مقالات مشابهة

بايدن والسـعودية وتوجيه المسار بما يخدم مصالح واشنطن.. صفحة جديدة انفتحت مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض بدأت عناوينها في ما يتّصل باليمن

تدرك السـعودية أن الاستمرار في الحرب من دون الدعم الأمريكي يبدو شبه مستحيل، ومع إعلان إدارة جو بايدن وقف الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، تنفتح صفحة جديدة في مسار هذه الحرب، يُفترض أن تأخذ، إذا ما صدقت نيات واشنطن، إلى وقف العدوان والحصار.

وعلى رغم أن عدّة معطيات تدعم جدّية ذلك الإعلان، إلا أن الحذر يبقى قائماً، في ظلّ المراوغة التي تطبع سلوك واشنطن في هذا الملف، وحديثها أخيراً عن أن «إنهاء الحرب سيكون صعباً»

خرقت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، أمس، حالة الركود في ملفّ حرب اليمن، بإعلانها إنهاء دعم بلادها للتحالف السعودي.

إعلانٌ يُعدّ ترجمة لسلسلة وعود أطلقها رموز تلك الإدارة في خضمّ السباق إلى البيت الأبيض، ومن بينها ما أدلى به بايدن نفسه مِن «أننا سوف نقوم بإعادة تقييم لعلاقاتنا مع السـعودية، ولدعمنا لها في حرب اليمن».

مَن قال ذلك هو نفسه مَن كان نائباً للرئيس في عهد الإدارة التي أُطلق العدوان برعايتها ودعمها، الذي عبّر عنه أبلغ تعبير نائب وزير الخارجية آنذاك، وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن، بقوله إن «ما قامت به السعودية وحلفاؤها لَأَمر بالغ الأهمية، لقد أرسلت رسالة قوية “للحوثيين” وحلفائهم، مفادها أنهم لا يستطيعون اجتياح اليمن بالقوة، وأن لا سبيل أمامهم سوى العودة إلى عملية الانتقال السياسي التي عطّلوها».

لم يفعل ترامب إلا أن استكمل ما بدأه أسلافه، وإنما بانكشاف غير مسبوق. في خلال كلّ ما تَقدّم، برز العديد من الخطوات الأمريكية التي أمكن إدراجها في إطار التراجع عن الإسناد اللامحدود للعدوان السعودي الإماراتي، قبل أن يتبيّن أنها لا تعدو كونها مراوغة معهودة من جانب واشنطن.

واشنطن: إنهاء الحرب سيكون صعباً

اليوم، يبدو قرار إدارة بايدن مختلفاً، وإن كان من المبكر حسم مآلاته، وخصوصاً في ظلّ ما نقلته «وول ستريت جورنال» عن مسؤول أمريكي من أن «إنهاء الحرب سيكون صعباً، ولن ينجح من دون متابعة يومية».

في وجوه الاختلاف، يُشار، ابتداءً، إلى أن القرار يأتي في أوّل أيام العهد الأمريكي الجديد، ما يتيح إسباغ قدر من الجدّية عليه نظراً إلى ابتعاده عن حمّى المعارك الانتخابية، والتي طبعت آثارها، مثلاً، مبادرة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، في أواخر أيّامها، إلى إطلاق «عملية سلام» بقيادة وزير خارجيتها جون كيري، لم تفضِ إلى أيّ خروقات في جدار الأزمة.

كذلك، تبدو الخطوة الأخيرة متّسقة وتوجّه الإدارة الوليدة نحو تخفيض مستوى الانخراط في النزاعات في المنطقة، واتّباع ما سمّاها بايدن، في أوّل خطاب له حول السياسة الخارجية، «الدبلوماسية القصوى» بدلاً من «الضغوط القصوى» التي وسمت عهد الرئيس السابق.

يستبطن ذلك اعترافاً بأن الحرب السـعودية الإماراتية على اليمن، والتي حظيت بشتّى أنواع الدعم الأمريكي، لم تفلح إلّا في تقوية شوكة «أنصار الله»، وتعميق انخراط الحركة في محور المقاومة.

توجيه المسار بما يخدم مصالح واشنطن

من هنا، تريد إدارة بايدن، على ما يظهر، إعادة توجيه المسار الأمريكي بما يخدم مصالح واشنطن، وإن تَسبّب الأمر بأضرار جانبية في العلاقات مع السـعودية، تدرك الولايات المتحدة أنها قابلة للإصلاح عاجلاً أو آجلاً.

إزاء ما تقدّم، يبقى «البرهان الحقيقي لإحلال السلام في اليمن وقف العدوان ورفع الحصار»، وفق ما شدّد عليه أمس ناطق «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام. مردّ الحذر الذي يَسِم كلام عبد السلام إعلانات أمريكية سابقة من الصنف نفسه لم تبدّل شيئاً ممّا هو قائم واقعاً.

إعلاناتٌ تصاعدت، وخصوصاً، عقب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، حتى بلغ الأمر بوزيرَي الدفاع والخارجية الأميركيَّين، حينذاك، جيمس ماتيس ومايك بومبيو، حدّ تعيين موعد لإنهاء العمليات العسكرية والجلوس إلى طاولة المفاوضات في غضون ثلاثين يوماً.

مبادرات

أطلق «أنصار الله»، في أعقاب ذلك، عدّة مبادرات استهدفت من ضمن ما استهدفت اختبار صدقية الموقف الأمريكي والغربي عموماً (كان أبرز تلك المبادرات إعلان الحركة وقف إطلاق الصواريخ والمُسّيرات على «دول العدوان» مقابل وقف الأخيرة قصف الأراضي اليمنية)، إلّا أن كلّ خطواتها قوبلت بالصدّ من قِبَل رباعيّ الحرب: واشنطن ولندن والرياض وأبو ظبي.

أيضاً، يجدر التذكير بأن السفير الأميركي لدى اليمن، إبّان عهد الإدارة الديموقراطية السابقة، ماثيو تولر، مَثّل «صقر» الدفاع عن تحالف العدوان في كلّ جولات التفاوض التي انعقدت بين الأطراف اليمنيين، سواء في سويسرا أو في الكويت.

كما أن السعودية مثّلت أكبر زبائن السلاح الأميركي في عهد أوباما، الذي شهد الشطر الأخير من ولايته الثانية أعنف جولات الحرب والحصار على اليمنيين، ولم تبادر إدارته إلى تحريك عجلة الدبلوماسية إلا في أواخر شهر آب/ أغسطس من عام 2016.

صفحة جديدة لبايدن عنوانها اليمن

على رغم كلّ تلك المعطيات، يبقى ثابتاً أن صفحة جديدة انفتحت مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، بدأت عناوينها في ما يتّصل باليمن تحديداً، بالتوالي، مع إعلان واشنطن نيّتها مراجعة قرار إدارة ترامب إدراج «أنصار الله» على لائحة الإرهاب، ومن ثمّ تعليقها صفقات السلاح لكلّ من السـعودية والإمارات كخطوة على طريق إنهاء الحرب.

هذه المؤشّرات، التي تَوَّجَها أمس تأكيد بايدن «(أننا) سنوقف الدعم الأميركي للأعمال العدائية في اليمن، بما في ذلك صفقات بيع الأسلحة ذات الصلة»، تثير بلا ريب قلقاً متصاعداً لدى السـعودية، التي آثرت، في أعقاب الإعلان الأميركي الأخير، التركيز على ما يفيدها إعلامياً لناحية «التزام الولايات المتحدة بالتعاون مع المملكة للدفاع عن سيادتها والتصدّي للتهديدات التي تستهدفها».

السـعودية من دون أمريكا لا شي

إلا أن السـعودية تدرك، جيداً، أن الاستمرار في الحرب من دون الدعم الأميركي يبدو شبه مستحيل، وخصوصاً أن الحليف الوحيد المتبقّي لها في هذا المستنقع، أي أبو ظبي، سبق أن نفض يده من «العمليات الكبرى»، وأعاد، أمس، تأكيده تنصّله منها وفق ما علّق به وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، على خطاب بايدن.

وعليه، إذا صدقت نيات واشنطن، فإن العدوان والحصار يُفترض أن يسلكا طريق النهاية قريباً، وما دون ذلك فإن «أيّ تحرّك لا يُحقّق نتائج على الأرض (…) نعتبره شكلياً ولا يُلتفت إليه، فلسنا مِمّن تخدعه التصريحات كيف ما كانت»، بحسب ما أكّد أمس عضو «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، محمد علي الحوثي.

وجوه الدعم الأمريكي

منذ بداية الحرب على اليمن بقيادة السـعودية، شاركت الولايات المتحدة في خطّة الدعم اللوجستي والاستخباري والعسكري، وأنشأت غرفة عمليات مشتركة مع السعوديين، فضلاً عن خلية التخطيط وتبادل المعلومات، وربطت تلك المنظومة بالأقمار الاصطناعية الأميركية التابعة لـ»البنتاغون».

كما تولّت تزويد الطائرات الحربية بالوقود جوّاً، والمشاركة في اختيار الأهداف التي يقصفها التحالف السعودي الإماراتي، والمشاركة في تفتيش السفن في بحرَي العرب والأحمر.

كذلك، بدأت قوات أميركية تُسمّى مجموعة «القبعات الخضر» عملها في عام 2017 على الحدود السـعودية اليمنية، حيث تركّزت مهمّتها على عمليات «البحث والتدمير» المتعلّقة بالصواريخ البالستية ومنصّات إطلاقها من داخل اليمن. وبحسب مصادر عسكرية في صنعاء، تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن حجم التمكين الأميركي للطيران السعودي، من حيث الدقّة والرؤية النهارية والليلية والقدرة التدميرية، بات مساوياً لنظيره في الكيان الإسرائيلي.

وما تجدر الإشارة إليه، أيضاً، هو أن أيّاً من صفقات الأسلحة المبرمة مع الرياض لم تتوقّف في نهاية ولاية أوباما، على رغم تأكيد الكونغرس والعديد من منظمات حقوق الإنسان عدم قانونيتها. أمّا في عهد ترامب، فقد ارتفع ثمن مبيعات السلاح إلى السـعودية بشكل فلكي، ليصل إلى 110 مليارات دولار أمريكي.