مقالات مشابهة

لا استرجاع للدولة ولا حماية للوطن.. ما لم يخرج شعبنا الأردني من لعبة الفساد ويُخاطب المسار السياسي المُدمِّر ويُفشله..

المشهد اليمني الأول/

نستطيع القول بأن تردي الحالة المعيشية والاقتصادية وتفشي البطالة وفشل النظام بعمل شيء للمواطن هو ما جعل الشعب ينجذب للتركيز على ملفات الفساد بعيداً عن مشكلته الحقيقية التي يقع الفساد في إطارها ونتيجة لها.

ومن أسف القول أنه لو كان لدى المواطنين ما يكفيهم لسد حاجاتهم المعيشية وخدماتهم الأساسية لما فعلوا ذلك بلا حساب، ولما أصبح هذا الفساد عنوانا مُضللاً لأزمة الأردنيين وللحراكات ولكفاح الصالونات والإعلام الموجه، ولا مادة للإستغلال والإستخدام تُطرح بعيداً عن خلفيتها السياسية.

حتى أصبح الفساد وحده يطرح كقضية للأردن والأردنيين، ومن فخر القول أن جيل النكبة كان يجوع جَوعاً ويموت ولا يقايض بالمبادئ.

بينما الحقيقة أن الفساد عندنا بنوعيته وبطبيعته العميقة وحجمه الكبير ومنزلة مرتكبيه والإصرار على استمراره وترافقه مع تحولات سياسية داخلية وخارجية عميقة، وصمت الدول المانحة عنه، لا يعني بأقل من أنه عمل هادف وجزء من مخطط سياسي يتجاوز الحدود ويستهدف كيان الدولة وتراب الوطن ومواطنية إنسانه.

فهذا النوع من الفساد وسيلة مُحْكَمة لهدم الدولة وتصفيتها وفك ارتباط شعبها بها.. والمهم أنه بإصرارنا على مواجهته كظاهرة مجردة، فإنما نعزله عن سياقه وعن أصوله السياسية ونَفشل في مواجهته ونُسهم في تمرير المخطط السياسي.

فهذا النوع من الفساد لم يُصنع في الأردن بمعزل عن سياقه السياسي، ونحن واهمون ومخدوعون إذا اعتقدنا بأنه قضية جادة للنظام أو أن النظام في وضع يُمَكنه من إنهائه.

لقد تحول الفساد في الأردن إلى لعبة خطيرة بين الشعب والنظام. ننجر اليها كلما (دق الكوز بالجرة) أو كان هناك حدث. واستطاعت اللعبة أن تغطي على الحقيقة. فمشكلتنا سياسية والفساد من أدواتها ومتطلباتها الرئيسية.

ولا يمكن ولا يعقل أن تواجه المشاكل بأدواتها ومظاهرها، وهذا ليس فقط لأنه لا يجتثها بل لأن المطلوب هو التعمية وصرف وقتنا وجهدنا كمواطنين في الإتجاه الخاطئ. ولذلك نجد نظامنا بحكوماته يتعاطى معنا في اللعبة ويشعرنا بين الفينة والأخرى بانتصارنا لنستمر باللعبة من خلال اجراءاته الشكلية في ملاحقة بعض الفاسدين مع العلم أنه لا يصطاد منهم إلا لتصفية حساب سياسي أو مالي، ويمرر على ظهر ذلك مكاره باطلة كالبطش في مؤسسات وطنية نظيفة لتصفيتها في سياق تصفية القطاع الوطني الخاص، والصوت الحر.

حان لنا كشعب أن ندرك بأنه ما كان لهذا الفساد أن يكون بهذا الحجم والنوع في دولة بوضع الأردن الاقتصادي والسياسي، ولا للنظام أن يستجلب لهذا الوضع حكومات هابطة النضوج السياسي والمهني والوطني، وأن يَعجز ويصبح جزءاً منه، ولا للدول المانحة أن تسكت، لو لم يكن هذا الفساد في خدمة مخطط سياسي يلتقي مع المشروع الصهيوني في فلسطين والأردن.

وعلى الواعين والمخلصين من رجال هذا الوطن أن لا يجرعوا التمويه والتضليل وأن يتوقفوا عن الانخراط بلعبة الفساد بتفاصيلها واتهاماتها وأسمائها وأن يدفعوا باتجاه الخطاب السياسي الواعي من باب أن مرد الفساد وكل ما تعاني منه الدولة وشعبها من فشل وتفكيك اداري واجتماعي واقتصادي ومؤسساتي هو مرتبط مباشرة بالمشروع الصهيوني ووصوله للأردن. وما لم نخاطب هذا المشروع ونواجهه فسنفشل وسنخسر كل شيء. وإن كنا نريد وقف الفساد واسترجاع الدولة وحماية الوطن فعلينا أن نُفشل المسار السياسي الخاطئ أولاً.

لست ضد نبش ملفات الفساد مع انه نهج حكم. ولكن ضد أن ينجر الشعب للعبة الفساد التي تكتمل باستخدام بعضنا لملفاته استخداماً خاطئاً بقصد أو دون قصد، فمن ينبش أو يستخدم ملفاته ثلاثة أنواع من الأشخاص، الأول ممن هم على رأس عملهم وهؤلاء يفعلون ذلك لأسبابهم منها غيرتهم الوطنية.

وأمّا النوع الثاني، فمن المسؤولين السابقين ومنهم المخلصون الذين لا يعرفون خطورة اختصار تركيزهم على فعل الفساد وأشخاصه دون وضعه في إطاره السياسي الأعمق، ومنهم من يستخدمون ملفاته في معارك لهم خاصة مع الدولة استحثاثا لرتابة عملية التدوير عندما لا تشملهم.

النوع الثالث هم الأشخاص من أصحاب المعرفة والخبرة نجدهم يطرحون ملفات الفساد على أنها جهل من المسئولين ونقص في خبراتهم. فهم يقدمون أنفسهم للشعب كمنقذين وطننين بينما هم وصوليون تتلقفهم الدولة بمنصب وتعريهم وتكسب ثقة الشعب على ظهورهم.

مُشكلتنا كأردن وأردنيين لا تبدأ ولا تنتهي بالفساد. مشكلتنا لها جذور تمتد وتعود لهدف وشروط إقامة الدولة، وعلينا أن ننتبه بأنها مختلفة في عمقها وشكلها عن مشاكل الأقطار العربية وشعوبها من حيث أن الأردن هو المستهدف الوحيد بترابه الوطني بوعد بلفور.

فما نسميه بالقضية الفلسطينية هي نفسها القضية الأردنية من البداية للنهاية. وهي قضية احتلال وإلغاء للهوية الوطنية، أما للأقطار العربية فهي قضية إخضاع سياسي واقتصادي وعسكري وثقافي وسيادي، وهذا لقناعة العدو بأن فلسطين أرضاً وشعباً ومقدسات جزء عضوي من الوطن العربي وشعبه وبأن احتلال فلسطين هو احتلال لخط الدفاع الأول عن الوطن العربي وأن هذا الاحتلال لن يستقر له ( للعدو ) وهناك قطر عربي واحد مستقل أو قوي أو بخير.

لن يكون هناك مخرج لأحد منّا في الأردن ولا وطن ما لم يلتق حكماءٌ من مثقفي مكونات هذا القطر على كلمتي “الوطن والمواطنة” ويعيدوا بناء هذا الشعب على قاعدة وحدة القضية والإنتماء، وبخطاب سياسي خالص. وحينها سيفرض نفسه على النظام ومن يستقوي به النظام.

أما الحالة الفلسطينية اليوم فليس لها سابقة في تاريخ القضية، ولن يكون للفلسطيني في فلسطين والشتات ولا لقضيته مخرج ما لم يقتنع بأن من يمثله في رام الله جسم طفيلي يعيش في داخل معدة الكيان الصهيوني يقتات منها، ويجر الشعب الفلسطيني ليعيش فيها ويقتات، ولن يلفظ الكيان الصهيوني هذا الطفيلي مالم يقضي وطره منه.

ولن يكون هذا إلّا في مرحلة يعض الفلسطيني فيها على يديه. ولن تفيد القناعة ما لم يتبعها عملٌ يجتث هذا الجسم ويَصنَع البديل الذي يوحد الشعب الفلسطيني على مفهوم مقاومة الإحتلال. وعندها فقط ستنقلب الموازين السياسية الدولية لصالح القضية، وتتغير الموازين على الأرض الفلسطينية والعربية.

وفي الختام أمامي في المجمل نقطتين، الأولى هي أن المعيار الحقيقي لصدق وجدية ووطنية النخبوي منا أو الناقد لما يجري ولسياسة الدولة بشكل عام معارضا كان أو موالياً، هو نقد سياسة الملك بصفته صاحب القرار، وكل نقد أو انتقاد لمجالس النواب وللحكومات بمعزل عن نقد الملك هو بالتأكيد نقد فيه عوار، فإن خلا من الجهل فلا يخلو من الوصولية ليصبح بنكهة الخيانة للوطن وللملك نفسة.

لا أخلي أحداً من المسئولية لكن الأصل أن يتحملها صاحب القرار قبل المأجور منفذ القرار، أما الثانية، فإن عملية الإصلاح الحقيقي والتغيير المنشود ستبقى مستعصية ونبقى وتبقى الدولة في مهب الريح الصهيونية ما لم يبدأ النظام بنفسه وبتموضعه السياسي، ولا عذر له أمام وطن ذبيح وشعب منكوب وقيم تستباح، وبغير ذلك فالكرة بملعب الشعب. فإن لم ينهض فليتوقف عن النحيب، ولترحل أو تتقاعد نخبه.

__________
فؤاد البطاينة
كاتب وباحث عربي