مقالات مشابهة

إلغاء الكفالة بالسعودية.. أكذوبة وخدعة شكلية لزيادة معاناة الوافدين

ألغت السعودية نظام الكفالة إذن! هكذا على مدار الأيام الماضية، تقيم أبواق إعلام النظام السعودي الأفراح بإعلان إلغاء نظام الكفالة المعمول به في المملكة منذ سنوات التحول البترولي في ثلاثينيات القرن الماضي.. لكن يظل السؤال الأكثر إلحاحا الآن: هل ألغت السعودية هذا النظام حقا؟ والأهم من ذلك: هل ستتحسن حياة الوافدين تبعا لذلك؟

وفي هذا السياق، قالت السلطات السعودية إنها بدأت إلغاء نظام الكفيل المطبق في المملكة منذ سنوات عديدة، مع دخول ما أسمته بمبادرة تحسين العلاقة التعاقدية للعاملين في القطاع الخاص حيز التنفيذ يوم الأحد الماضي، وهي المبادرة التي أطلقتها وزارة الموارد البشرية في نوفمبر الماضي وأعلنت بعضا من مسوداتها حينئذ.

ما هي حقيقة إلغاء نظام الكفالة في السعودية؟

الوزارة السعودية أعلنت أيضا أن الخدمات التي تقدمها المبادرة تتمثل في “خدمة التنقل الوظيفي التي تتيح للعامل الوافد الانتقال عند انتهاء عقد عمله دون الحاجة لموافقة صاحب العمل”. وتحدد المبادرة آليات الانتقال خلال سريان العقد بشرط الالتزام بفترة الإشعار والضوابط المحددة للخدمة التي تتوفر عبر منصتي (قوى) و(أبشر)، وتشمل جميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص، وتدخل حيز التنفيذ بداية من الأحد 14 مارس الجاري.

كما تتضمن المبادرة “خدمة الخروج والعودة، التي تسمح للعامل الوافد بالسفر خارج المملكة، وذلك عند تقديم الطلب مع إشعار صاحب العمل إلكترونيًّا، وتشمل خدمات المبادرة جميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص ضمن ضوابط محددة، تراعي حقوق طرفَي العلاقة التعاقدية”.

خدعة مفضوحة

لكن الواقع هو أن ذلك الإعلان ما هو إلا خدعة أخرى جديدة يطل بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على المشهد السعودي والإقليمي، إذ إن هناك بعض القيود التي أهمل الإعلان ذكرها، لكنها في الوقت نفسه تخلع أي تأثير إيجابي على الوافدين، بل وتحوله إلى قانون تقيدي غير مجد في تحسين حياة العمال الوافدين بالمملكة.

إذ تضمن قانون إلغاء نظام الكفالة أن يستفيد العامل من هذه الخدمة وفق شروط، أهمها أن يكون ضمن العمالة المهنية الوافدة الخاضعة لنظام العمل، وأن يمضي العامل الوافد 12 شهرًا لدى صاحب العمل الحالي منذ دخوله السعودية، وأن يتقدم بإشعار صاحب العمل إلكترونيًّا بطلب نقل الخدمة قبل 90 يومًا من الانتقال أو عند الرغبة في إنهاء العلاقة التعاقدية.

أيضا، فإن الخدمة لن تسري على المهن الأكثر تعرضا للظلم في المملكة، حيث يتم حرمانها من أي حقوق إنسانية، ولا يسمح لهم باستقدام عائلاتهم أو أي ممارسات أساسية أخرى. وهذه المهن هي السائق الخاص، والحارس، والعمالة المنزلية، والراعي والبستاني، التي أكدت المصادر الرسمية أنها ستبقى أسيرة لنظام الكفالة الاستعبادي في المملكة.

إدانات حقوقية

خدعة إلغاء نظام الكفالة لم تنطلي على المنظمات الدولية، إذ كانت منظمات حقوقية دولية ضمنها منظمة هيومن رايتش ووتش قد قالت في تقرير لها نهاية العام الماضي، إثر إعلان المملكة اعتزامها تطبيق إصلاحات لنظام الكفالة، أنه إذا أرادت السعودية إلغاء نظام الكفالة فعليها “معالجة كل عنصر من هذه العناصر”.

وذكر التقرير الذي قدمته المنظمة الدولية صاحبة السمعة الأوسع حقوقيا: “بُنيت ثروة السعودية واقتصادها على ظهر ملايين العمال الوافدين، وحان الوقت لتغيير جذري بمنحهم الحماية القانونية وضمانات الحقوق التي يستحقونها، وهو ما لن يتحقق بمسودة القرار القاضي بإلغاء نظام الكفالة المعمول به في المملكة منذ عصر الانتقال النفطي في الثلاثينيات من القرن الماضي”.

وخلال أزمة فيروس كورونا المستجد، وجد كثير من العاملين الأجانب أنفسهم عالقين في دوامة من الديون ولا يسمح لهم بالمغادرة قبل تسديدها، فيما دعا سعوديون عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى طردهم واتهامهم بنشر الوباء، لكن يحاول العديد من العمال الآسيويين، المقيمين في السعودية، الفرار من حياة “أسوأ من الجحيم”، وفق ما جاء في تصريح أحد الهنديين لوكالة الأنباء الفرنسية. وألقت الأزمة، التي ضربت باقتصاد المملكة بالآلاف منهم إلى الشارع، ووجدوا أنفسهم بدون مأوى وأكل ولا أموال للعودة إلى بلدانهم.

عندما غادروا بلادهم إلى السعودية، كان كثير العمال يحملون أحلاما كبيرة، ولكن كثير يعيش الآن معاناة مستمرة، وبعض منهم عادوا بقصص مروعة عاشوها في حرمانهم من رواتبهم وبالتالي عدم تمكنهم من مغادرة المملكة. وبقي نتيجة ذلك آلاف العمال من الهند وباكستان وبنغلادش والفلبين دون مأوى ودون أموال كافية للعودة إلى بلادهم أو حتى شراء قوتهم بعد أن طردوا من عملهم.

ووفق إحصائيات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، فإن إجمالي عدد العاملين في منشآت القطاعين الخاص والعام في السعودية بلغ نحو ثمانية ملايين و440 ألف عامل بنهاية الربع الرابع من عام 2019، ووفقا لتقرير “الأعمال قصيرة المدى”، بينما بلغ عدد الأجانب بمنشآت القطاعين الخاص والعام نحو ستة ملايين و480 ألف عامل.

وبشكل عام، لم يعد لدى العالم الآن من شك في أن أي إعلان عن إصلاحات حقوقية بالمملكة، إنما تُخفي خلفها أكواما من الانتهاكات التي استدعت مثل تلك الإعلانات الدعائية لغسيل سمعة نظام بات العالم ينظر إلى دولته كمملكة من العصور الوسطى التي تحبس المعارضين وتقطع أجساد المخالفين بالمناشير!