مقالات مشابهة

قرارت ترامب الرئاسية.. غسل تأريخ الصهيونية ومحو سجلها الإجرامي الطويل

لم يكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مخطئا حين وصف اليهود الأمريكيين الذين صوتوا لخصمه الديمقراطي جو بايدن، الذي بات اليوم رسميا رئيس الولايات المتحدة، بأنهم “معدومي الولاء”. فصدمة ترامب نابعة من كونه يرى نفسه صاحب أكبر خدمات تحصلت عليها إسرائيل عبر تاريخها، أكثر مما منحهم إياه هرتزل، وبلفور، وأي صهيوني آخر عبر التاريخ.

لكن الذي لم يكن ترامب محقا فيه، هو صدمته نفسها من “غدر” اليهود به، إذ إن الأمر لم يكن يحتاج تصويتا رئاسيا عابرا للقارات لكي يكتشف “أحدهم” أن اليهود لا أمان لهم، وأنهم ردوا “الجميل” لترامب، بأسوأ من جزاء سنمار، والتفوا عليه طمعا في خدمات أكثر حرارة من المندوب الأمريكي الجديد.

ومع ذلك، فإن بصمة دونالد ترامب في دعم اليهود، والصهيونية العالمية، لا يمكن إنكارها، وليس أقلها سلسلة الاعترافات بضم إسرائيل للأراضي المحتلة رغم أنف الأمم المتحدة، ولا تسمية القدس عاصمة لإسرائيل، ولا حتى “ماسورة التطبيع” التي انفجرت خلال الأشهر الماضية في المنطقة العربية.

لكن جانبا أكثر خفية من “خدمات” ترامب للصهيونية العالمية، يكمن فيما يمكن تسمية “غسل” تاريخ الصهاينة القذر في الولايات المتحدة، ومحو سجلها الإجرامي الطويل، وذلك عبر سلسلة من قرارات العفو والإعفاء عن مدانين يهود صهاينة، يكتب لهم بها صفحة بيضاء ناصعة غير ملوثة بجرائمها في حق البلاد.

القائمة الأكبر

أكبر قوائم العفو عن شخصيات يهودية أصدرها ترامب لم تكن مفاجئة في عدد الأسماء اليهودية الواردة فيها وحسب، بل أيضا في كانت مثيرة للتوقف في توقيتها الحرج، إذ شملت عفوا كاملا عن 73 شخصا وتخفيف الأحكام على 70 آخرين، وصدرت في الساعات الأخيرة من ولايته يوم الأربعاء الماضي.

أبرز الأسماء التي تضمنتها القائمة كان كبير استراتيجيي ترامب السابق ستيف بانون، بالإضافة إلى أفيام سيلاع، الطيار البارز في سلاح الجو الإسرائيلي، الذي جند وشغل الجاسوس جوناثان بولارد، الذي بدأ حياته العسكرية كطيار مقاتل شارك في هجوم عام 1981 على مفاعل صدام حسين النووي، ثم انتقل للعمل في وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في أوائل الثمانينيات وحصل على بعض الوثائق السرية.

وصرح البيت الأبيض إن طلب العفو الذي قدمه سيلاع حظي بدعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والسفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة رون ديرمر، السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، وميريام أديلسون، زوجة المانح المحافظ شيلدون أديلسون الذي توفي الأسبوع الماضي.

وأضاف البيت الأبيض، “لقد أصدرت دولة إسرائيل اعتذارا كاملا لا لبس فيه، وطلبت العفو من أجل إغلاق هذا الفصل المؤسف في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية”. وسُمح لبولارد، الذي أطلق سراحه من السجن في عام 2015، مؤخرا بالانتقال إلى إسرائيل بعد عدم تجديد وزارة العدل الأمريكية قيود الإفراج المشروط.

ما وراء الكواليس

تقرير نشرته صحيفة The New York Times الأمريكية كشف أنَّ منظمة يهودية -تحمل صفة غير ربحية- أسهمت بدور كبير في قرارات العفو وتخفيف الأحكام القضائية التي اتخذها ترامب قبيل رحيله عن منصبه، والتي تمثلت آخرها في قائمة مطولة اعتمدها قبل 4 ساعات فقط من مغادرته البيت الأبيض، مما يشير إلى “إلحاح” هذا الملف وضرورته.

تؤكد الصحيفة أن منظمة The Aleph Institute، التابعة لحركة “حباد” اليهودية، قد ضغطت لصالح 24 عفواً رئاسياً على الأقل أصدرها ترامب، بما في ذلك 3 قوائم مطولة أعلنها ترامب في ديسمبر من العام الماضي.

وبحسب موقع Middle East Eye البريطاني، فإن بيان البيت الأبيض، قد شمل ذكر منظمة The Aleph Institute صراحةً عند إعلان تخفيف الحكم الصادر بحق دانيلا غوسيز-فاغنر، وهي أم عزباء حُكِم عليها بالحبس 20 عاماً في 2017 على خلفية جرائم احتيال تتعلق بالرعاية الصحية.

يشير الموقع إلى أنَّ Aleph ضغطت أيضاً من أجل العفو الرئاسي عن فيليب إسفورمس، الذي لُقِّب سابقاً بـ”ملك تزوير المساعدات الطبية”، وأُدين في قضية احتيال بقيمة 1.4 مليار دولار. أما الصحيفة الأمريكية فقد أكدت أنه عقب صدور لائحة اتهام رسمية بحقه في 2016، تبرعت عائلة إسفورمس بمبلغ 65 ألف دولار للمنظمة اليهودية خلال سنوات قليلة.

وأوضحت The New York Times أنَّ المنظمة “كان لها دور بارز” في طلب العفو عن إسفورمس، وذلك نقلاً عن آلان ديرشوفتز، المحامي المقرب من إدارة دونالد ترامب والمتطوع في منظمة Aleph.

وصرَّح المحامي ديرشوفتز للصحيفة بأنَّ “مكتب مستشار البيت الأبيض يعتمد بقوة على مصداقية Aleph، وهو ما أثبتت مراراً أنها تتمتع به”، حيث أضاف: “هي قوة كبيرة جداً في تحريك تخفيف الأحكام القضائية”. كما عينت The Aleph Institute بريت تولمان، المحامي الأمريكي السابق الذي ساعد كبير مستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنر في تحركات إدارة دونالد ترامب لإصلاح العدالة الجنائية.

واستشهد البيت الأبيض بتولمان تحديداً، في الإشارة إلى العفو عن تشارلز كوشنر، والد جاريد، وهو مطور عقاري أقر بارتكاب تهرب ضريبي وتقديم تبرعات غير قانونية للحملة الانتخابية. وعمل ديرشوفيتز أيضاً مع غاري أبفيل، المحامي الذي يعمل على أساس تطوعي مع The Aleph Institute، في حملة العفو الخاصة بإسفورمس. وكان المحاميان أيضاً من أعضاء جماعات الضغط المُسجَّلين لصالح الملياردير الإسرائيلي دان جيرتلر، الذي عوقب في عام 2017 بسبب صفقات التعدين الفاسدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وفور إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية بفوز جو بايدن برئاسة البلاد، لم ينتظر اليهود الأمريكيين كثيرا لينفضوا من حول ترامب، الذي تعرض لانتقادات منهم بسبب تصريحات أدلى بها حول اليهود الأميركيين الذين صوتوا لصالح بايدن، وهو ما اعتبره ترامب أمرا يدل على “عدم الولاء”.

ورغم أن ترامب لم يتحدث بالتفصيل عما يقصد بـ”عدم الولاء”، فإن اليهود الأمريكيين فهموا ما يرمي إليه، وهو أمر اتفق فيه ترامب على ما يبدو مع زعيم النظام النازي حين قال بأن لدى اليهود ولاء مزدوجا، وأن ولاءهم لقوميتهم أكبر من ولائهم لدولهم وأوطانهم.. ولعل هذا ليس أقل ما تشابه به ترامب مع هتلر.