مقالات مشابهة

أزمة السفينة صافر ما بين الصمت الأممي ومحاولة الإستغلال الأمريكي

المشهد اليمني الأول/

عادت أمريكا مرة أخرى، من موقعها كإدارة عليا للعدوان، إلى محاولة استغلال أزمة خزان “صافر” النفطي العائم قبالة سواحل الحديدة، وهذه المرة مع توسيع ملحوظ لاستراتيجية “الضجيج الإعلامي” المنفصل تماما عن الحقيقة، لربط مصير السفينة “صافر” بما حدث مؤخرا في مرفأ بيروت، في مسعى مفضوح لـ”تدويل” أزمة السفينة اليمنية وتحويلها إلى ورقة ضغط بيد تحالف العدوان ورعاته الغربيين؛ ليستخدموها في تحقيق المكاسب التي عجزوا عن تحقيقها طيلة ما يقارب ست سنوات.

بالمقابل، تعود الصحف مرة أخرى لتواكب الضجيج الجديد المثار حول السفينة “صافر” بمعلومات حصرية كشفتها مصادر خاصة، تثبت أن واشنطن وحلفاءها، ومعهم الأمم المتحدة كأداة منفذة، لم يغادروا بعد مربع الكذب، بل لا زالوا يستخدمون ضجيج الأكاذيب المكثـفة للتغطية على استمرارهم عمليا في عرقلة أي حـل جاد للأزمة، وبشكل يكشف بوضوح عن إصرار على إبقاء السفينة بلا صيانة أو تقييم؛ لاستغلالها بما يكفي لتحقيق أهدافهم الخاصة غير المعلنة.

أزمة السفينة صافر ما بين الصمت الأممي ومحاولة الإستغلال الأمريكي

مهمة الفريق الأممي الزائفة

في منتصف يوليو الفائت، أكد المتحدث باسم أمين عام الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أنه سيتم إرسال فريق خبراء أممي لـ”تقييم الضرر الفني وإجراء إصلاحات أولية” للخزان صافر العائم قبالة سواحل رأس عيسى، وأكد أن “صنعاء” وافقت رسميا على هذه المهمة الأممية، وهو ما يعتبر إثباتا واضحا لتجاوب سلطات المجلس السياسي الأعلى بشكل عملي مع الحلول الجادة للأزمة، على عكس ما يكرسه إعلام العدوان ورعاته في الغرب.

لكن هذا الأسبوع، زعمت السفارة الأمريكية في اليمن أن صنعاء لم تسمح للفريق الأممي بالقيام بمهمته، وحاولت بشكل، وبدون أن تقدم أية تفاصيل أو إثباتات لمزاعمها ذهبت مباشرة نحو محاولة استغلال هذه المزاعم لإثارة “الضجيج” المعتاد الذي يحاول بوضوح أن يوظف القضية كورقة ضغط ضد صنعاء؛ من أجل تحقيق مكاسب سياسية وربما عسكرية أيـضا.

قرابة شهر واحد يفصل بين موافقة صنعاء على مهمة الفريق الأممي، وتصريح السفارة الأمريكية، فما الذي حدث خلال هذه الفترة؟ ولماذا أصرت الولايات المتحدة على العودة لمحاولة استغلال القضية؟

هذا ما تجيب عنه بوضوح مصادر خاصة بكشفها عن اتصالات جرت خلال هذه الفترة بين صنعاء، ومكتب المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، ومكتب الأمم المتحدة لخدمة المشاريع (الذي تولى مهمة إرسال الفريق) ودولتين أوروبيتين حول مستجدات ازمة السفينة صافر.

وقالت المصادر: إن وزارة الخارجية بصنعاء تواصلت مع مكتب “غريفيث” نهاية يوليو المنصرم، وأبلغته بأن “مكتب الأمم المتحدة لخدمة المشاريع، ينتهج روتينا بطيئا” فيما يخص مهمة السفينة صافر، لكن ليست هذه هي المفاجأة الوحيدة، إذ أضافت الوزارة أن برنامج التقييم والصيانة المزمع تنفيذه من قبل المكتب الأممي “لم يستوعب” المهمة الرئيسية للفريق الفني الذي سيقوم بزيارة السفينة، (أي أنه لم يلتزم بها أصلا كما سيأتي توضيحه بعد قليل).

وأضافت المصادر أن صنعاء زودت مكتب الأمم المتحدة لخدمة المشاريع في العاصمة، بـ “ملاحظات جوهرية قدمتها وزارة النفط والمعادن (كونها الجهة المسؤولة عن الخزان) حول برنامج الصيانة والتقييم”، وهي ملاحظات أوضحت تفاصيل “عدم استيعاب المهمة الرئيسية للفريق” كالتالي:

الملاحظة الأولى كانت أن “مهمة التقييم الفني المزمع بها من قبل الخبراء الدوليين لم تتضمن أي ذكر لتقييم أنظمة السلامة ومكافحة الحريق بالرغم من أنه يعد أهم نظام يجب أخذه بعين الاعتبار وتقييمه وإصلاحه قبل البدء بأية أعمال صيانة للخزان العائم، الأمر الذي يتنافى مع أهم قواعد الأمن والسلامة المعمول بها عالميا في هذا المجال”.

وتكشف الملاحظة الثانية أنه “تم تخصيص يوم واحد (فقط) في برنامج التقييم والصيانة للقيام بتقييم جسم الخزانات النفطية على متن الخزان العائم من قبل فريق مكون من شخصين (فقط)… الأمر الذي سيكون غير مجد بالنظر إلى كبر حجم الخزان العائم وقلة عدد الفريق والمعدات، وبالتالي يجب توفير العدد الكافي من الفنيين والمعدات للقيام بهذا العمل بصورة صحيحة”.

وتفجر الملاحظة الثالثة مفاجأة أخرى، حيث تكشف أن “برنامج التقييم والصيانة أهمل أي ذكر لتقييم جوانب الخزان العائم صافر بالرغم من أنها أكثر المناطق تعرضا للتآكل وخصوصا منطقة التقاء ماء البحر مع الرياح، وبالتالي يجب أن تتضمن المهمة التي ستتم من قبل الفريق القيام بإجراء تقييم شامل لجوانب الخزان العائم”.

وتؤكد الملاحظة الرابعة أنه “لم يتم ذكر اسم الشركة المقاولة التي ستتولى هذا العمل للتأكد من خبرتها كما لم يتم إرفاق السير الذاتية لأعضاء الفريق للتأكـد من توفر الخبرات اللازمة لديهم”، فيما تكشف الملاحظات الخامسة والسادسة والسابعة أنه “لم يتم أيـضا ذكر أي تقييم لمنظومة الطاقة الكهربائية للخزان”، و”لم يتضمن البرنامج تقييم حالة أنابيب دخول مياه البحر إلى الخزان بالرغم من أن التسرب الأخير للمياه إلى غرفة المحرك وقع من هذه المنظومة التي باتت متهالكة جدا”، وأخيرا “لم يتضمن البرنامج أيـضا القيام بتقييم حالة منظومة التحكم وحالة صمامات الأمان للحفاظ على ضغط الغازات داخل خزانات النفط على متن الخزان”.

باختصار، تكاد مهمة الفريق الأممي الذي سيقوم بتقييم وصيانة الخزان العائم تتجاهل كل شيء يتعلق بتقييم وصيانة الخزان العائم، وهو ما يثير بحسب تعبير مذكرة وزارة الخارجية “التساؤلات حول خبرة الفريق المكلف بالمهمة”، بل إنه يكشف أن المهمة الأممية لم تكن في الحقيقة إلا عنوانا دعائيا يخفي وراءه احتمالات خطيرة ومثيرة للقلق، إذ لم يعد واضحا ما الذي سيفعله الفريق الأممي على متن السفينة صافر وهو لا يقوم بتقييمها وصيانتها!!

ويعيدنا هذا التساؤل إلى مهمة أممية مشابهة كانت صحيفة المسيرة قد سلطت عليها الضوء في تحقيق سابق نشر في منتصف يوليو الماضي، وكشف بالوثائق أن الأمم المتحدة كان قد أرسلت في 2019 شركة مجهولة وغير مسجلة لدى المنظمة البحرية الدولية؛ من أجل صيانة وتقييم السفينة صافر، وبجمع ذلك مع الملاحظات الأخيرة سالفة الذكر، يتبين بوضوح، أن الأمم المتحدة ومن خلفها المجتمع الدولي المتحالف مع العدوان، لا يريدون عمل أية صيانة فعلية أو تقييم حقيقي للسفينة، فماذا يريدون إذن؟!

أزمة السفينة صافر ما بين الصمت الأممي ومحاولة الإستغلال الأمريكي

“مهمة أخرى”

تؤكد المصادر أن وزارة الخارجية بصنعاء أبلغت مكتب المبعوث الأممي، قبل أيام، بأنها تلقت خلال الفترة الماضية مذكرتين من مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع بصنعاء بشأن موضوع خزان صافر، ولم تتضمن المذكرتان المهمة المتفق عليها معكم والمتمثلة في صيانة الخزان العائم”، وتضيف الرسالة أن ما تحدثت عنه المذكرتان وبرنامج الفريق الفني كان “مهمة جديدة وغير واضحة”، الأمر الذي “ينم عن نوع من المماطلة والتسويف تجاه موضوع خطير وكارثي لا ينبغي مع الغرق في الروتين والغموض”.

وأوضحت المصادر أن وزير الخارجية هشام شرف أبلغ المبعوث الأممي، قبل أيام بأن صنعاء: “تفاجأت مؤخرا بالمماطلة وعدم إرسال فريق الخبراء الفني المكلف وفق المهمة المطلوبة وإرسال أجندة للفريق على نحو مناقض لما هو مطلوب من الصيانة والإصلاحات العاجلة”.

من المفارقة أن تصريحات مسؤولي الأمم المتحدة ضمن “الضجيج الإعلامي” الذي تشترك فيه مع تحالف العدوان والولايات المتحدة تتحدث عن “القلق” وتطالب بالإسراع في اتخاذ الإجراءات، لكن في الوثائق الرسمية وعلى الميدان، لا نجد سوى المماطلة والصمت والتجاهل.

أما بخصوص “المهمة الأخرى غير الواضحة” و”الأجندة المناقضة لما هو متفق عليه” التي تم تكليف الفريق الأممي بها، فإن غموضها نفسه يكشف حقيقتها، فإذا لم تكن الأمم المتحدة و”ممولوها” في تحالف العدوان والغرب يريدون تجنب “كارثة تسرب النفط” التي يضجون بشأنها باستمرار، وهو ما بات واضحا ومثبتا، فالمتبقي احتمالان فقط، إما الحرص على حدوث تلك الكارثة، أو تعمد استغلال موضوعها وتوظيفه كابتزاز وضغط سياسي وعسكري.

ومع أن الاحتمال الأول غير مستبعد، إلا أن الثاني يحمل الكثير من الشواهد الآن، وتصريحات السفارة الأمريكية الأخيرة، التي حاولت التغطية على زيف مهمة الصيانة والتقييم، بتحميل “صنعاء” المسؤولية عن بقاء أزمة السفينة، تكشف بشكل صارخ عن نموذج “الابتزاز” الأمريكي الدولي، الذي تحاول به واشنطن أن تتغلب على الحقيقة بالكذب المكثـف.

ولا يخفى طبعا الدور الفاضح الذي تقوم به الأمم المتحدة في عملية “الابتزاز” هذه، حيث لم تعد تتكلف عناء الإبقاء على أي “مظهر” للحياد، بل باتت تتصرف بوضوح كبيدق في معسكر تحالف العدوان ورعاته في الغرب، ضد صنعاء، ولن يكون زيف مهمة تقييم وصيانة السفينة بغريب على المنظمة التي تبجح مبعوثها قبل فترة بدوره في منع سفن المشتقات النفطية من الوصول إلى ميناء الحديدة، وأبدى انزعاجه من صرف “نصف راتب” للموظفين!

أزمة السفينة صافر ما بين الصمت الأممي ومحاولة الإستغلال الأمريكي

مطالبة صنعاء ألمانيا والسويد إرسال فرق فنية

وبالرغم من وفرة الأدلة التي باتت تثبت إصرار تحالف العدوان والأمم المتحدة وواشنطن على استغلال أزمة السفينة صافر وإطالة أمدها، لا زالت صنعاء تطرق الأبواب الدولية؛ بحثا عن حل حقيقي بعيدا عن الضجيج، إذ علمت صحيفة “المسيرة” أن حكومة الإنقاذ، قبل يومين، خاطبت نظيرتها في مملكة السويد، بأنه “بالرغم من مطالبة حكومة الإنقاذ المستمرة بتقييم وصيانة خزان النفط العام صافر منذ 2016، إلا أنها قوبلت بالمماطلة والتسويف وتعنت وعرقلة الطرف الآخر، فضلا عن عجز الأمم المتحدة عن إلزام الطرف الآخر حتى بالسماح بدخول مادة المازوت اللازم لمحركات تنظيم الغازات في السفينة”.

وكشفت المصادر أن خارجية صنعاء طلبت من مملكة السويد “المساهمة في حل مشكلة الخزان العائم من خلال التكرم بإرسال فريق فني متخصص لإجراء عملية الصيانة في أسرع وقت”.

وقد خاطبت صنعاء، في الـ 5 من مارس الماضي، خارجية الإنقاذ في رسالة أخرى، وزارة الخارجية في جمهورية ألمانيا الاتحادية، بالشيء نفسه.

وبالرغم من أنه سبق الكشف عن العديد من مخاطبات صنعاء للمجتمع الدولي وللأمم المتحدة بخصوص السفينة صافر، منذ بداية أزمتها، إلا أن هذه المرة الأولى التي نرى فيها مطالبات بإرسال فرق فنية من دول أخرى، الأمر الذي يعكس مجددا جدية المجلس السياسي الأعلى في التعامل مع الأزمة، وهو الأمر الذي يبدو أن الولايات المتحدة تسعى بجهد لقطع طريقه بالضجيج المستمر الذي يمضي في تكريس منهج “الابتزاز” الذي لا يقوم على أية حقائق.