مقالات مشابهة

21 سبتمـبر .. المارد يكسر قمقم الوصاية

المشهد اليمني الأول/

21 سبتمـبر ليس من قبيل المصادفة، أن ينبعث الشعب من رماده، وينزل إلى الشوارع، كاسراً حاجز الصمت والخوف، ليخوض معركة مصيره بنفسه، بعد أن حوّل نظام الخيانة الوطن إلى مزرعة خصبة للعمالة والإرهاب والتآمر.. ومارس بحق الشعوب المقهور كل أشكال القمع، والقهر، والترويع، وتحالف عملياً مع القوى الرجعية والاستعمارية، للاستقواء بها ضد شعبها، ومن أجل تأبيد سلطاتها الفاقدة أية شرعية دستورية، أو قانونية، أو شعبية. .

ثورة الـ21 من سبتمـبر هي (سبتمـبر وأكتوبر ونوفمبر) تعني لعامة اليمنيين الكثير كونها خلصتهم من الوصاية الخارجية وحطمت ديكتاتورية وأصنام امبراطورية الفساد، ليشعروا بحرية الانتماء للوطن والحرية. . هكذا هي الشعوب الحرة ترفض الذل والموت.. لم تفقد الأمل في قدرتها على الصمود والمقاومة وعلى الانتصار في نهاية المطاف.

في اليمن.. كان الشعار الأول المتبلور كلياً بالموت لأمريكا وابنتها المدللة الدولة الصهيونية، عبر صرخة انطلقت من حناجر وقبضات الشباب المؤمن.

مثلت الصرخة بداية العمل في مواجهة هذه المشاريع الاستعمارية، وكانت كإعْـلَان موقف من أعداء الأمة، وتهيئهُ للمجتمع ليكون مستعداً لمواجهة الغزاة.. فالقضية أصبحت قضية الشعوب أنفسهم، الجيوش والحكام مهزومون ويعملون للأَمريكان بالترغيب والترهيب، كانت الصرخة مزعجة للسلطة الأوليغارشية، وتفجرت على واقع دويها 6 حروب في صعدة، بهدف القضاء على جماعة أنصار الله.

في 18 يونيو 2004 انطلقت الحرب الأولى بإيعاز أمريكي على دعاة التحرر من الوصاية الاستعمارية.. ومنذ هذا التاريخ كانت الحروب الـ6 (انتهت في 10 سبتمـبر 2010) المصبوغة بالطائفية والمذهبية، والمعروفة بحروب صعدة، تدشن مرحلة أخرى مغايرة من تاريخ اليمن للتحرر من الاستبداد والتدخل السافر البشع لمملكة تجرعت قبل انبلاج الحروب الـ6 الظالمة مرارة الهزيمة على أيدي أبطال الدخان.

لم تكن الثورة وليدة لحظتها.. بل كانت تعود إلى اللحظة التي أطلق فيها مؤسس (أنصار الله) السيد حسين بدر الدين الحوثي، شعار التغيير في جبال مران. ثم توالت الحروب منذ عام 2004، حتى حرب عامي 2009 و2010، التي انتهت بتوسع ملحوظ للحركة في أوساط المجتمع اليمني، ليجد النظام الحاكم نفسه في مأزق أمام التزاماته تجاه الوصاية والمشروع الأميركي في المنطقة.

خيوط المؤامرة

وفرت ثورة فبراير 2011 فرصة لأنصار الله للولوج إلى ساحة جديدة من ساحات النضال، إنها ساحة النضال السلمي التي كانت محرمة ومجرمة عليهم بفعل العدوان العسكري.. فاختلط أنصار الله بمختلف قطاعات المجتمع وتياراته، وتم التعريف أكثر بحقيقة المشروع الفكري والثقافي لأنصار الله الذين كانوا النموذج الأبرز لمظلومية الشعب اليمني بأسره الذي بدأ في رحلة التعرف والتوحد مع مشروع أنصار الله باعتبارهم نواة الثورة الحقيقية ورافعتها.

مع موجة الربيع العربي مطلع 2011، جرى إعادة تشكيل توازن القوى داخل الدول العربية المستهدفة التي وصلت إلى حالات اللااستقرار واللاقوة واللادولة. يمكن القول إن هذا المشهد، أنتج واقعاً جديداً على كل المستويات، وبالقدر الذي أثرت فيه على أداء أجهزة الدولة وأنهكتها، فقد تركت مساحة واسعة للقوى الفاعلة الأخرى كي تكون حاضرة بعد أن استطاعت تأسيس قواعدها والانطلاق نحو الأفق الواسع.

بعد أقل من شهر من انطلاق ثورة فبراير 2011، بدأ وكلاء السعودية بسحب البساط الإسفلتي من تحت أقدام الثوار الشباب، للتسلل إلى ساحتي الثورة الرئيسيتين والسيطرة عليهما بذريعة الحماية.

لتتحول ثورة الشباب بعصا سحرية، إلى أزمة بين شركاء السلطة في الجمهورية اليمنية، وكلاهما من حلفاء السعودية المخلصين ووكلائها الأوفياء.

وإزاء تنامي المد الثوري الحقيقي خارج سيطرة الإخوان، بدأت الدول الإقليمية تقلق وذهبت نحو إقرار المبادرة الخليجية التي هدفت في حقيقتها إلى ملء الفراغ الذي خلفه انقسام النظام على نفسه خوفاً من نفاذ الثورة الشعبية الحقيقية من شرخ الانقسام الحاصل في جسد السلطة المرتهنة بطرفيها..

وفي ظل نظام المبادرة الخليجية وحكومة الوفاق أو ما يسمى سلطة التقاسم والمحاصصة، والتي استمرت زهاء 3 أعوام (تشكلت في نهاية 2011 واستمرت حتى 21 سبتمـبر 2014م)، تدهورت كل مجالات الحياة في اليمن، وبدت الأمور كأنها (تركبت بهذه الطريقة) من أجل الذهاب نحو الأسوأ وليس العكس.

فقد تنامت الاغتيالات في ظل حكومة المبادرة الخليجية، وطالت الكفاءات والشخصيات الوطنية، لاسيما في المجال العسكري والأمني.
وتزايدت الأسعار، وتراجع مستوى الحياة المعيشية للغالبية من المواطنين، والعودة إلى سياسة إقرار الجرع السعرية المفروضة من قبل البنك الدولي بنسب مرتفعة وجائرة، بل وقاتلة للقطاعات الفقيرة ومتوسطة الدخل، يترافق ذلك مع اختلاق وافتعال المزيد من الأزمات المعيشية والاقتصادية والخدماتية، مثل غياب وضرب الكهرباء وانعدام أو إخفاء المشتقات النفطية، في سياق سياسة عقابية مدروسة هدفها كسر إرادة الرفض للفساد، والتي تمثلت في المسيرات الثورية السلمية التي استمرت في عدد من المحافظات منذ العام 2011 حتى انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م.

وفي ظل حكومة المحاصصة, تزايد حجم الفساد الذي أصبح مؤسسياً يلتهم كل مقدرات البلد, وجرى تقاسم المناصب بدءاً بالوظائف الكبيرة نزولاً إلى المستوى الأدنى, وجرى تغييب الشعب وهمومه بشكل كامل عن أجندة شركاء الفساد.

كما توسع تنظيم القاعدة الإرهابي حتى أصبح يسيطر على بعض المحافظات، وفتح السيادة اليمنية لكل أشكال التدخلات الخارجية، حتى أصبح اليمني غريباً في وطنه، مقابل الحرية التامة لأجهزة المخابرات العابرة للحدود لتعمل وترتكب في اليمن بحق المواطنين اليمنيين ما تشاء ومتى تشاء.

ومثلت الحرب التي بدأت من منطقتي دماج وكتاف, صورة واضحة للمحاولات السعودية والأميركية لاحتواء حركة أنصار الله نحو التغيير وقلع الإرهاب من جذوره.

بدأت حرب دماج الأولى عام 2012 بالتزامن مع الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني، وكانت دماج محمية تكفيرية وهابية وسط صعدة، جرت زراعتها في تلك البقعة لإشعال حرب طائفية عبر تعبئة عقائدية دخيلة على المجتمع ممولة سعودياً.

إلا أن الوعي المقابل عزل جماعة دماج لعقود عن البيئة المحيطة, وجرى استخدام هذه الورقة في توقيت كان المخطط يقضي فيه ببدء خلق البلابل شمالي اليمن، حيث معقل أنصار الله، لإلهائهم عن تحركاتهم السياسية التي كفلتها لهم أجواء الحوار الوطني, حينها بدأ معسكر دماج بنصب المتاريس في الجبال، وبدأ يُظهر عناصره بالسلاح.

وسرعان ما خمدت حرب دماج الأولى عبر وساطات وتعهدات والتزامات، لكنها في منتصف عام 2013 عادت من جديد. حينها صار معظم الوسطاء مساندين وداعمين للتكفيريين في دماج، واشتغلت الآلة الإعلامية السعودية على نحو واضح في صفهم، وبالتزامن تحرك حزب الإصلاح وأدواته في شن حرب على صعدة وحصارها من جهة حرض وحوث والجوف، إلى أن خرج مركز آخر للتكفيريين من صحراء كتاف شمال شرق صعدة، احتشد الدعاة السعوديون في نجران لمؤازرته.

وفي نهاية العام 2013م، سقطت كتاف وفر التكفيريون بعد المعركة، ما أدى إلى سقوط دماج منتصف يناير 2014م. ولعل سقوط مركز التكفيريين في كتاف وهروبهم باتجاه الجوف وأم الرياح، خففا كثيراً من أعباء المعركة الحاسمة، وهي في طريقها لإنهاء وجود التكفيريين في المناطق الشمالية، فتمكن المقاتلون من الهجوم باتجاه حرض وقفلة عذر وحوث.

وبرغم الوساطات والضمانات والمناشدات التي أطلقها زعيم (أنصار الله) لآل الأحمر بفتح الطريق وإيقاف الاعتداءات على المسافرين ونهب الشاحنات، إلا أن المرتزق الشهير حسين الأحمر استقدم إلى حوث والعصيمات عناصر من (القاعدة)، في وقت كانت لا تزال فيه دماج وكتاف تقاتلان، الأمر الذي جعله بعد سقوطهما مكشوفاً لا ظهير له من قبائل حاشد ولا حتى من العصيمات. وبعدما كانت راية القاعدة ترفرف في نقاط حوث والعصيمات، انكفأت المجموعات التكفيرية عنها، قبل أن تسقط مشيخة آل الأحمر التي ظلت تحكم عبر حاشد والعصيمات اليمن على امتداده.

حينها، كانت مناطق حرض وعذر وعبس وعاهم وطريق حوث ــ حرض, تتطهر للمرة الأولى من ظلام الموت الذي كان يسيطر على الطريق الدولي المهجور لعقود، ليصبح ممراً آمناً.

ثم جاءت معركة عمران التي كشفت الكثير من الخبايا. فبمجرد أن اشتعل فتيل المعركة بين حشود (أنصار الله) وقوات العميد حميد القشيبي قائد اللواء 310 الذي كان قوامه يتكون من ميليشيا الإخوان المسلمين الإرهابية وأتباع علي محسن وآل الأحمر، ظهرت على السطح مواقف علنية داخلية وخارجية وتحركات دولية, وكان من أبرز المواقف الداخلية موقف حزب الإصلاح، الذي حرك عناصره التكفيرية للسيطرة على أبين جنوباً، مستغلاً ضعف الدولة، وحين تحرك الجيش لقتال مجاميع تنظيم القاعدة في أبين,

وطالب الجيش بترك قتال القاعدة والتفرغ لمواجهة أنصار الله في معركة عمران التي انتهت بسقوط ثالوث المؤامرة والتبعية والإرهاب، كما أشعل حزب الإصلاح جبهة في الجوف، وفي الوقت نفسه تحرك مجلس الأمن والأمم المتحدة، التي أرسلت مندوبها جمال بن عمر وجاء سفراء الـ10 الراعية للمبادرة الخليجية، وصدر قرار من مجلس الأمن ضد أنصار الله.

انفجار بركان الغضب ثورة 21 سبتمـبر

كان 21 سبتمـبر من قبل عامين فصلاً ناصعاً من كتاب الثورة اليمنية على القهر والظلم والتجويع والإفقار والقتل والفساد والتبعية والوصاية الخارجية، فقد كانت الجرعة الشرارة التي فجرت السخط والغضب الكامن في الصدور.

شكلت مسألة اعتماد الأقاليم الـ6، وبشكل غير شرعي، ومحاولة إلصاقها بالحوار الوطني, نتاجاً لمقترح أمريكي سعودي مستتر, سيتطور لاحقاً بعد افتعال فتن وحروب ومشاكل إلى دويلات بأسس جهوية ومذهبية تضمن استمرارية الصراع وتغذيته.

كما كانت هيكلة الجيش تعني إضعافه بطريقتين: الأولى عبر استبعاد كل العناصر الوطنية واستبدالهم بعناصر طائفية وعنصرية أو قريبة من السفارات، بالإضافة إلى بروز عامل الاستهداف المنظم للجيش من قبل ما يسمى تنظيم القاعدة بطريقة مريبة فهم منها الشارع اليمني أنها منظمة ومدروسة هدفها تدمير معنويات الجيش وتصفيته وإفقاده الثقة في نفسه، وبالتالي ثقة الشعب فيه، بمقابل إفساح المجال أمام القاعدة وتضخيمها وإظهار قوتها وبشاعتها تمهيداً بكل تأكيد لإفساح المجال أمامها للقيام بذات الدور الذي تمارسه في سوريا والعراق وليبيا.

أيضاً أمريكا كانت تنظر لليمن من زاوية أخرى: كبلد ذي كثافة سكانية يمكن تحويله عبر الاستثمار المدروس في الفقر والجهل، إلى خزان بشري لإنتاج واستيراد وتصدير العناصر المتطرفة، فعمد الخارج إلى الضغط على نظام صنعاء لإنزال أقسى جرعة سعرية عرفتها اليمن، كان من شأنها أن تحول غالبية اليمنيين إلى ما تحت خط الفقر.

وخلال 3 سنوات، جمعت السعودية السحرة والدجالين من كل مكان، لمساعدتها في حل ما بات يعرف بـ(الأزمة اليمنية) وفقاً لأهدافها هي، وبما يضمن تجنيبها أية نوبات جديدة قادمة من جهة الجنوب, وكان الحل أو العلاج في مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليم.

هلل وكلاء السعودية لوصفة (الأقلمة)، وبدأ إعلامهم يتعامل مع الأقاليم وهي لا تزال خطوطاً وأحرفاً على الورق.. هادي – الذي مُنح صلاحيات مطلقة في لجنة تقسيم الأقاليم – رفع مسودة الدستور عالياً وهو يبتسم، واصفاً إياها بأنها (أهم استحقاق أنجزه اليمنيون).

لقد كان مهندسو التقسيم ورعاته لا يجدون في سيطرة أنصار الله على مناطق ما كانوا يطلقون عليه (إقليم آزال)، قضية تستحق الاستنفار الداخلي أو التدخل الخارجي, باختصار: كانوا يرددون في قرارة أنفسهم: دعوهم يأخذوا حصتهم التي حددناها لهم على الخريطة (إقليم آزال)، وفي حال توقفهم عند تلك الحدود، يكونون قد نفذوا أولى الخطوات العملية لمشروع التقسيم وأهمها بأيديهم.

لم يتوقف أنصار الله عند حدود إقليم آزال، وكان موقفهم واضحاً كما جاء في كلمة السيد عبد الملك الحوثي، بتاريخ 20 يناير 2015، حينما قال: (نريد أن يكون اليمن كله لصنعاء، وأن تكون صنعاء لكل اليمنيين، أن تكون حضرموت لكل اليمنيين، واليمن كله لحضرموت.. أن يكون اليمن كله لعدن ومأرب، وأن تكون مأرب وعدن لكل اليمنيين..).

على الخط الآخر.. كان العميل هادي وحلفاؤه ينتظرون أن يتوقف أنصار الله في حدود إقليم آزال، لكنهم لم يفعلوا، وتجاوزوا (فخ التقسيم)، فوقع خصومهم من جديد في (فخ الوحدة).

لم يكن مشروع الدستور سوى سكين سنها الخارج ليقوم اليمنيون بمهمة تقسيم وطنهم بأنفسهم. فالمادة السادسة من مشروع الدستور تضمن ما سمته: حق الشعب في تقرير مكانته السياسية في مستويات الحكم المختلفة، ويقصد بالشعب هنا، شعب المحافظة أو الولاية، أو شعب الإقليم، كما يقصد بـ(حق تقرير مكانته السياسية) حق تقرير المصير في الوحدة أو الانفصال، أو الانضمام لأي جوار جغرافي.

عملت سلطة هادي وحكومتا باسندوة وبحاح، بدفع من الخارج، على تهيئة الظروف المناسبة لتمرير مخطط التقسيم بهدوء وأمان, وكان إقرار حكومة باسندوة للجرعة القاتلة في أسعار المشتقات النفطية، واحتمال عدم قدرة الحكومة على دفع مرتبات الموظفين ابتداء من 2015 بصورة تهويلية أتت كتمهيد ليتقبل اليمنيون أن يتجرعوا وصفة السحرة بالأقلمة والتقسيم شديدة المرارة، وأن يلتزموا الهدوء والصبر إذا ما أحسوا مبضع الجراح ينخر في جسد الوطن.

كل تلك السياسات التآمرية المدروسة والمنظمة انفجرت في وجه نظام المبادرة الخليجية والسفراء الأجانب في الرابع من شهر أغسطس 2014م حين دعا السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أبناء الشعب اليمني إلى الخروج الثوري الواسع في مختلف المحافظات لتحقيق 3 أهداف رئيسية: أولاً إسقاط الجرعة وإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

بدأت الثورة وتوافد الثوار السلميون من جميع المحافظات إلى داخل العاصمة صنعاء للاعتصام في الساحات والمطالبة بتحقيق أهداف الثورة المشروعة التي تلخصت في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وإلغاء الجرعة وإسقاط الحكومة ورفض الوصاية الخارجية، في حين تكفلت القبائل اليمنية وأنصار الله بحماية المتظاهرين السلميين داخل العاصمة، وتقاطروا من كل حدب وصوب إلى أطراف صنعاء متوجهين بعدة إنذارات للحكومة بعدم الاعتداء على المتظاهرين السلميين داخل العاصمة.

كان الثوار آنذاك يأملون ويرجون من الحكومة وسلطة الأمر الواقع أن يستجيبوا للمطالب الشعبية، إلا أنهم صدموا حين تم الاعتداء على المتظاهرين السلميين وارتكاب مجزرة مروعة بدم بارد أمام مجلس رئاسة الوزراء، وأخرى في خط المطار.. كانت ثورة 21 سبتمـبر تكشف عن نفسها في ذات الوقت الذي تكشف فيه الحكومة عن وجهها الحقيقي الذي اجتهدت في تجميله لقاطني المناطق الآمنة التي لم تصل إليها الحروب في اليمن.

وبنى نظام العميل هادي استراتيجية التصدي لثورة الشارع على القوة المفرطة لفض المتظاهرين السلميين، إلا أن الحكومة كانت غير آبهة، فكانت تمارس سياسة التصالح مع الذات، يدفعها لذلك الهلع الذي أحست به من هبة الشعب اليمني، وشجاعة وثبات المتظاهرين أمام الرصاص الحي, والغازات والقنابل الأمريكية.

كانت الرسالة التي أرادت الحكومة إرسالها للمتظاهرين هي أنها مستعدة لنقل مشاهد الحرب والرصاص والقتل من مناطق الحرب إلى داخل صنعاء وغيرها من المدن، وأنها في سبيل البقاء لا تبالي بقتل كل من يخرج إلى الشارع.

لم تمض هذه الإجراءات التآمرية كثيراً نتيجة لتقدم الثوار إلى العاصمة لإسقاط أوكار الإرهاب والتآمر وإفراغ العاصمة من أوعية التبعية.
ونجح الثوار في تجاوز عقبة التآمر، واستطاعوا دخول العاصمة صنعاء وتأمينها في غضون أيام قليلة.. واستطاعوا تأمين المنشآت الحكومية والبنوك والمرافق العامة عبر لجان شعبية وثورية شكلوها بداية دخولهم صنعاء..

وفي خطوةٍ تصحيحية، أصدر الثوار في 6 فبراير 2015 الإعلان الدستوري, بعدها وبفترة وجيزة فر العميل هادي من العاصمة، وتوجه إلى عدن في 21 فبراير 2015، وأعلن تراجعه عن الاستقالة.

لقد كان 21 سبتمـبر من قبل عامين فصلاً ناصعاً من كتاب الثورة اليمنية على القهر والظلم والتجويع والإفقار والقتل والفساد والتبعية والوصاية الخارجية، فقد كانت الجرعة الشرارة التي فجرت السخط والغضب الكامن في الصدور.

فقبل ثورة 21 سبتمـبر كانت اليمن تعيش حالة من الفقر والمعاناة والفساد الإداري والأخلاقي والتبعية المطلقة, تبع ذلك إعلان الجرعة السعرية على المشتقات النفطية، في حين كان باستطاعة من كانوا يدعون مصلحة اليمن (آل سعود) أن يسدوا عجز الميزانية العامة بمبلغ بسيط لا يتعدى قيمة صواريخ قليلة من آلاف الصواريخ التي يعتدون بها على الشعب اليمني اليوم، ويقصفون بها المصانع والمنشآت والدوائر الحكومية والمباني والمزارع والمحطات والطرقات والجسور.

وفي اللحظة التي هم فيها السحرة بتجريع الوصفة لليمنيين، وقبل أن يستل اليمنيون سكين الدستور، ويبدأوا في تقطيع أوصالهم كالمجاذيب، بزغت شمس الـ21 من سبتمـبر 2014، فكانت كعصاة موسى، لينقلب السحر على الساحر.

فبعد سنوات من المبادرة الخليجية التي مثلت وصاية شبه كاملة، من دول الخليج، وفي مقدمتها جارة السوء السعودية، على اليمن، لازالت أصابع دول الخليج والسعودية تحديدًا تلعب في ما يجري على الأرض من أحداث، خاصة بعد اندلاع ثورة 21 سبتمـبر على صنعاء، واستقالة الرئيس المنتهية صلاحيته, الأمر الذي دفع الدول الرافضة لخروج المارد من قمقمه, نحو تقسيم اليمن وفصل الجزء الجنوبي عن جسده، عبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل (18 آذار/ مارس 2013- 25 كانون الثاني/ يناير 2014).

لقد كان وقع الصدمة على النظام السعودي في هذه المرة أشد وطأة من سابقاتها، وهو يرى أدواته ووكلاءه وسحرته في اليمن يتساقطون كأحجار الدومينو.

وفي حالة من الغضب الهيستيري، قرر النظام السعودي التدخل مباشرة، وبدأ بالحشد والتجييش لفرض وصفة السحرة بالقوة.

بصمات النصر

من خرج بثورة جامحة ضد الظلم والتركيع والعدوان، لن تستطيعَ أَيَّة قوة في الأرض أن تصفي ثورته، وتسلب قراره وسيادته، وتنهب ثرواته.
وقد بات من المؤكد أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، فقد انفتحت سيرورة جديدة، ومارد الشعب حطم قيوده، وخرج من قمقمه، مطالباً بحريته وكرامته، وعاقداً العزم، لأول مرة، على صنع مصيره بيديه، والمضي بأول خطوة نحو النصر.

بعد 18 شهراً من العدوان الهمجي الشامل الذي تقوده السعودية على اليمن، وبمقارنة خطوط المواجهات العسكرية الملتهبة بخطوط خارطة الأقاليم، سيتبين بما لا يدع مجالاً للشك، أن تفكيك اليمن هو الهدف الذي يسعى الخارج بقيادة السعودية إلى تحقيقه، قبل العدوان وبعده.

فمنذ انبعاث شرارة ثورة 21 سبتمـبر المجيدة لم ينجح آل سعود في تحقيق هدفهم باليمن، وغرقوا في الوديان والجبال والصحارى اليمنية!
وأسقط مشروع التفتيت والتدمير والتمزيق أو ما يسمى (الفوضى الخلاقة) التي للأسف جاءت محمولة على ثورة الشباب التي اندلعت في 11 فبراير 2011م، واتضح لاحقاً أن الخارج عبر ركوبه موجة هذه الثورة عازم على تقسيم اليمن إلى عدة أجزاء بوسائل عديدة أبرزها: تغذية الكراهية واستحضار الورقة المذهبية والطائفية.

وأكد صمود الشعب ضد العدوان والحصار, أن ثورة 21 سبتمـبر راسخة، وجذورها قوية، ولا يمكن تصفية ثورة الشعب ونزع قراره وسيادته.
واستطاعت ثورة 21 سبتمـبر القضاء على قوى الإرْهَاب في مختلف محافظات ومناطق الجمهورية، وقضت ثورة 21 سبتمـبر على البؤر الإرْهَابية التي كانت قواعد ينطلق منها الإرْهَابيون لتنفيذ عملياتهم الإرْهَابية في مختلف أرجاء الجمهورية.

ونجحت ثورةُ الـ21 من سبتمـبر 2014م، في تصحيح مسار ثورة 11 فبراير 2011م، بعد أن سرقتها القوى الظلامية العميلة لقوى الاستكبار، والذين قبل بهم شباب الثورة في ثورة 2011م، بل وتمادوا في فسادهم وتنفيذ الأجندة الخارجية في تفتيت الوطن وتمزيقه وتسهيل نهب ثرواته وخيراته للقوى العالمية على رأسها أَمريكا وإسْرَائيْل ومن يدور في فلكهما.

جاءت ثورة 21 سبتمـبر لطي صفحة الوصاية وزمن الارتهان للخارج، وليس لاستبدال وصاية بأخرى، بل جاءت لتعيد للشعب القرار، وتصحح مسارات العمل الوطني، وتعيد صياغة منطلقاته برؤية وطنية تجسدها الوقائع لا الشعارات.

وعطلت الثورة التي تصدرها أنصار الله, عملياً، الوصاية الإقليمية على اليمن عندما تم تجاوز المبادرة الخليجية التي أعادت إنتاج النظام السابق بآلية إشرافية إقليمية ودولية مستدامة (الوصاية) التي جاءت محمولة على قرارات مجلس الأمن وما يسمى الفصل السابع الذي كان الغرض منه حماية نظام المبادرة الخليجية ومعاقبة أية قوة سياسية تقوض هذا النظام الذي يريد الخارج من خلاله وعبره تمزيق اليمن وتجزئته ونشر الفوضى والحروب فيه.

كما نجحت ثورة الـ21 من سبتمـبر في تعرية القوى السياسية الحاكمة لليمن، والتي تدّعي معارضتها للحكم، وفضحت الأَسَاليْب والتصرفات التي كانت تعملها القوى السياسية خدمة للمشروع الخارجي وضد أَبْنَاء الشعب اليمني، والتي كانت تهدف إلى تمزيق الوطن وتفتيته، لكي يتسنى للقوى الخارجية نهب ثرواته بكل أريحية.

وأثبتت أن اليمن ليست مضيقاً فقط.. اليمن شعب عريق، وإذا استعاد إرادته سيمثل كتلة بشرية وثروة طبيعية ومساحة جغرافية كبيرة ومهمة تضيف الشيء الكثير إلى قضايا الأمة ونضالات شعوبها..

وجعل تماسك ثورة الـ21 من سبتمـبر ، والالتفاف الشعبي الكبير وتكاتف مختلف شرائح المجتمع اليمني حولها، الثورة تمضي في خطى قوية للقضاء على الفساد وتحقيق الأمن والازدهار، وهو ما لم تستسغه دول العدوان الداعمة للإرْهَاب، والتي سعت منذ عقود لتمزيق اللحمة الوطنية وتفتيت الوطن وتمزيقه، إلى التدخل المباشر ومحاولة تصفية الثورة عسكرياً بعد فشلها في تصفيتها عبر الطرق والوسائل السياسية والاقتصادية.

كان سبتمبر فرصة جيدة في كشف حقيقة النزعة السعودية الحاقدة الإجرامية المتسلطة على اليمن، وفي نسف ادعاءات أذنابهم بالحرية، والذين من خلالهم استطاع آل سعود أن يحشدوا أراذل الجيوش للقضاء على الثورة اليمنية، في عدوان ظالم جائر وحشي دموي، مستعينين بحالة غياب الوعي، وشيوع الجهل الذي خلّفته بؤر الفساد والعمالة والخيانة والارتهان والذل.

وأثبت العدوان الغاشم على اليمن أنه ضد ثورة سبتمـبر شعب أعلن من خلالها التحرر من الوصاية والهيمنة، ورميها في مزبلة الهزيمة، وإحياء الرسالة الوطنية, إضافة إلى إحياء إرادة الأمة وروح الجهاد والإباء والشموخ والاعتزاز بالانتماء والهوية لدى أبناء اليمن.

واستطاع الشعب اليمني وثوار 21 سبتمـبر الصمود بأسطورية أمام أبشع عدوان في العالم منذ أَكثر من عام ونصف عام، محافظاً على مؤسسات الدولة ومنشآتها، وكذا استمرار عمل هذه المنشآت، ودفع رواتب الدولة في القطاعين المدني والعسكري، الأمر الذي أكد للعالم أن ثورة الـ21 من سبتمبر ثورة شعبية قام بها جميع أَبْنَاء الشعب اليمني بمختلف شرائحه.
________-
صحيفة لاميديا