الأوروبيين، ولكن المشاكل والازمات التي تولدت وخاصة الاقتصادية فسوف يحتاج العالم لوقت طويل لتجاوزها، مع العلم أن المعاناة الإنسانية منها قد تفوق ما يسببه كوفيد 19.

اقتصاديا كانت أسواق الأسهم المالية عبر العالم أول من إنعكست عليه تأثيرات الوباء، فخلال أيام قليلة تبخرت مئآت المليارات أو ترليونات من الدولارات من قيمة الأسهم، ودخلت آلاف الشركات الكبرى والمتوسطة دورة الإفلاس فما بالك بالصغرى، وتم حتى 18 مارس 2020 إضافة حوالى 25 مليون شخص في العالم إلى قائمة العاطلين بينما أصبح أكثر من مليار شخص تحت نظام الحجر الصحي، بكل تبعاته النفسية والاقتصادية والأمنية.

الأزمة المالية العالمية الجديدة ليست نتاج كوفيد 19 فقط، فالوباء عجل في الكشف عنها بعد أن ظلت تراوح مكانها بعمليات تهدئة وتسكين منذ سنة 2007.السوق كانت مريضة

كتب المحلل مايكل ماكينزي من لندن يوم الخميس 19 مارس 2020:
عقد من الأزمات القوية، التي تغذيها البنوك المركزية جزئيا، انتهى بطريقة مؤلمة. شهد الأسبوع الماضي أكبر انخفاضات تسجلها الأسهم في يوم واحد في وول ستريت والمملكة المتحدة منذ الانهيار الكبير عام 1987، بينما سجلت البورصات الأوروبية أدنى مستوياتها اليومية.

في غضون بضعة أسابيع فقط، ارتفاعات الأسهم القياسية وتقييمات الائتمان المرتفعة استسلمت إلى لحظة حساب لطالما كانت تخشاها. كانت أسواق السندات الحكومية تحذر منذ فترة أن عام 2020 سيكون عاما يثبت نجاح النمو الاقتصادي العالمي، أو فشله. في الوقت نفسه، قوائم الشركات الرائدة في أسواق الأسهم سيطرت عليها الشركات الدفاعية عالية الجودة – إشارة أخرى تثير الشكوك بشأن الرأي السائد على نطاق واسع الذي مفاده أن أرباح الشركات قد تنتعش بقوة هذا العام.

لكن تم تجاهل مثل هذه العلامات في الغالب. تدفقت الأموال إلى سندات الشركات والأسواق الناشئة وقطاعات الأسهم المزدحمة في الأصل، مثل أسهم التكنولوجيا الأمريكية، ما دفع التقييمات نحو مستويات قصوى. إلى أن حل أخيرا شهر فبراير 2020. عندما سئلوا عن ديناميكية المخاطرة مقابل المكافأة في شراء الأصول بهذه الأسعار في الأشهر الأخيرة، كانت الاستجابة من المستثمرين المحترفين أن السبب هو الحاجة إلى “تشغيل الأموال”، مصحوبة بغمزة تشير إلى أنهم يحظون بدعم البنوك المركزية.

انهيار السوق خلال الأسبوع الثاني من شهر مارس له أبعاد ضخمة، أثارتها حرب أسعار في سوق النفط جاءت على رأس أزمة صحية متصاعدة في كل أنحاء أوروبا وأمريكا الشمالية. حظر السفر الأمريكي المفاجئ على الأوروبيين لمدة 30 يوما أثار موجة البيع الكبيرة الحادة يوم الخميس 12 مارس في الأسواق كافة. المشاعر السلبية كانت أيضا اعترافا بالذخيرة النقدية المحدودة لدى البنوك المركزية، ما جعل المستثمرين يتساءلون عما إذا كانت الاستجابة المالية في أوروبا والولايات المتحدة يمكن أن تعوض الأضرار الاقتصادية التي تحدث حاليا.

مع ذلك، المستثمرون الذين لم يفيقوا من الصدمة شرعوا في النهاية في إعادة ترتيب أوضاعهم مرة أخرى. يظهر التاريخ أن صدمات السوق الشديدة تنحسر. في مرحلة ما، ستظهر فرصة لشراء الأصول بأسعار أرخص وتوفر الأساس لاستراتيجية استثمار واسعة النطاق تستمر عدة أعوام.

بمجرد انحسار آثار الصدمات، فإن الحجة طويلة الأجل لتفضيل الأسهم على السندات الحكومية تبدو جيدة. لكن هناك تحد في هذا المنعطف يتمثل في الوقت الذي يستغرقه التئام الانقسامات المالية الضخمة، خاصة بعد أن اتبعت أسعار الأصول مسارا معاكسا في الأعوام الأخيرة.

يجادل فريد كليري، مدير محفظة في “بيغاسوس كابيتال”، قائلا: “فيروس كوفيد – 19 هو بجعة سوداء جاءت من العدم، لكن لا يمكن إلقاء اللوم عليها بالكامل لما قد يتحول إلى فجوة طويلة في السوق. هذه السوق كانت في الأصل تعاني المشكلات قبل فترة طويلة من انتشار الفيروس”. أضاف: “انتعاش الأسهم اعتمد على تدابير تخفيف السياسة النقدية التي لا نهاية لها”.
كلما كان الصعود أكبر، كان السقوط أقوى. تراجعت الأسهم العالمية التي صمدت بعد انخفاضات كبيرة زعزعت المشاعر في عام 2011 وعام 2015 حتى عام 2016، ثم في أواخر عام 2018. انتعشت بعد ذلك لأن الاقتصاد العالمي لم ينكمش.

الآن حالة ركود، وربما تغيير قصير وحاد، تلوح في الأفق. في ظل هذا السيناريو، يجب أن يدرك المستثمرون الطريق الطويل للتعافي الذي حدث خلال اثنين من الأسواق الهابطة التي امتدت من عام 2000 حتى عام 2002 ومن عام 2007 حتى عام 2009. كما في تلك الحالتين، كان هناك تهاون مفرط قبل التراجع خلال الأسبوع الثاني من شهر مارس.

عالم غارق في بحر من الديون

لا تزال أسعار الأسهم تبدو مبالغا فيها، خاصة في الوقت الذي يتم فيه خفض تقديرات أرباح الشركات هذا العام. شهد مؤشر مورغان ستانلي المركب لكل العالم مضاعفات أرباحه الآجلة لمدة 12 شهرا تنخفض نحو 14 مرة ـ تماشيا مع متوسطة منذ عام 2009 ـ من الذروة الأخيرة بالقرب من 17 مرة. لكن المؤشر شهد انخفاضات بلغت نحو 12 مرة في أواخر عام 2018 وأقل من عشر مرات في عام 2011. لا تزال الأسهم الأمريكية مكلفة أيضا على هذا الأساس، وعلى عكس بقية العالم، لم يختبر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بعد أدنى مستوياته في أواخر عام 2018.

أحد المؤشرات المقلقة كان التراجع الهائل البالغ نحو 35 في المائة في الشركات المالية العالمية، خلال أقل من شهر. مزيد من الشركات يستغل خطوط الائتمان المصرفية، التي تستنزف رأسمال البنوك، بينما الأسواق المضطربة يمكن أن تشكل استنزافا آخر للموارد. ضخ الاحتياطي الفيدرالي تريليونات الدولارات إلى أسواق التمويل الأمريكية قصيرة الأجل يوم الخميس 12 مارس من أجل تحقيق استقرار النظام.

مجال آخر يثير القلق هو سوق السندات. الضغط الهبوطي على الأرباح يعني ارتفاع حالات العجز عن السداد لدى الشركات، حيث من المرجح أن تعلق قطاعات الطاقة وشركات الطيران والسفر وتجارة التجزئة في موجة الإجهاد التالية. سيستغرق الأمر بعض الوقت ليتكشف وسيحد من انتعاش الأسهم.

كل هذا لن يوقف الدعوات من أجل دعم قوي من الحكومات والبنوك المركزية. لكن هذه المرة – وهي الكارثة المالية الثالثة في هذا القرن – فإن وصف بعض العلاجات الأكثر قسوة قد يساعد على وضع أسعار الأصول على أساس أفضل طويل الأجل.

جادل مارك أوستوالد، من “أيه دي إم إنفستر سيرفيسز”، قائلا: “درجة من التطهير في أسواق السندات من خلال (…) إعادة الهيكلة وحالات العجز الصريحة عن السداد في الواقع ربما ستكون مؤلمة، لكنها ليست بالأمر السيئ من وجهة نظر طويلة الأجل بالنسبة لعالم غارق في بحر من الديون”.

الرأسمالية تفشل مجددا

جاء في ورقة بحثية نشرت في العاصمة اللبنانية بيروت يوم الجمعة 20 مارس 2020:
تداعيات “كورونا” في أمريكا وأوروبا هو ذريعة لتغطية أزمات نظامية “نائمة” فجرها ظهور الفيروس ويجري التستر عليها عبر لجوء الأنظمة النيوليبرالية إلى “التدخل في السوق” وضخ المال العام إلى جيوب الشركات أولا.

قبل أسابيع، أصدر البنك الدولي تقرير “الآفاق الاقتصادية العالمية” الذي تطرق إلى تشكل موجات تراكم الديون العالمية واحتمال تحولها إلى أزمات مالية، مشيرا إلى أن الدين العالمي بلغ 185 تريليون دولار في 2018 وبات يوازي 230 في المئة من الناتج العالمي وأن الموجة الأخيرة انطلقت من الأزمة المالية العالمية في نهاية 2008. هذه المخاوف لم تكن مبنية على ظهور “كورونا”، بل كانت بمثابة تحذير من أزمة “نائمة” اقتصر دور الوباء على تفجيرها. “كان هو الشرارة وليس السبب” بحسب المؤرخ البلجيكي إيريك توسان.

لكن بذريعة “كورونا”، عادت الولايات المتحدة إلى التدخل في السوق وطباعة الدولارات لتمويل خسائر الشركات. هي خطوة سياسية على أبواب معركة دونالد ترامب للولاية الرئاسية الثانية، إلا أنها تخفي انكسارا جديدا للرأسمالية التي تدخلت في 2009 لإنقاذ المصارف وشركات التأمين، وها هي اليوم تكرر تجربتها عبر استعمال المال العام لإنقاذ الشركات، لا بل ستقوم بتأميمها في بعض دول أوروبا.

استغلال “كورونا”

خلال بضعة أسابيع من ظهور “كورونا” خسرت الأسهم والسندات المدرجة في البورصات العالمية أكثر من 17 تريليون دولار، من بينها 7.2 تريليونات دولار خسائر الأسهم المدرجة في الولايات المتحدة وحدها. هل فيروس “كورونا” مسؤول عن كل هذه الخسائر، أم أن بنية الأسواق العالمية واقتصاداتها كانت هشة إلى درجة انهيارها بعد أول حدث؟.

يعتقد المؤرخ توسان أنه يجب التمييز بين الشرارة التي أطلقت الأزمة، وبين أسباب الأزمة. فمسألة ظهور الفيروس هي الشرارة وليس الأسباب التي كانت مرصودة منذ سنوات. يستدل توسان على هذا الأمر بما ورد في صحيفة فايننشال تايمز في 26 فبراير: “كان ترامب يدعو الأمريكيين الأثرياء إلى مساندته انتخابيا والتوقف عن بيع أسهمهم”. بحسب “فايننشال تايمز”، قال لهم: “السوق سوف تقفز آلاف وآلاف النقاط إذا فزت… وإذا لم أفعل، فسترون انهياراً لم تروه من قبل. أنا حقاً أعني ذلك”.

يومها لم يكن “كورونا” قد وصل إلى الولايات المتحدة، بل كان يستغل خارجيا بوجه الصين، ومحليا ضد خصوم ترامب. غير أن هذا الاستغلال ليس سوى ظاهر المشكلة. فما يحصل في بنية هذه الأسواق المنفوخة بالأموال التي ضختها الحكومات منذ 2009 إلى اليوم، أن شركات الاستثمار الكبيرة والمصارف والأثرياء استثمروا في أسهم أو سندات دين عائدة للقطاع الخاص، إلا أنهم أدركوا أن دورة الربح شارفت على النهاية، وأن تحقيق الأرباح يستوجب تصفية هذه الاستثمارات.

في المقابل، “اشتروا سندات الدين الأمريكية ما أدى إلى ارتفاع أسعارها وانخفاض العائد عليها. هم على استعداد للقبول بعائد متدن مقابل الأمان”. الأمان الذي تتمتع به السندات الأمريكية السيادية يكمن في أنها تحمل أعلى تصنيف موجود لدى وكالات التصنيف وهي مرتبطة بالدولار كعملة عالمية.

فيروس الرأسمالية

إذا، ما هي أسباب الأزمة الفعلية؟. توسان توقع في مقالة نشرها في 2017 على موقع “الشبكة الدولية من أجل إلغاء الديون غير الشرعية”، أن الأزمة المالية مقبلة بعدما زادت مديونية القطاع الخاص في أمريكا بقيمة 7800 مليار دولار بين سنوات 2010 و2017، لافتا إلى ظهور فقاعة الديون الاستهلاكية الخاصة بصناعة السيارات الأمريكية مع تجاوز قيمتها 1200 مليار دولار، مع نسبة تخلف عن السداد تبلغ 7.5 في المئة، فيما ديون الطلاب في أمريكا تجاوزت 1350 مليار دولار في عام 2017 وبلغ التخلف عن السداد 11 في المئة…

كلام توسان الذي يتوافق مع توقعات البنك الدولي عن “موجة ديون عالمية قد تتحول إلى أزمة مالية،، سبقه بروز مؤشرات عن تباطؤ القطاعات الإنتاجية في ألمانيا واليابان وفرنسا وإيطاليا والصين والولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، انخفض إنتاج السيارات الألمانية بنسبة 14 في المئة وتقلص إنتاج الآلات والمعدات المنتجة بنسبة 4.4 في المئة.

وفي 2019 تباطأ الإنتاج في الصين والهند، وسجل ركود في جزء كبير من دول أوروبا بسبب انكماش الطلب العالمي الناجم عن سياسات خفض الأجور والمعاشات التقاعدية التي قلصت الاستهلاك الممول بديون الأسر.
عمليا، إغراق الأسر بهذه الديون رفع معدلات الاستهلاك، فواجهته الحكومات بتقليص المداخيل، وتقشف الحكومات الذي أدى إلى خفض الاستثمار العام وما ترتب عليه من أثر اقتصادي سلبي.

دورة تقود إلى أزمة

دورة كهذه كان لا بد من أن تنتهي بأزمة. ربما أتى “كورونا” ليبعد الأنظار عن الأسباب الجذرية للأزمة. فهل سبب الوباء فعلا تعليق وقف إنتاج “فولسفاكن” في أوروبا، وتعليق “إيرباص” الإنتاج في فرنسا وإسبانيا؟. رغم هذه التساؤلات، إلا أن الفيروس سلط الضوء على أمر بالغ الأهمية: عودة الحكومات الغربية إلى التدخل في السوق للمرة الثانية بعد الأزمة المالية العالمية في نهاية 2008.

فلم يطل الأمر كثيرا بعد ظهور “كورونا” في أمريكا، حتى أعلن ترامب رغبته في التدخل في السوق. “واشنطن بوست” أشارت بوم 18 مارس إلى أن ترامب سيطلب من الكونغرس الموافقة “على سلّة دعم للاقتصاد الذي ينهار” بقيمة 850 مليار دولار. سيتم تمويل هذه السلة من الضرائب أو آليات أخرى، وسيخصص منها 50 مليار دولار لدعم صناعة الطائرات.

ويوم 21 مارس 2020 ذكر المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، لاري كودلو، أن حزمة الإجراءات لمواجهة تبعات تفشي فيروس كورونا في الولايات المتحدة تبلغ قيمتها تريليوني دولار أي الفي مليار.

وقال كودلو، في تصريحات صحفية أدلى بها يوم السبت 21 مارس، إن حزمة الإجراءات، التي طرحها مجلس الشيوخ والتي يتم التفاوض عليها مع الكونغرس، “تقدر بحوالي عشر الناتج الإجمالي المحلي”.

المفاجئ أن وزير المال الفرنسي برونو لو مير أعلن أن حكومته مستعدة لطرح جميع السبل “لدعم الشركات الكبرى بما فيها التأميم”، فيما نقلت وكالة “رويترز” إمكان لجوء إيطاليا إلى “تأميم الخطوط الجوية الإيطالية وأن الحكومة ستخصص 600 مليار يورو لدعم قطاع الطيران غالبيتها لشركة أليتاليا، وأنه سيتم تأسيس شركة جديدة تديرها وزارة الاقتصاد”.

عمليا، بدأت الحكومات المتضررة تستعمل السياسات المالية، أو بمعنى آخر، الضرائب المحصلة من المال العام من أجل تمويل خسائر الشركات. طبعا، الأمر يختلف بين أمريكا وأوروبا، تبعا للظروف السياسية في كل بلد ومنطقة، ونوع المصالح والعلاقات بين الشركات والطبقة الحاكمة. ففي فرنسا رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون يمثل هذه الطبقة مباشرة، وترامب يمثلها أيضا، لكن طبيعة هذه المصالح مختلفة في دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وألمانيا.

في العادة، تستخدم أموال الضرائب أو السياسات المالية من أجل دعم الأجور، لكن في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا يحصل العكس تماما، إذ تستخدم اليوم من أجل دعم رأس المال.

استنزاف الموارد

طبعا، لا يمكن الادعاء أن وباء مثل “كورونا” سيمر من دون استنزاف موارد الدول. ففي الواقع، يشير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن مدى الضرر الاقتصادي الناجم عن انتشار الفايروس مرتبط بمدى سرعة احتوائه عالميا. “فمن المحتمل أن تكون أوروبا واليابان في منطقة ركود بالفعل نظرا إلى أدائها الضعيف في الربع الرابع من سنة 2019 واعتمادها الكبير على التجارة. فيما دخلت الولايات المتحدة الأزمة مع الرياح المعاكسة، يتوقع بعض المحللين حدوث انكماش في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الثاني من سنة 2020 بحسب الباحثين في المركز.

ويشير المركز إلى أن الوباء أحدث صدمات في الطلب والعرض. فعلى سبيل المثال، ستكون السياحة والصناعات المرتبطة بالسفر من بين أكثر القطاعات تضررا، حيث تشجع السلطات “المسافة الاجتماعية” ويبقى المستهلكون في منازلهم. ويحذر الاتحاد الدولي للنقل الجوي من أن الفيروس سيكبّد شركات النقل الجوي العالمية خسائر في الإيرادات تتراوح بين 63 مليار دولار و113 مليار دولار، فيما قد تخسر سوق الأفلام الدولية أكثر من 5 مليارات دولار من مبيعات التذاكر. كما أن أسهم شركات الفنادق الكبرى تراجعت، فيما يتوقع أن يتلقى عمالقة الترفيه مثل “ديزني” ضربة كبيرة للإيرادات، والأمر نفسه ينسحب على المطاعم والأحداث الرياضية والخدمات الأخرى. وستكون الصناعات الأقل اعتمادا على التفاعل الاجتماعي المرتفع، مثل الزراعة، أقل عرضة للخطر نسبيا.

قروض البنك الدولي وصندوق النقد

لم تمر بضع أسابيع على انتشار فيروس كورونا، حتى أصدر صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي ما سمياه “رسالة تضامن مشتركة” تتضمن استعدادهما “لمساعدة دولنا الأعضاء” عبر “تمويل حالات الطوارئ، وتقديم المشورة بشأن السياسات والمساعدة التقنية”.

من جهته، طلب البنك الدولي من الحكومات تجنب السياسات الحمائية وفرض قيود على الصادرات من الأغذية والمنتجات الطبية الضرورية، مشجعا البلدان النامية على مساندة القطاع الخاص، والمصارف المركزية على التحرك لتهدئة اضطرابات الأسواق. يمكن تفسير “النصيحة” الأخيرة بأنها دعوة لدعم الشركات والأثرياء، فيما الفقراء ينصح لهم لـ”تحويلات نقدية وخدمات مجانية للأشد احتياجا”. وأقر البنك الدولي حزمة تحفيز بقيمة 12 مليار دولار للبلدان النامية، من أجل تقوية الأنظمة الصحية.

أما صندوق النقد الدولي، فقد ركز على تنفيذ إجراءات جوهرية موجهة على مستوى المالية العامة والسياسة النقدية، والسوق المالية، لمساعدة الأسر ومنشآت الأعمال المتضررة، مشيرا إلى التنشيط النقدي الأوسع نطاقا، كخفض أسعار الفائدة الأساسية أو شراء الأصول، عارضاً استعداده لإقراض البلدان الناشئة والمنخفضة الدخل بقيمة 50 مليار دولار خسائر

يفيد تقرير تقني صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” إن انكماشا في إنتاج الصين بنسبة 2 في المئة له آثار مضاعفة تظهر على مجمل انسياب الاقتصاد العالمي، تسببت حتى الآن في انخفاض يقدر بنحو 50 مليار دولار أمريكي في التجارة بين الدول.

ويشير إلى أن القطاعات الأكثر تضرراً من هذا الانخفاض تشمل “صناعة الأدوات الدقيقة والآلات ومعدات السيارات وأجهزة الاتصالات”. هذا الأمر ناتج عن كون الصين أصبحت خلال العقدين الماضيين “أكبر مصدر في العالم وجزءا لا يتجزأ من شبكات الإنتاج العالمية قد وطدت نفسها كمزود رئيسي للعديد من مدخلات ومكونات المنتجات المختلفة، مثل السيارات والهواتف المحمولة والمعدات الطبية، وغيرها”. فالصين تلعب دورا مهما في إنتاج السلع وتوريدها لجميع أنحاء العالم، لذا فإن “أي خلل في الصين سيشعر به أيضاً خارج حدود البلاد”.
إعادة تشكيل النظام العالمي

أورد مقال لكاتبين بموقع “فورين أفيرز” يوم 20 مارس 2020 أن الصين تناور حاليا لتحظى بقيادة العالم في الوقت الذي تفشل فيه الولايات المتحدة مع تحول وباء كورونا المستجد إلى حدث عالمي.

وأوضح الكاتبان الأمريكيان كورت م. كامبل وروش دوشي أنه في الوقت الذي تعتبر فيه النتائج الجيوسياسية لكورونا ثانوية مقارنة بالنتائج على صعيد الصحة والسلامة، فإن النتائج الجيوسياسية ستأخذ أهمية كبيرة على المدى الطويل، خاصة بالنسبة للوضع الدولي للولايات المتحدة.

وأشارا إلى أن النظم العالمية تميل إلى التغير التدريجي بداية الأمر، ثم تتغير بالكامل في لحظة واحدة. ففي عام 1956 كشف تدخل فاشل في قناة السويس بمصر اضمحلال بريطانيا العظمى وسجل نهاية نفوذ المملكة المتحدة كقوة عالمية.

وقالا إن صناع القرار في أمريكا يجب أن يعوا أن واشنطن إذا لم ترتق لمستوى التحدي الراهن، فإن وباء كورونا سيسجل “لحظة سويس أخرى”.

وأضافا أنه من الواضح الآن أن واشنطن فشلت في استجابتها الأولية للوباء، فالمؤسسات الأمريكية الرئيسية من البيت الأبيض ووزارة الخارجية إلى وزارة الأمن الداخلي ومراكز السيطرة والوقاية من الأمراض قد هددت ثقة الناس بقدرة وكفاءة الحكم الأمريكي.

ودلف الكاتبان بعد ذلك إلى توضيح مظاهر الفشل الأمريكي مستشهدين بالتصريحات والتغريدات الرسمية ليقولا إنها زرعت الشكوك ونشرت عدم اليقين وسط عامة الناس وإن القطاعين العام والخاص أثبتا أنهما غير مستعدين لمواجهة الوباء بالمعدات الضرورية للفحص وما بعد الفحص.

وقالا أيضا إن الوباء ضخم، على المستوى الدولي، نزعات ترامب الفردانية المعروفة ورغبته في العمل بمعزل عن المجتمع الدولي وكشف عجز واشنطن في قيادة العالم.

فشل واشنطن

واستمرا يقولان إن وضع أمريكا كقائدة للعالم خلال العقود السبعة الماضية بني ليس على الثروة والقوة فقط، بل أيضا على الشرعية الناتجة من جودة الحكم الأمريكي، وتسهيل تزويد العالم باحتياجاته، والقدرة والرغبة في حشد وتنسيق الاستجابات الدولية للأزمات، وإن وباء كورونا يختبر حاليا العوامل الثلاثة للقيادة الأمريكية، وحتى اليوم فشلت واشنطن في الاختبار.

وقارن الكاتبان أداء أمريكا “الفاشل” بأداء الصين تجاه الوباء، حيث قالا إن الأخيرة تحركت بسرعة لتستفيد من الثغرات التي صنعتها الأخطاء الأمريكية وتملأ الفراغ وتضع نفسها في قيادة العالم لمواجهة كورونا.

وسرد كامبل ودوشي تفاصيل تعثر الصين في بداية التعامل مع الوباء بالتكتم وحجب المعلومات خلال يناير وفبراير 2020، ثم نجاحها في نهاية الأمر في مارس في السيطرة على كورونا وحصولها على اعتراف العالم بتجاوز كارثة وصفها البعض بـ “تشيرنوبل جديدة”.
وأشارا إلى أن الصين تعمل حاليا على تحويل هذا النجاح إلى قصة تحكيها للعالم بأجمعه وتقنعه بأنها لاعب رئيسي في هزيمة كورونا.

وقالا إن الرئيس الصيني تشي جي بينغ يفهم أن توفير السلع العالمية يمكن أن يلمع قيادة الصين الصاعدة للعالم، فقد أمضى سنوات عديدة في دفع جهاز السياسة الخارجية الصيني إلى التفكير بجدية أكبر في قيادة إصلاحات “الحوكمة العالمية”. وقد وفر كورونا فرصة لوضع هذه النظرية موضع التنفيذ.

وضرب الكاتبان مثلا بالعروض الصينية التي يتم الترويج لها بشكل جيد للمساعدة المادية للدول الأخرى بما في ذلك الأقنعة، وأجهزة التنفس والمراوح والأدوية.

وأشارا إلى أن الصين وفي بداية الأزمة، اشترت وأنتجت وتلقت كمساعدة كميات هائلة من هذه السلع. وهي الآن في وضع يمكنها من إعطائها للآخرين.

وأضافا أنه عندما لم تستجب أي دولة أوروبية لنداء إيطاليا العاجل بشأن المعدات الطبية ومعدات الحماية، التزمت الصين علنا بإرسال الآلاف من أجهزة التنفس الصناعي وملايين الأقنعة وآلاف البدل الواقية وأجهزة الاختبار، كما أرسلت فرقا طبية وأجهزة ومعدات مماثلة لإيران وصربيا. وتعهد رجل الأعمال الملياردير الصيني جاك ما المؤسس المشارك لمحلات علي بابا بإرسال كميات كبيرة من الأقنعة وأجهزة الاختبار للولايات المتحدة ولجميع الدول الأفريقية.

وأكد الكاتبان أن الولايات المتحدة، على النقيض من الصين، تفتقر للمعدات والقدرة على تلبية العديد من مطالبها، ناهيك عن تقديم المساعدة لمناطق الأزمات في أماكن أخرى، واصفين صورة الوضع الأمريكي بأنها قاتمة، وكشفا عن أن المخزون الوطني الاستراتيجي الأمريكي، وهو احتياطي البلاد من الإمدادات الطبية الحرجة، يحتوي على 1 في المئة فقط من الأقنعة وأجهزة التنفس وربما 10 في المئة من أجهزة التهوية اللازمة للتعامل مع الوباء.

وختم الكاتبان مقالهما بالقول إن العناصر الرئيسية لنجاح الصين في الحصول على قيادة العالم في مواجهة كورونا هي القصور الأمريكي والتركيز الداخلي للسياسة. وبالتالي، فإن النجاح النهائي لمسعى الصين سيعتمد بقدر كبير على ما يحدث في واشنطن كما يعتمد على ما يحدث في بكين.

أزمة الشمل الأوروبي

جاء في تقرير نشر يوم 20 مارس حول تأثير وباء كوفيد 19 أ وكورونا على البنية الأوروبية:
لا يمكن النظر إلى أزمة الاتحاد الأوروبي المتصاعدة بفعل انتشار وباء “كورونا”، باعتبارها توترا عابرا للعلاقات بين دوله، يمكن تجاوزه متى تم القضاء على الفيروس. في العصر “ما بعد الكوروني”، إن صح التعبير، ستقف بلدان التكتّل أمام نوع مختلف مِن التحديات.

تحديات مِن شأنها أن تَهز دعائم الاتحاد ووحدته، وسط غياب مظاهر التضامن بين دوله وانكفائها ضمن حدودها الداخلية، وتَجلي حدود السياسات النيوليبرالية. وربما يتبين أن الاتحاد الذي استطاع تجاوز تداعيات “بريكست” وأزمة اللاجئين والأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، بات أكثر هشاشة وضعفا مِن ذي قبل، بعدما أعاد اختبار انتشار الوباء الاعتبار إلى الدولة القومية: الملاذ الأخير للشعوب في وقت الأزمات الكبرى.

شكلت إيطاليا الاختبار الأصعب في هذا السياق، الاستجابة البطيئة، معطوفة على غياب الوحدة بين دول تكتّل اليورو، بددا الآمال بانحسار الوباء قريبا، وجعلا من أوروبا بؤرة جديدة للأزمة.

أقرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، متأخرة، بأن المسؤولين السياسيين “قللوا من أهمية” حجم الخطر الذي يشكله “كورونا”، بينما أطلق البنك المركزي الأوروبي، متأخرا أيضا، خطة “طوارئ” بقيمة 750 مليار يورو لشراء الديون العامة والخاصة، في محاولة لاحتواء التداعيات الاقتصادية للوباء. خطة جاءت بعدما تصرفت مديرة “المركزي”، كريستين لاغارد، استنادا إلى أن الجائحة الحالية مختلفة كونها أزمة صحة عامة، وليست أزمة سياسية أو مالية.

أمثلة اللاوحدة

كان على إيطاليا اختيار من يبقى على قيد الحياة، نظرا إلى نفاد الإمدادات: تم توجيه الأطباء بهدف ضمان العلاج لأولئك الذين لديهم فرص أعلى للنجاة. توسلت السلطات الصحية الإيطالية أصدقاء البلاد وحلفاءها للحصول على إمدادات الطوارئ. وصلت المساعدات من شنغهاي:

فريق طبي و31 طنا من الإمدادات. عززت لفتة بكين غيابا ملحوظا في الدعم المتوقع مِن أوروبا، تجلى بعدما أشارت لاغارد إلى أن وظيفتها لم تعد إبقاء إيطاليا في منطقة اليورو. جل ما فعله هذا الرفض، هو تغذية استياء. بيد أن هناك تصورا ترسخت جذوره على مدى عقد من الزمن، مِن اتحاد نقدي يفتقر إلى التضامن الجماعي ويعيق النمو، بينما كانت إيطاليا تواجه تدفقات المهاجرين، ما أدى إلى صعود القوميين المتشككين في أوروبا، أمثال اليميني المتطرف ماتيو سالفيني.

صربيا التي تخوض منذ سنوات مفاوضات للانضمام إلى الاتحاد لم تكن أفضل حالا. بنبرةٍ غاضبة، قال رئيسها، ألكسندر فوتشيتش، إن “التضامن العالمي ليس موجودا”، واصفا التضامن الأوروبي بـ”القصة الخرافية”. أمله الوحيد معلق على الصين، بعدما قرر الاتحاد منع بلاده من استيراد المعدات الطبية بحجة عدم توفر ما يكفي لدوله: “هذا القرار اتخذ من قبل أشخاص كانوا يرسلون إلينا الأوامر بألّا نشتري البضائع من الصين… هؤلاء كانوا يريدون منا أن نعدل شروط مناقصاتنا الخارجية، بحيث لا يكون السعر المنخفض هو الأولوية، لنشتري بضائعهم ذات الجودة الأعلى”.

تكاليف أخرى

إلى التكلفة مِن حيث الأرواح والصحة العامة، أحدث “كورونا” صدمة اقتصادية على نطاقٍ يمكن أن يتجاوز بسهولة أزمة عام 2008. وفي حين أن الركود العظيم، نتج مِن صدمة مالية تردد صداها عبر الاقتصادات الأمريكية والأوروبية، فإن العالم كله يواجه، راهنا، تباطؤا هائلا في جميع قطاعاته الاقتصادية.

اتباع سياسة “المسافة الاجتماعية” أو مسافة الأمان، يعني نشاطا اقتصاديا أقل: في الأسابيع والأشهر المقبلة، سيعمل الناس أقل وسيستثمرون أقل وسينفقون أقل، ما سيؤدي، حتما، إلى تدهور الموازنات العامة والأعمال التجارية المربحة – ما لم يكن هناك التزام واضح مِن قبل السلطات بتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

تجنب واضعو سياسات البنك المركزي الأوروبي خفض معدل الفائدة بشكل كبير. وفقا لبيان لاغارد منتصف شهر مارس، “لا توجد علامات مادية على وجود توترات في أسواق المال أو نقص السيولة”. لذلك، فإن الرد يجب أن يكون “ماليا في الأساس”، وليس بالاعتماد على المصارف المركزية. في ظل الأزمة الحالية، كانت نسبة الديون الإيطالية إلى الناتج المحلي الإجمالي 134 في المئة، واقتربت الإسبانية والفرنسية مِن نسبة 100 في المئة. وفي ظل فروقات الأسعار على السندات، يبدو التحفيز المالي الكبير غير وارد.

قد تكون اليونان، مثلا، شهدت حالات قليلة نسبيا من الإصابات بفيروس “كورونا”، ومع ذلك، فقد ارتفع سعر السندات العشرية الخاصة بها بأكثر من 50 نقطة أساس في الأسبوع الثاني من مارس، إذ لا يكفي مجرد “الاعتماد على ألمانيا”، كما قال وزير المالية الألماني، أولاف شولتز. أساءت لاغارد، قبل طرحها خطة “الطوارئ” مرغمة، قراءة سياسات اللحظة الراهنة. بعد انتهاء المفاوضات الشاقة في شأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبحت الحكمة التقليدية تقول بأن الأوروبيين قد شفوا من أي رغبة في مغادرة الاتحاد.

هذا كان صحيحا قبل بضعة أسابيع، إلا أنه لم يعد من الممكن اعتباره أمرا مسلما به في أوقات غير عادية. وعليه، فإن التكلفة البشرية الحقيقية للوباء إلى جانب القلق الشعبي والشعور بأن المؤسسات الأوروبية غير معنية، يمكن أن تساهم بسهولة في الاندفاع بعيدا مِن المركز. وإذا كان هناك درس واحد يمكن استخلاصه مِن الكساد الكبير، وفق موقع “بوليتيكو” الأمريكي، فهو أنه عندما تفشل القيادة الدولية، يتم استبدالها بالسلوك المدمر غير التعاوني للحكومات الوطنية، عندما فشلت الولايات المتحدة في توفير السيولة للنظام المالي العالمي وفرضت تعرفات “سموت هاولي” بدلا من إبقاء أسواقها مفتوحة، نشأت تخفيضات تنافسية ورفع للرسوم الجمركية.

أجهزة الاستخبارات

للوهلة الأولى ومرحليا لا توجد علاقة معروفة بين أجهزة المخابرات ووباء كورونا العالمي أو استخدامه كسلاح في حرب بكتريولوجية. لكن وكالات الاستخبارات الكبرى في العالم ترصد أيضا الأمراض التي تضرب العالم. لماذا؟ وكيف تتعامل مع هذا الأمر؟.

في نهاية عام 2002، تفشى أول وباء عالمي في القرن الحادي والعشرين، ألا وهو متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد، المعروفة اختصارا باسم “متلازمة سارس”. الفيروس المسبب لهذا المرض قريب من فيروس كورونا.

وفقا لما كشفت الآن صحيفة “فيلت” الألمانية اليومية، فإن جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني “بي ان دي” قدم للحكومة الألمانية والسلطات الصحية في ألمانيا معلومات حول سارس وعملية انتشاره قبل أسابيع من الإعلان رسميا عنه.

وبحسب معلومات واردة من الدوائر الأمنية، فإن جهاز الاستخبارات الألماني تنصت على مكالمات واتصالات لاسلكية للحكومة الصينية. ولم يمنح هذا الأمر عملاء الجهاز معلومات حول المرض نفسه فحسب، بل أيضا عن الاستراتيجية الأولية للحكومة الصينية لمواجهة تفشي المرض.

وبطريقة مشابهة، تتصرف أجهزة المخابرات الأمريكية في أزمة فيروس كورونا “كوفيد – 19″، وفقا لتقارير حالية لوسائل إعلام. فقد تطابقت أخبار لوكالة رويترز مع الخدمة الإخبارية لآلة البحث “ياهو” على أن مدير الاستخبارات الوطنية، المسؤول عن جميع وكالات المخابرات الأمريكية الـ 17 أبلغ البيت الأبيض أنه أمر بالحصول على بيانات آنية حول أصل فيروس كورونا وتطوره وانتشاره والسيطرة عليه وتحليل كل ذلك.

إنها ليست بأي حال من الأحوال مسؤولية وكالة الاستخبارات الخارجية الأمريكية المعروفة، باسم “سي آي ايه”، فقط. فالولايات المتحدة هي واحدة من البلدان القليلة التي لديها جهاز استخبارات خاص بالمعلومات الطبية والصحية، وهو ما يعرف بالمركز الوطني للاستخبارات الطبية “ان سي ام آي” ، الذي يخضع لسلطة وكالة الاستخبارات الدفاعية “دي آي ايه”.

ومن أجل جمع معلومات حول فيروس كورونا المستجد، أشارت مصادر، مطلعة على الأوضاع لرويترز، إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تستخدم مجموعة واسعة من الوسائل من أجل الحصول على معلومات. وبصريح العبارة يعني ذلك أن البحث والتفتيش عن المعلومات ذات الصلة لا يقتصر على متابعة التقارير الرسمية أو وسائل الإعلام أو المصادر في الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، فإضافة إلى ذلك، تستخدم الأجهزة الأمريكية جميع أدوات الاستخبارات الأخرى من صور جوية وأقمار صناعية وعملاء ومخبرين وكذلك التنصت على عمليات الاتصال.

علاوة على ذلك فإن ما يهم الجواسيس على وجه الخصوص تتم التغطية عليه باستخدام عباءة الصمت الاحترافي. ومع ذلك فمن حيث المبدأ، يجب افتراض أن الولايات المتحدة ستستخدم بشكل متزايد أذرعها الاستخباراتية خاصة في الصين أو إيران، فيما يخص الكورونا.

ويمكن على سبيل المثال سؤال العملاء داخل القيادة الصينية أو المخبرين في وزارة الصحة الإيرانية، عن الأرقام غير الرسمية للمصابين أو عن طرق انتشار غير معروفة للعدوى أو استراتيجيات مكافحتها، وعندما يتوغل المتصنتون الأمريكيون في الاتصالات الحكومية، فإنهم يستمعون إلى ما يتعلق بالكورونا.

ماذا ينتج عن عمليات التجسس؟.

يتعلق الأمر أيضا بتقييم الأضرار السياسية والاقتصادية والتعرف عليها. وينطبق هذا أيضا على حملات التضليل المنتشرة واللوم المتبادل بحدة حول التسبب في ظهور الوباء العالمي، والاخطر من ذلك يمكن لأجهزة المخابرات استغلال الوباء لإضعاف وربما اسقاط أنظمة سياسية في بلاد معادية.
_________-
عمر نجيب