مقالات مشابهة

حل الدولتين يجب أن يسبِق التطبيع ولن يوفر ورقة التوت للمطبعين.. لماذا يحرِص الكيان الصهيوني على التواجد على الحدود الجزائرية والإيرانية وفي قلب الاتحاد المغاربي؟ الجزائر بعد ليبيا؟

المشهد اليمني الأول/

القاسم المُشترك بين مُعظم الحُكومات العربيّة سواءً التي وقّعت اتفاقات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أو التي تنتظر في الطّابور دورها، وتساوم وراء الكواليس عن الثّمن السياسي والاقتصادي الذي يُمكن أن تحصل عليه قبل الانخِراط في هذه المسيرة “الخِيانيّة”، القاسم المُشترك هو استِمرارها في الادّعاء بأنّها ما زالت مُلتزمةً بدعم القضيّة والشّعب الفِلسطيني ومُبادرة السّلام العربيّة.

هذا الادّعاء هو قمّة الكذب والتّضليل، فاتّفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي لم يُؤدّ إلى وقف عمليّة الضّم وإنّما إلى تغوّل الاستِيطان، وتعمّق التطبيع بين الجانبين بصُورةٍ استفزازيّة، والشّيء نفسه يُقال عن “السّلام” البحريني الإسرائيلي، والسّوداني الإسرائيلي أيضًا.

العاهل المغربي الملك محمد السادس، وبعد إعلان الرئيس دونالد ترامب في “تغريدة”، مجرّد تغريدة، عن اتّفاق التطبيع المغربي الإسرائيلي التطبيعي، بادر بالاتّصال بالرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لكيّ يُبلغه بأنّ بلاده مُلتزمة بحل الدولتين، ولم نسمع تعليقًا من الأخير، أيّ عبّاس، الذي ربّما فُوجِئ أكثر بالاتّصال “النّادر” وغير المسبوق، أكثر من مُفاجأته بالالتِزام بحل الدولتين الذي انقرض كُلِّيًّا ولم يَعُد يُوجد له أيّ أثر لدى الكثير من الحُكومات العربيّة.

ربّما تُحاول الحُكومات المُطبّعة إيجاد الأعذار ورسم صورة ورديّة لتسويق هذا التّطبيع لشُعوبها من خلال المُبالغة في إبراز مزاياه وفوائده، والانتِصار الكبير الذي حقّقته منظوماتها الدبلوماسيّة، ولكنّ الحقيقة مُغايرة لذلك تمامًا، فهذه الخطوات التطبيعيّة قد يكون لها نتائج عكسيّة خطيرة جدًّا على أمن هذه الدول واستِقرارها، من حيث إحداث انقِسامات وصراعات داخليّة إن آجِلًا أو عاجلًا، وربّما حُروب بينيّة في مُحيطها الإقليمي، لأنّ هذا التطبيع سيُقدّم الذّخيرة الأقوى التي تنتظرها جماعات وأحزاب وطنيّة ساخطة على الحُكومات بفِعل الفساد والانهِيار الاقتصادي، وتفاقم مُعدّلات الفقر، علاوةً على الدوافع الدينيّة والقوميّة وحتى الإنسانيّة والأخلاقيّة التي تُشكّل رُكنًا أساسيًّا في برامِجها ومواثيقِها.

من يهرولون نحو التطبيع ويختلقون الأعذار ينسون، أو بالأحرى يتناسون، حالة الغضب التي سادت مُعظم أنحاء العالم الإسلامي ردًّا على تأييد إيمانويل ماكرون نشر رسومات كرتونيّة مُسيئة للرسول وقبلها انتِفاضات الربيع العربي التي جرى سرقتها وحرفها عن أهدافها الوطنيّة من قبل أمريكا وحُلفائها، فكيف سيكون الحال عندما يتعلّق الأمر بدعم الاحتِلال الإسرائيلي لفِلسطين ومُقدّساتها، والتخلّي عن تحرير أقصاها؟

الرئيس ترامب الذي احتفلت الحُكومة المغربيّة باعتِرافه “المشروط” بسِيادتها على “الصّحراء الغربيّة” ولم يقل “المغربيّة”، سيُغادر السّلطة والبيت الأبيض بعد بضعة أسابيع، فماذا يُفيد اعتِرافه المشروط بالمُفاوضات مع البوليساريو، وهل ستتفاوض الأخيرة على حُكمٍ ذاتيّ؟ وماذا ستُفيد الثّلاثة مِليارات دولار التي وعد ترامب الرّاحل باستِثمارها في المغرب كثمن لفتح أراضيه ومطاراته ومُدنه للغزو الصّهيوني إذا ما أدّى هذا “الوعد الترامبي” بانفِجار الحرب على الجارة الجزائر، أو عادت حركة البوليساريو لحمل السّلاح وغرقت البِلاد في حربِ استِنزافٍ بلا قاع؟

السيّد عبد العزيز جراد رئيس وزراء الجزائر كان واضِحًا في الخِطاب الذي ألقاه أمس بمُناسبة إحياء الذكرى الـ60 لتظاهرات 11 كانون الثاني (ديسمبر) 1960 للمُطالبة باستِقلال الجزائر عندما قال “الجزائر مُستهدفة، وأنّ هُناك قضايا خطيرة في مُحيطنا الجهوي تُريد ضرب استِقرار المنطقة”، مُضيفًا في إشارةٍ إلى التّطبيع المغربي الإسرائيلي “هُناك إرادة أجنبيّة حقيقيّة اليوم لوصول الكيان الصهيوني قُرب حُدودنا، ويتعيّن على الطّبقة السياسيّة العمل على استِقرار البِلاد” مُؤكّدًا “أنّ الشّعب الجزائري يُريد الوحدة والاستِقرار والحُريّة انطِلاقًا من احترام ثوابتنا الدينيّة”.

هذا الخِطاب الذي يأتي كأوّل ردّ فِعل جزائري رسميّ، وعلى لِسان الرجل الثاني في الدولة (الرئيس عبد المجيد تبون في الخارج يتعافى من أزمة صحيّة) على اتّفاق التّطبيع المغربي الإسرائيلي للجبهة الداخليّة الجزائريّة ضدّه، وما يُمكِن أن يترتّب عليه من تَبِعاتٍ خطيرة على الجزائر وأمنها في ما هو قادمٌ من أيّام.

أوّل مُؤشّرات الاستِهداف الذي تُواجِه الجزائر هو وصول الكيان الصهيوني إلى حُدودها مثلما أكّد السيّد جراد صراحةً في خِطابه، أيّ انطِلاقًا من الجِوار المغربي، الذي يعتبره، حسب تفسيرات عديدة خطًّا أحمر، بِما لا يُمكن السّكوت عنه، وهذا ما نستنتجه من قراءةٍ أوّليّة للخِطاب.

اتّفاقات التطبيع الإسرائيلي مع الإمارات والبحرين وربّما دول خليجيّة أخرى لاحقًا يضع الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة الإسرائيليّة على طُول السّاحل الغربي من الخليج في مُواجهة إيران، والتّطبيع المغربي الإسرائيلي يُؤسّس تواجدًا لها على الحُدود الغربيّة والجنوبيّة الجزائريّة، وما يجمع بين إيران والجزائر هو رفض حُكومتيّ البلدين لأيّ تطبيع مع الإسرائيليين والوقوف في خندق المُمانعة.

لا نتمنّى حُروبًا تُؤدّي إلى زعزعة استِقرار دول الاتّحاد المغاربي، ولكنّ المُخطّط الإسرائيلي المدعوم أمريكيًّا، ومن رئيس أهوج يكن كُرهًا عميقًا للعرب والمُسلمين، ويضرب يمينًا وشِمالًا مثل النّمر الجريح، يبدو بدأ تحقيق بعض النّجاح باختِراقه للمِنطقة، ووضع قدمه بشَكلٍ شرعيّ عبر اتّفاق التّطبيع مع المغرب.

ويجب أنّ لا ننسى أنّ من وقف خلف تدمير ليبيا عبر تدخّل حِلف الناتو، هو نيكولا ساركوزي الصّهيوني العريق، وتابعه الفيلسوف الفرنسي الأكثر صهيونيّة برنارد هنري ليفي، الذي قال إنّه حرّض على تدخّل فرنسا وحلف الناتو في ليبيا، خدمةً لإسرائيل وانطِلاقًا من قناعاته اليهوديّة، وهذا مُثبَتٌ في مُذكّراته.

إذا كان المُطبّعون يُراهنون على الحِماية الإسرائيليّة، والمِليارات الأمريكيّة فهم واهِمُون، فإسرائيل لا تستطيع حِماية نفسها من صواريخ قطاع غزّة، ناهِيك عن جنوب لبنان، واليمن، وطِهران، وسورية، مُضافًا إلى ذلك أنّ مِليارات أمريكا لا تقود إلا إلى الفساد والانهِيار الاقتِصادي والديون الخارجيّة والتّبعيّة.

نحن نُراهن على الشّعب المغربي الأصيل الذي تحتل فِلسطين مكانةً عُظمى في ضميره وقناعاته الوطنيّة الرّاسخة مثلما نُراهن أيضًا على القِوى السياسيّة المغربيّة بألوان طيفها الأيديولوجي والعقائدي كافّة التي سارعت إلى مُعارضة اتّفاق التطبيع واعتبرته “أُمّ الكبائر”، ونَجزِم أنّ رِهاننا هذا على حصانٍ قويّ رابح سيكون له الفوز في نِهاية المطاف.. والأيّام بيننا.
________
عبد الاري عطوان