مقالات مشابهة

الإقتصاد اللبناني.. شدة في الأزمة وبطء في المعالجة

المشهد اليمني الأول/

تشتد وطأة الأزمة الإقتصادية في لبنان التي خلقتها أمريكا له عبر سياسات عقيمة وإجراءات مغرضة اعتمدها مفسدون تابعون لها تسلموا السلطة فيه منذ اتفاق الطائف وحكموه تحت مظلة الحريرية السياسية، كمحاولة لتركيع دولته للقبول بخياراتها في نزع سلاح المقاومة، والقبول بصفقة القرن، وبالخطة الأمريكية لترسيم الحدود بينه وبين الكيان الصهيوني.

وتظهر إجراءات تلك الحرب الاقتصادية في الحركة النشطة للسفيرة الأمريكية على أمراء الطوائف والحروب من جماعة ما كان يسمى بتحالف ١٤ آذار، مستنهضة إياهم للقيام بأجندة محددة كلفتهم تنفيذها، تقع على رأس أولوياتها تشويه صورة المقاومة في المجتمع اللبناني، وتحميل حزب الله أوزار الأزمة الاقتصادية.

وكل ذلك كمحاولة لدفع البلد الى حالة الفراغ الحكومي متوسلة الى ذلك اتهام الحكومة بالارتهان لحزب الله، ورافدة له عبر أدواتها في المصرف المركزي بالتلاعب بسعر صرف الدولار بشكل أسبوعي، مترافق مع سلوك نمطي منتظم لعملائها من القوى السياسية في قطع الطرقات وإثارة الشغب وإرهاق القوى الأمنية والجيش، تحت غطاء إعلامي حثيث لتصوير ذلك أنه ثورة مطلبية لفقراء ضد متسلطين ومستكبرين.

والهدف من ورائه هو دفع الناس للانفعال والغضب لإيقاد نار الفتنة الطائفية والحزبية والمناطقية تمهيداً لحالة من الفوضى وفقدان التوازن السياسي، فحركتهم هذه أشبه ما تكون بظاهرة الرنين في الفيزياء (resonance) التي يُعمل فيها على إيجاد دفع خارجي ناعم غير قوي على النظام لكنه منتظم يؤدي مع الوقت الى اهتزازات كبرى فيه تؤدي الى تفكيك أوصاله وانهياره.

في الوقت الذي تبدو فيه المعالجات الحكومية خجولة لا ترقى الى مستوى التحدي الذي تفرضه الأزمة.

فوزارة الاقتصاد متعثرة عاجزة في ضبطها للاسعار ومنعها للاحتكار، وتدخلات وزارة الزراعة تفصيلية طفيفة لا أثر لها، أما وزارة الطاقة فغافلة عن بدائل استراتيجية تأتي من الصين تمنع الهدر وتوفر عشرات المليارات من الدولارات.

وأما رئاسة الحكومة فهي تبدو لحد الآن مترددة خائفة، صاحبة نية حسنة غير قادرة على ترجمتها الى أفعال، تلقي باللوم على حاكم مصرف لبنان الذي لم تستطع إقالته بعد أن همت بالأمر لمرات عديدة، مختزنة في وعيها الباطني خوفاً وتردداً أمام خيار التوجه شرقاً.

وأما الدولة في لبنان فإنها تستحمق مواطنيها وتمنيهم بنتائج إيجابية من المفاوضات مع صندوق النقد، وتفاوضه بموقف تتجاذبه وجهتا نظر مختلفتان حول تقدير الخسائر المالية، مع علمها أن عملية التفاوض معه يطول وقتها ولا تُضمن نتائجها، وقد فاجأتنا بالأمس رئيسته بالقول أن لا أفق في المدى المنظور لإنقاذ لبنان.

وإذا بقيت الامور على هذا النحو من التراخي والتردد والخوف فإن الأزمة ستشتد الى حدّ لا يمكن معه التنبؤ بتداعياتها السلبية الوجودية على الكيان اللبناني.

وما يجب على الحكومة القيام به هو الإسراع في المعالجة واستنفار كل الطاقات، مع حزم وجرأة أمام مثيري الشغب والفتنة، وإقدام ومبادرة للتوجه شرقاً.

وإلا فإنه يُخشى أن يفقد الناس الداعمون لها قدرتهم على الصبر والتحمل فيتخلوا عن ثقتهم فيها.

إن أمام اللبنانيين ثلاثة أشهر قادمة حتى موعد السبات الانتخابي الأمريكي تملؤها التحديات، لكن يكبر فيها الأمل في تحويل هذا التهديد الوجودي الى فرصة عبر تغيير النمط الاقتصادي المتبع من ريعي إلى منتج، وتثبيت قيمة الاكتفاء الذاتي، والارتباط بخيارات أخرى في النظام العالمي بعيدة عن الغرب ومؤسساته، تحترم سيادة الدول وكرامتها، وتتعامل معها على أساس التناغم في المصالح المشتركة لا تستذلها في عزتها، ولا تنهب مواردها، مع الالتفات الى نقطة مفصلية وهي أن نجاح محور المقاومة في هذه الحرب الاقتصادية سيمهد الطريق بشكل أساسي لتغيير النظام العالمي الحالي الذي عاث في الأرض قتلاً وفساداً.

إنها حرب حقيقية وصناع نصرها كما في الحرب العسكرية هم شعبنا ومجتمعنا.

ما لم تأخذه أمريكا بالحرب العسكرية هي أعجز عن أخذه بحرب اقتصادية يديرها فريق أحمق يتولى رئاسة إدارتها.

_________
علي حكمت شعيب
أستاذ جامعة لبناني