مقالات مشابهة

الريال اليمني.. بين استقرارة في صنعاء وتدهوره في عدن

المشهد اليمني الأول/

تنعدم بوادر إنقاذ الريال اليمني من الانهيارات الحادة والمستمرة أمام العملات الأجنبية، وتحديداً في نطاق سيطرة تحالف العدوان السعودي الإماراتي وشركائه المحليين: حكومة المرتزقة، المدعومة سعوديا، والمجلس الانتقالي الجنوبي، المسنود من الإمارات.

ويخوض بنك مركزي عدن، في المزيد من السياسات المالية الفاشلة، التي أدت منذ ما بعد 2016، إلى تراجع قيمة الريال وتواصل انهياراته أمام العملات الأجنبية، فضلا عن تدهور قيمته الشرائية، بشهادة منظمات ومؤسسات دولية معنية بالرقابة والشفافية، والتي ألمحت بالإشارة إلى صنعاء، أنه برغم محاربة صنعاء بنقل البنك المركزي هناك إلى عدن، إلا أن سياساتها المالية وإجراءاتها التنفيذية تنجح في المحافظة على استقرار نسبي لقيمة الريال أمام العملات الأجنبية، مقابل انهيارات متواصلة في عدن.

ويحلو لمهندسي وداعمي ومنفذي قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في سبتمبر 2016، مواصلة اتهامات صنعاء بالتسبب في انهيار العملة المحلية، متجاهلين الكثير من الحقائق التي تكشفت لاحقا عن فكرة الحرب على العملة التي لا يزالون يديرونها ضمن حرب اقتصادية شاملة وغاشمة، ضد أهلهم أبناء وطنهم بمعية السعوديين والإماراتيين.

لم يؤخذ بتحذيرات صنعاء من استهداف العملة الوطنية، والتي بدأت نذرها مع نقل البنك إلى عدن، وتضعضع الالتزامات المعلنة من حكومة المرتزقة، بانقطاع المرتبات عن 70 في المائة من موظفي القطاعين العام والمختلط، يتواجدون في نطاق سيطرتها، وبالاستغراق في طباعة أوراق نقدية جديدة، غير مؤمنة ولا قانونية، كان الأمر في صميم استغلال الاقتصاد كورقة حرب.

ضخت حكومة المرتزقة ما يصل إلى تريليوني ريال، من العملة غير القانونية في غضون العامين 2017-2018، وشرعت لاحقا في إلغاء فئة الخمسين ريالا، وهي إجراءات حاول البعض إضفاء الشرعية والقانونية عليها، لكنها في الحقيقة جاءت لتعمق الانقسام المؤسسي المالي، وتضاعف من فرص هرولة العملة الوطنية نحو التدهور والانهيار، وهو ما حدث ويحدث وما سيحدث!

وإلى ما قبل ذلك، كانت حكومة المرتزقة، قد جففت البنك المركزي من الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو5 مليارات دولار، وأكثر من تريليون ونصف من العملة الوطنية، بينما فقدت العملة وفق تقارير رسمية 150% من قيمتها.

على ما يبدو، لم يكن الوقت ملائما لتصديق كل هذا، بالنسبة للسواد الأعظم من أبناء المحافظات الجنوبية، الذين كانوا لايزالون يعلقون آمالا كبيرة، بتحسن اقتصادي ومعيشي والتنعم بثروات الجنوب التي طالما اعتقدوا، بإيعاز سياسي، أنها منهوبة إلى كل بيت في الشمال!

لكن سرعان ما تبخرت آمال هؤلاء، بانكشاف التردي الاقتصادي، وسيادة مظاهر الفوضى وغياب الأمن، والبحث في جملة المفقودات، عن المرتبات التي صارت في حكم الانقطاع لأشهر، وتفاقم المعاناة جراء الجرع السعرية الجديدة، وأزمات الوقود، وتدهور أو توقف الخدمات كالكهرباء والمياه، والصحة وغير ذلك.

وأدى الانخفاض في قيمة الريال إلى ارتفاعات واسعة في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، إذ ارتفعت أسعار السلع بنسبة تتجاوز 200% لبعضها، خلال الأشهر الأولى من العام الحالي، في عدن بشكل رئيسي وبقية المحافظات الجنوبية، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

كما أدى تراجع الريال أمام العملات الأجنبية إلى ارتفاعات طفيفة في صنعاء، ووصل سعر الصرف إلى نحو 640 ريالا للدولار في السوق السوداء، في حين يختلف الأمر في عدن، حيث يكاد الريال أن يتجاوز سقف 800 ريال للدولار الواحد.

ظلت الحكومات التي تعاقبت بإسناد تحالف العدوان السعودي الإماراتي، تبيع وهم الرفاه الاقتصادي، لأبناء عدن والمحافظات المحتلة في الجنوب، بعد أن تنصلت عن التزاماتها ومسئولياتها تجاه أكثر من مليون موظف، تتواصل معاناتهم وأسرهم على خلفية استمرار انقطاع مرتباتهم الشهرية منذ سبتمبر 2016.

وبرزت طموحات تكوين الأرصدة الشخصية والاستثمارات العقارية والتجارية، خارج البلد، مترافقة مع كل خطوات السير بالاقتصاد والعملة الوطنية إلى مآلات لم تعد مجهولة بعد أكثر من خمس سنوات من الحرب والحصار الاقتصادي، وضاعفت السيرة الفاسدة للنافذين في تحالف العدوان والحكومات المقيمة في الرياض، من إحباطات المواطنين في مختلف المدن المحتلة والمديريات الجنوبية.

لقد توقفت أفران الخبز عن نشاطها في عدن ولحج وعدد من المحافظات الزاخرة بتشكيلات مسلحة طارئة تستجدي مرتباتها من أبوظبي والرياض نهاية كل ثلاثة أشهر في أفضل الأحوال.

كانت صنعاء هدفا رئيسا من كل إجراءات السياسات المالية والاقتصادية لحكومةات المرتزقة، خلال السنوات الماضية من الحرب، ومع ذلك تجسدت العواقب عمليا في مناطق سيطرة الأخيرة؛ لقد نأت صنعاء بنفسها تدريجيا عن الأضرار المباشرة والعميقة من كل الإجراءات التي اتخذتها عدن، وظلت تحارب بدون مزايدات، لأجل تحييد الاقتصاد عن استخدامه كسلاح حرب في وجه اليمنيين.

ومن جنيف (1 و 2) إلى الكويت إلى السويد في ديسمبر 2018، عرفت المحطات التشاورية الأممية الموقف المبدئي لصنعاء حيال الاقتصاد، الذي ينبغي أن يتم تحييده عن الصراع، وإنهاء حالة الانقسام في مؤسساته المالية التي صنعها تحالف العدوان وشركاؤه المرتزقة المحليون، وكانت نتائج ذلك التدمير للمؤسسات المالية السيادية، وللعملة الوطنية.

وتبددت، بالإصرار على التعنت وعدم الجدية، من طرف تحالف العدوان وحكومة المرتزقة، آمال “ستوكهولم” السويد، الذي بلغ فيه التفاؤل حدا معقولا بالتوصل لاتفاق أولي عن تشاورات اقتصادية، خاضت بعمق في جوهر المشكلات التي تعترض تحييد الاقتصاد، والكف عن استغلاله كأداة للعقاب أو الإخضاع، وإنهاء الانقسام المالي والبدء بإجراءات تكفل معالجة عادلة للقضايا الاقتصادية محل الاختلاف، وعلى رأسها استئناف صرف مرتبات الموظفين المنقطعة منذ العام الثاني للحرب وإلى اليوم، بفعل ما قام به تحالف العدوان وحكومة المرتزقة من إجراءات نقل البنك المركزي إلى عدن.

أوضحت صنعاء على طاولة السويد، وما تبع ذلك من مشاورات أممية متقطعة في جانب الاقتصاد، في الأردن وسواها، الموقف الذي يجب أن يحفظ للاقتصاد اليمني حياديته في الصراع، ويجنبه منزلقات أكثر تدهورا وترديا.

وقدمت من خلال ( اللجنة الاقتصادية العليا ) رؤية مفصلة وواقعية للتوصل إلى إنهاء الانقسام المالي، و تحييد الاقتصاد، والمعالجة لقضية المرتبات المنقطعة عن أكثر من مليون شخص من موظفي الدولة.

لكن التواطؤ الأممي كان ملحوظا ولايزال، حيث تفتقر غالبية جهوده إلى الجدية في الالتزام بشأن قضايا في صميم المصير المعيشي والإنساني لملايين اليمنيين، الذين تواجه بلادهم انهياراً متواصلا للعملة وقيمتها الشرائية.

هل كان على صنعاء أن تنتظر المزيد من العقاب، عوضا عن قرار إيقاف نزيف العملة في مناطق سيطرتها، والمعلن في 18 ديسمبر من عام 2019.

القرار الذي قضى بحظر تداول العملة المطبوعة من قِبَل «مركزي عدن» في مناطقها، كانت له انعكاسات إيجابية تدريجية على سعر صرف الريال في تلك المناطق، إلا أنه استدعى رداً انتقامياً من قِبَل حكومة المرتزقة التي عمدت إلى وقف صرف رواتب 70 ألف موظف في الشمال، من المتقاعدين.

وقالت الاقتصادية العليا إن القرار هو “إجراء دفاعي لحماية العملة من التدهور، ووقف أعمال المضاربة المفتعلة واستخدام العملة المطبوعة لسحب السيولة من العملات الصعبة من السوق بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية، بهدف إيصال اليمن إلى أزمة مدفوعات”.

واعتبرت ما يحدث من “تراجع لسعر صرف الدولار في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ، مقابل ارتفاعه في المحافظات الجنوبية والشرقية التي لا تزال العملة المطبوعة تغرق الأسواق فيها، وتُستخدم كأدوات لسحب العملة الصعبة من الأسواق وتهريبها إلى الخارج من قِبَل «تجار الحروب»، «دليلاً على جدوى سياسات البنك المركزي في صنعاء».

وأشارت الاقتصادية العليا إلى أن سعر صرف الريال اليمني تراجع منذ 19 ديسمبر في مناطق حكومة الإنقاذ من 594ريالاً إلى 567 ريالاً، بينما تصاعد في مدينة عدن بفعل سياسات البنك الكارثية إلى 627 ريالاً للدولار الواحد.

وأضافت: “إنه جراء ارتفاع الفارق في سعر صرف العملات، رفعت شبكات تحويل الأموال رسوم التحويل من المحافظات الجنوبية إلى الشمالية بنسبة تتجاوز 400%، بتواطؤ من قِبَل «مركزي عدن»، رغم ازدياد السخط الشعبي على تلك الإجراءات”.

الى ذلك، أشار تقرير محلي صدر مؤخرا تحت عنوان اليمن يرسم خريطة مرجعياته ” YEMEN REFERENCE MAP”. إلى أن الاقتصاد اليمني على وشك الانهيار، إذ تقلص بنحو 50 في المائة منذ تصاعد الصراع في مارس 2015 وفرص العمل والدخل بشكل كبير وتقلب أسعار الصرف – بما في ذلك انخفاض غير مسبوق في قيمة الريال اليمني (YER) بين أغسطس وأكتوبر 2018 – أدى إلى تقويض القدرة الشرائية للأسر.

وأفاد التقرير بأن العجز المالي أدى منذ الربع الأخير من عام 2016 إلى ثغرات كبيرة في الميزانيات التشغيلية للخدمات الأساسية ومدفوعات الرواتب غير المنتظمة مما أضر بشدة بإمكانية حصول الناس على الخدمات الأساسية 51 في المائة فقط من المرافق الصحية تعمل بكامل طاقتها.

وقالت شبكة نظام الإنذار المبكر إنه من المحتمل أن يؤدي العجز المتصاعد في العملة الأجنبية في اليمن إلى المزيد من انخفاض قيمة الريال، وتعطل واردات الغذاء ودفع الرواتب، والضغط التصاعدي على أسعار المواد الغذائية والوقود، وأضافت الشبكة في تحديثها الأخير، إن الودائع البالغة ملياري دولار والتي ساهمت بها السعودية في أوائل عام 2018 لاستقرار الأوضاع الاقتصادية قد استنفدت بالكامل، وأفادت آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن أن السعودية قد توقفت عن الموافقة على خطابات اعتماد جديدة لمستوردي الأغذية.

وحيال ذلك، تمضي صنعاء في تطبيق إجراءاتها الاقتصادية والمالية، وتحافظ على قدر معقول ومقبول من استقرار العملة، كما تبذل المزيد من الجهود في سبيل تحسين مستويات المعيشة للمواطنين، بتنفيذ عدد من الشاريع الاقتصادية في إطار البرامج التنفيذية للإنعاش والتعافي الاقتصادي والرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة.