مقالات مشابهة

الهدم والتهجير القسري أسلوب السعودية لـ”تحديث البلاد”!

المشهد اليمني الأول/

تخيّل أن تعود يوماً إلى منزلك فتراهُ تحوّل لأكوامٍ من الحجارة، لأن سلطات البلاد قرّرت فجأة أن تنفذ خططاً تنموية جديدة في الحي الذي تسكنه. ولكن منزلك كان عائقاً أمام هذا التقدّم المباغت، لذا أزالته، فبقيت وعائلتك في العراء. هكذا وبكل هذه البساطة، تمارس “السعودية” إرهاباً سلطوياً يقضي بتشريد عائلات بأكملها تحت ذرائع غير مبررة.

في العودة للعام 2017، شنّت السلطات السعودية حملة عسكرية كاملة ضد أهالي العوامية. فعلى مدى 90 يوماً، فرضت على البلدة حصاراً أمنياً مطبقاً، فيما واصلت المدافع الثقيلة والدبابات توجيه ضرباتها نحو الأبنية السكنية، ما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين نتيجة القصف العشوائي. وبحسب تقرير صادر عن مقررين مختصين بالثقافة وحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تبيّن أن “السعودية”

أقدمت على هدم حي المسورة الأثري وتهجير قسري وهدم منازل وأحياء، ما أدى إلى فرار أغلب سكان المدينة جراء استخدام المدفعيات وقذائف الآر بي جي على نطاق واسع في عدد من الأحياء السكنية. وهي أعمال وصفها المقررين بأنها انتهاكات صارخة لحقوق المدنيين. ما حصل في العوامية عام 2017، تحوّل إلى سياسة راسخة في سلوك السلطات السعودية للإنتقام من أهالي الشرقية بذريعة “تطوير المناطق السكنية للتقليل من المخاطر الإقتصادية والإجتماعية والأمنية التي تشكلها”.

فوفقاً لمصادر أهلية، بعدما انتهت السلطات من هدم حي المسورة التاريخية، أقدمت في أغسطس/ آب 2018 على سلب أكثر من 488 عقاراً بالإكراه في العوامية، فتعرضت مئات العائلات للتهجير القسري والتشرّد. سلطات الرياض استكملت مخططاتها التي تصب في دائرة الإنتقام من أهالي الشرقية على خلفية الحراك السلمي الذي شهدته المنطقة مطلع عام 2011. إذ أطلقت السلطات السعودية هذا العام مشروعاً مماثلاً في العوامية، يستهدف نزع ملكية 91 عقاراً، بحجة توسعة الطريق، إلا أنه بحسب مصادر أهلية، يهدف إلى “إحداث تغيير ديمغرافي في البلدة، باستهداف أكثر المناطق كثافة سكانية في البلدة”.

في 12 فبراير 2020، اتجهت معاول النظام السعودي نحو إزالة محال تجارية في مدينة صفوى، وشرعت في تدميرها على مرأى من أعين أصحابها، الذين لم يكن لهم أي حيلة لردع هذا السلوك الإجرامي، فراحوا يراقبون تدمير مصدر رزقهم بصمت. عملية أخرى شنتها قوا الطوارئ وقوات المهمات الخاصة استهدفت بلدتي القديح ويط القطيف.

وقد استهدفت المزراع وبساتين النخيل وحطمت المباني والسيارات وجرّفت مساحات شاسعة من الحقول المزروعة والمملوكة لفقراء الفلاحين ومن دون سابق إنذار أو أسباب ومبرارات، في 1 ديسمبر 2020.

آخر اعتداءات السلطات السعودية على القطيف، حدثت في 25 أكتوبر الحالي، حيث أقدمت آليات النظام السعودي على إزالة منازل بلدة البحاري في القطيف، وتهجير أهلها قسرياً وبالإكراه عبر انتزاع ملكية أراضيهم تحت ذريعة التنمية والتطوير التي لا تمت للواقع بصلة. أكبر دلالات الإدعاءات السعودية حول خلفيات الهدم في القطيف، يتمثّل في ترويج إعلام النظام السعودي لتقديم تعويضات للأهالي الذين تعرضت أملاكهم للهدم.

ولكن مصادر أهلية تؤكد أن السلطات نزعت ملكية حوالي 1100 عقار منذ عام 2017 حتى عام 2020 مقابل مبالغ مالية زهيدة جداً لا تتساوى مع ثمن العقارات الأصلية ولا تسمح للمواطن بشراء عقار مماثل، فيما حُرم كثيرين من التعويضات. توازياً يعاني أهالي المناطق الواقعة في محيط مشروع “نيوم” الذي أطلقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عام 2017، من انتهاكات مماثلة، حيث يتعرضون لهدم منازلهم ومحالهم التجارية، لتنفيذ المشروع.

وكعادتها أوجدت السلطات ذرائع لتبرير هذا الهدم غير المبرر، منها إلغاء ملكيات المنازل الخاصة بأصحابها والتشكيك في أصول الشراء والبيع. السلطات السعودية أزالت بالفعل عشرات العقارات التي تقع ضمن إطار المشروع، منها منازل واستراحات في منطقتي علقان وثرم الواقعتين على حدود منطقة “نيوم” وتبعدان مسافة 100 كم عن قرية الخريبة.

في حين أن المشروع يستهدف إجلاء 30 ألف شخص، بدأت السلطات بتنفيذه على مرحلتين، حيث تتمثل المرحلة الأولى في مناطق: (قيال، العصيلة، شرما، الخريبة) جنوباً، والثانية (البدع، مقنا، المويلح) شمالاً.

يرافق عمليات السطو على العقارات والأحياء، تهديدات بالسجن والإعتقال لكل من يتردد في الموافقة على مشروع، ما يجعل الأهالي يرضخون للأمر الواقع ويوافقون على مضض. ولكن ذلك لا يمنع من نشوب حالة من الغضب والإحتقان بين المواطنين الفقراء الذين أقدمت سلطات آل سعود على ضربهم واعتقالهم.

فيما تصاعدت حدة الغضب والسخط بين أفراد العائلات الذين يواجهون سياسات سلطات آل سعود وهدم ممتلكاتهم وبنايتهم السكنية، عدا عن سلسلة الضرائب التي تفرضها بحقهم. المشكلة في مثل هذه السلوكيات، أن النظام السعودي يتعامل مع المواطنين بمنطق العصابات والسطو المسلح لا بمنطق القانون والحقوق المدنية.

وبالتالي، لا يجد لنفسه رادعاً يمنعه من ارتكاب جرائم سافرة بهذا الشكل لتدمير أحياء سكنية بكاملها وتشريد أهلها. ولا يجد حياءً في إيجاد مبررات أشد سوءً من الجرائم نفسها، للإدعاء بأن ما يقوم به هو لصالح السكان ولأجل تنفيذ مخططات تنموية.