مقالات مشابهة

لأول مرة منذ 23 عاماً.. غياب مشاهد العودة في ذكرى النكبة بالداخل الفلسطيني

المشهد اليمني الأول/

حالت جائحة كورونا دون إحياء فعاليات الذكرى 72 للنكبة بالداخل الفلسطيني، في حين غابت مشاهد العودة للقرى والمدن المهجرة لأول مرة منذ 23 عاما، لتتحول المشاهد والمسيرات إلى رقمية في العالم الافتراضي، وتجمع لأول مرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي الشعب الفلسطيني بالشتات والمهجر وداخل الوطن.

وإن غابت مشاهد العودة عن أرض الواقع، فإنها سرعان ما تحولت إلى فيض من المشاعر وسرد الذكريات واسترجاع الروايات في ذاكرة وطن يأبى النسيان، جمعت من كافة أصقاع الأرض -عبر تطبيق «زوم»، والبث المباشر على شبكات التواصل الاجتماعي- اللاجئ الفلسطيني في الوطن والشتات، الذي ما زال يحن ويتوق للعودة.

ورغم إجراءات العزل والإغلاق التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، خلال أبريل وحتى 15 مايو الجاري، الذي يتزامن مع ذكرى النكبة، فإن قطار المشاعر والإفادات لما حصل عام 1948 لم يتوقف، حيث عمد المؤرخ اللاجئ سمير أبو الهيجاء -المنحدر من قرية عين حوض قضاء حيفا- إلى التحضير لكتابين: «حراس الذاكرة» و”عين حوض ستبقى تشهد”.

حراس الذاكرة

لكن إجراءات العزل أجلت إصدار وتوزيع «حراس الذاكرة» في فعاليات ذكرى النكبة، مثلما خطط المؤرخ أبو الهيجاء، الذي وجد نفسه مضطرا لتأجيل توزيع كتابه الثاني الذي يوثق شهادات من عين حوض، التي بنيت على أنقاضها قرية للفنانين الإسرائيليين.

يأخذ أبو الهيجاء عبر صفحات المتابعين بعض اللاجئين الفلسطينيين في رحلة إلى الذاكرة بروايات شفوية وثقها في القرى المهجرة، في حين بقيت الروايات من وراء البحار ودول الطوق لفلسطين الشاهد على النكبة.

المؤرخ سمير أبو الهيجاء أكمل سلسلة مؤلفات توثق الروايات الشفوية للمهجرين

بدا المؤرخ أبو الهيجاء في غصة حين غابت مشاهد العودة وفعاليات ذكرى النكبة بسبب فيروس كورونا عن قريته المهجرة التي تبعد مرمى حجر عن مسقط رأسه، لكنه، يقول «ما يخفف عني وطأه البعد القسري عن حلم العودة، هو نجاحي في إتمام وإنجاز سلسة أخرى من المؤلفات التي توثق الروايات الشفوية للاجئين من الداخل الفلسطيني والضفة الغربية وحتى الأردن والشتات».

في حراس الذاكرة تنقل أبو الهيجاء بين القرى المدمرة وعلى أطلالها التقى بعض اللاجئين داخل الوطن، وواصل مسيرته في توثيق الروايات الشفوية لتعزيز الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني، حين التقى ووثق بكاميرته وقلمه روايات للاجئين ممن يعيشون بمخيمات اللجوء بالضفة الغربية، وسافر إلى الأردن وجمع ذكريات ومشاهد وأحداث النكبة للاجئين كان يستعد لإحضار بعضهم لزيارة قراهم المهجرة في فلسطين، لكن إغلاق المعبر بسبب كورونا حال دون ذلك.

حلم العودة

ويستعرض أبو الهيجاء في كتابيه ذكريات ومشاهد من حياة الجيل الأول للنكبة، هذا الثمانيني التقاه في داخل الوطن أو ذاك التسعيني زاره في مخيم دير عمار قضاء رام الله، وفي العاصمة الأردنية عمان التقى لاجئين تخطوا بأعمارهم مائة عام، جميعهم وإن اختلطت عليهم المشاعر بقيت ذاكراتهم راسخة بتحقيق حلم العودة، وهو الحلم الذي ورّثوه لأولادهم وأحفادهم.

لم تقتصر الروايات التي وثقها أبو الهيجاء على فصول المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، والتهجير القسري لأكثر من 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم، وتدمير أكثر من خمسمئة قرية ومدينة فلسطينية، بقيت أطلالها شاهدة على قسوة التفاصيل والأحداث التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، لكنها حملت في ثناياها حلم العودة والموت في ثرى الوطن، والهواجس والمخاوف من تطبيق خطة السلام الأميركية المعروفة إعلاميا «بصفقة القرن»، الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين.

وحول إمكانية العودة إلى القرى المهجرة، يقول أبو الهيجاء «جميع من وثقت رواياتهم وذكرياتهم ومن كانوا شهودا على النكبة ما زالوا يتمسكون بحلم العودة، حتى وإن لم تبعث الأوضاع الراهنة على التفاؤل بتحقيق ذلك قريباً، لكنهم على قناعة تامة بأن الأجيال الفلسطينية الناشئة التي يرتبط وجدانهم بالقرى والمدن التي هجر آباؤهم وأجدادهم منها، لن تتنازل عن حق العودة، وستتمكن من تحقيق ذلك وإن بعد حين».

نكبة كورونا

وحتى ذلك الحين بتحقيق حلم العودة على أرض الواقع، يقول رئيس لجنة المهجرين بالداخل الفلسطيني المهندس سليمان فحماوي «تأطر مشهد العودة افتراضيا من خلال مسيرة العودة الرقيمة وفعاليات ذكرى النكبة التي شارك فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن جائحة كورونا وإن منعت عشرات الآلاف من العودة الفعلية للقرى والمدن المهجرة، فإنها أتاحت هذا التفاعل للشعب الفلسطيني عبر العالم الافتراضي».

ووصف فحماوي -اللاجئ من قرية أم الزينات قضاء حيفا- في حديثه للجزيرة نت فعاليات وأنشطة ذكرى النكبة 72 «بنكبة كورونا»، التي حالت دون التواصل والتواجد الفعلي بالقرى والمدن المهجرة، مؤكدا أن القرى والمدن الفلسطينية موجودة في القلب والوجدان، إذ إن مسيرة العودة الرقمية 23 أثبتت عمق العلاقة بالأرض والوطن، وتجذر روايات اللاجئين في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني.
عودة افتراضية

ويعتقد رئيس لجنة المهجرين بالداخل الفلسطيني أن مسيرات العودة وفعاليات ذكرى النكبة الافتراضية في ظل كورونا أعادت مصطلح حق العودة إلى وجدان الشعب الفلسطيني، إذ كانت الجائحة فرصة للقاء وتواصل قطاعات واسعة من أجيال اللاجئين، ورسخت قواعد جديدة للحمة ووحدة الشعب الفلسطيني.

وأوضح أن إرجاء مسيرات العودة وفعاليات ذكرى النكبة على أرض الواقع بسبب أزمة كورونا، استحضر على العالم الافتراضي كافة أبناء الشعب الفلسطيني حتى في المهجر والشتات، وأسهم في تحفيز الذاكرة من خلال الحراك على صفحات لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين، باستذكار مشاهد التهجير والتشريد والمجازر مع الإصرار على عودة اللاجئين وعدم التنازل عنه، رغم المؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية.