مقالات مشابهة

غزو اسرائيلي معلوماتي

غزو اسرائيلي معلوماتي!!

في يوم الخميس الموافق 25 شباط الماضي تلقيت من ابنِ أختي أحمد هاني الشيخ، صورةً تجمعُهُ مع صديق عمري محمود عبد الواحد، مرفقةً برسالة قصيرة تفيد أنه قد التقاه في ساحة المطاعم بحي المالكي. استغربت الأمر، لذا كان أول سؤال طرحتُهُ على صديقي محمود عندما التقيت به قبل أسبوعين، عما كان يفعله في ساحة المطاعم الأكابرية تلك! فهي لا تحب أمثالَنا من ذوي الدخل المحدود، الذين انكمشت رواتبُهُم حتى لم يبق من قوتِها الشرائية شيئاً يذكر.

ابتسم صديقي محمود وقال لي بجدية: تعرف أنني أعيش حالياً بمفردي، لذا أستفيد بين وقت وآخر، من نصائح بعض المواقع على الانترنت، التي ترشد الدمشقيين الى المطاعم التي تقدم لقمة نظيفة بسعر معقول. وكيلا أتوه، أستعين غالباً بخرائط غوغل على الهاتف المحمول، التي ترشدُني الى المكان الذي أختارُهُ بدقة.

وأثناء تصفحي لخريطة دمشق قبل أيام، برز لي باللونِ الأحمر، موقع كافيتيريا، في شارع نزار قباني، اسمُها بالإنجليزية Tel Aviv Israeli Cafe، أي (قهوة تل أبيب الاسرائيلية)! وما أن رأيت ذلك حتى اعتراني الذهول، إذ لا يعقل أن تصلَ الصفاقة والجنون بأيِ شخص، لدرجةِ أن يفتتح كافتيريا في أرقى أحياء دمشق ويسميها (قهوة تل أبيب الاسرائيلية)!

ولكي أقطعَ الشكَّ باليقين، لبست ثيابي بسرعةِ رجالِ الإطفاء، واتجهت الى تلك المنطقة، معتمداً على إرشادات خرائط غوغل، وعندما وصلت الى البقعة المحددة، تبين لي عدمُ وجودِ قهوة أو كافتيريا فيها، وبعد أن طِفت حول البقعة ثلاث مرات، لم أجد فيها سوى بناء سكني عادي. وبينما كنت أدور في المنطقة للمرةِ الثالثة، رآني ابنُ أختِكَ أحمد، فتقدم مني مسلماً، وطلب أن يتصور معي، كي يرسلَ صورتَنا لك. وهذا يا صديقي سببُ ذهابي الى ساحة المطاعم الأكابرية.

أصارحكم أنني قررت منذ ذلك اليوم أن أحدثكم عن هذا الانتهاك المعلوماتي القذر، لكن موضوعاً آخر فرض نفسَهُ علي، والحقيقة أنني لم أكن متشجعاً للحديث عن هذا الموضوع لأنه يضفي أهميةً على الجهةِ التافهة أو الشخصِ الرقيع الذي قام به، وقد حدث شيءٌ مشابه في الأسبوعِ الماضي، إذ كرست حديثي الإذاعي لحفلِ تخريجِ الدفعة الخامسة من طلابي في دبلوم علومِ السينما وفنونِها.

والحق أنني كُنت آمُل أن تكونَ إحدى الجهاتِ أو الشخصياتِ المعنية بأمنِِ المعلومات، قد تقدمت بشكوى الى إدارة غوغل، لحذفِ هذا الانتهاك الوقح. لكنني فوجئت عندما فتحت الخريطة على الهاتف المحمول قبل الشروعِ بكتابةِ هذا الحديث، إذ وجدت أن هذا الاسمَ الكريه ما يزال يلطخ خريطةَ دمشق وشارعَ شاعِرِنا الكبير نزار قباني!

يعترف جميعُ علماءِ الآثار الجديين، بمن فيهم العديد من المستوطنين في الكيان القائم على أرض فلسطين المحتلة، أن جلَّ ما ورد في التوراة عن “إسرائيل القديمة” ما هو إلا أساطير. إلا أن الصهاينة، وبهدف تكريسِ أكاذيبِهِم وخرافاتِهِم، قاموا ويقومون بإطلاقِ أسماء عبرية على كل القرى والبلدات الفلسطينية والعربية التي احتلوها. ولن أستغرب أن يطلعَ علينا في قادمِ الأيام دعيٌّ مثل الحنش أفيخاي أدريعي الناطق باسم جيش الاحتلال، ويدعي حقاً (تاريخياً) في شارع نزار قباني، حيث يقع ما أسماه قراصنةُ المعلومات الصهاينة بـ “مقهى تل أبيب الإسرائيلي”.

لقد أشرت في مقالي الأخير الذي نشر يومَ السبت الماضي، في جريدة الوطن، لبدءِ حربِ الذبابِ الألكتروني، والحق أن (المعاركَ الناعمة) التي تجري على صفحاتِ الإنترنت ومواقعِ التواصل الاجتماعي، لا تقِلُّ ضراوةً عن الحربِ الفعلية، التي تشُنُّها الفاشيةُ العالمية، بالتعاون مع الفاشيةِ الإقليمية، وأدواتِها المحلية، على وطنِنا السوري.

فمن يسمون بـ “المتصيدين” يطلقون داخل شبكةِ الانترنت ومواقعِ التواصلِ الاجتماعي، خوارزمياتٍ تنشر على الصفحاتِ والمواقع بكثافة وسرعة، تعليقاتٍ تشبه التعليقاتِ البشرية، وغالباً ما ينشؤون صفحاتٍ بأسماءَ مثيرة تخدع الكثيرين، يطلقون من خلالِها هذه الخوارزميات التي تتعصب لرموزِ هذه الطائفة أو تلك، وتشتُمُ رموزَ هذه الطائفة أو تلك، بقصدِ جرِ المواطنين لخوضِ معاركَ زائفة، تشق الصفَّ الوطني. لذلك أعيد تحذيرَ أخوتي السوريين من أن أعداءَ بلدِنا يستثمرون بكثافة في مجالِ الدعاية والحرب الإلكترونية، بغية تحطيمِ معنوياتِنا وتشتيتِنا، آملين أن يحققوا عن طريقِ الدعايةِ السوداء وحربِ الاقتصاد، ما عجزوا عن تحقيقِهِ بقوةِ السلاح.”

غزو اسرائيلي معلوماتي

____________
حسن يوسف
بوح الكلام- سوريانا إف إم