مقالات مشابهة

مأرب خارج “المقايَضة”.. الجيش واللجان تستأنف تقدُّمها خلال الساعات الـ48 الماضية ومشاركة نوعية موثّقة للقاعد وداعش دفاعاً عن معقلها الأخير

في ظلّ محاولة الحكومة المرتزقة جعل معركة مأرب مادّة للمقايضة في الملفّ الإنساني الذي أقرّت مفاوضات مسقط فصله عن الملفَّين السياسي والعسكري، استأنفت قوات صنعاء تقدُّمها في محيط المدينة، حيث استطاعت، في خلال الساعات الماضية، إسقاط مواقع ذات أهمّية استراتيجية في الجبهتَين الغربية والشمالية الغربية لمركز المحافظة، ناقلةً المعركة إلى مناطق قريبة من «صحن الجنّ» الواقعة في الأحياء الغربية للمدينة

تقدُّمٌ عسكري جديد أحرزه الجيش اليمني و”اللجان الشعبية”، خلال الساعات الـ48 الماضية، عند التخوم الشمالية الغربية لمدينة مأرب، بالتزامن مع تقدُّم مماثل نَقَل المعارك إلى مشارف المدينة، وأفقد قوات الفار هادي، عدداً من المناطق الاستراتيجية في جبهات غرب مأرب، وسحَب منها زمام التحكُّم في مسارات المعركة في أكثر من محور، إذ إن عدداً كبيراً من الحاميات العسكرية القريبة من قاعدة “صحن الجنّ” العسكرية، الواقعة في الأطراف الغربية لمركز المحافظة، سقطت تحت سيطرة قوات الجيش واللجان الشعبية خلال مواجهات عنيفة في جبهة شرق الكسارة وجبهة إيدات الراء.

 

وانتهت مواجهات أمس، والتي شارك فيها سلاح الطيران السعودي بأكثر من 20 غارة، بسقوط مواقع جديدة في جبهة الكسارة، كما تَمكّن خلالها الجيش و”اللجان” من السيطرة على تِباب “الفجوة” و”الحراملة” و”السيطرة” الاستراتيجية.

وتزامن هذا التقدُّم مع تطوُّرات مماثلة في الجبهة الغربية لمدينة مأرب، بسقوط أكثر من 70% من منطقة إيدات الراء تحت سيطرة الجيش واللجان الشعبية، التي سيطرت أيضاً على منطقتَي حمّة الذئاب والحمّة الحمراء الواقعتَين شمال غرب مركز المحافظة، والقريبتَين من طريق مأرب – الجوف. وفي موازاة ذلك، اشتدّت المعارك في محيط الطلعة الحمراء الاستراتيجية، حيث وقَع العشرات من عناصر قوات هادي تحت حصار الجيش واللجان” جنوب الطلعة،

فيما احتدمت المواجهات مع ميليشيات سلفية قادمة من محافظة أبين في جبهتَي البلقَين الأوسط والقِبْلي جنوب غرب مدينة مأرب خلال الساعات الماضية، وهو ما انسحب على الجبهة الشمالية، حيث سَجّل الجيش واللجان الشعبية تقدُّماً إضافياً في جبهة رغوان، وازاه تراجُع حدّة المعارك في جبهات مراد والعلم في جنوب المدينة وشمالها.

ومَكّنت تلك التطوُّرات، الجيش و”اللجان”، من نقل المعركة إلى مناطق قريبة من “صحن الجنّ”، ومن الاقتراب من جبال الخشب المطلّة على القاعدة العسكرية ومعسكرات مستحدثة تابعة لميليشيات حزب “الإصلاح”.

ووفقاً لمصادر قبلية في مأرب، فإن “قوات هادي والميليشيات المساندة لها انسحبت إلى محيط مخيّمَي إيدات الراء والسويداء الواقعَين بالقرب من الحمّة الحمراء بعد سقوطها مساء الأحد، وهو ما عَرّض حياة النازحين للخطر”.

وأضافت المصادر، في حديث إلى “الأخبار”، أن “قوات هادي وميليشيات الإصلاح منَعت النازحين في مخيّم إيدات الراء من النزوح إلى مناطق آمنة شرق المدينة”، موضحةً أن “نقطة الميل أو ما تُسمّى بنقطة الضرائب الواقعة شمال غرب مدينة مأرب منعت العشرات من الأسر النازحة من الخروج من المخيّم، وأعادتها بالقوة إلى المنطقة التي بينها وبين نقطة الشرطة”،

ولفتت إلى “رصد اشتباكات بين أفراد النقطة والنازحين صباح الأحد، بعد رفض النازحين العودة واتهامهم تلك القوات بتحويلهم إلى دروع بشرية، إثر اقتراب المواجهات من المخيّم”.

وحذّر محافظ مأرب علي محمد طعيمان، قوات هادي وميليشيات “الإصلاح” من استخدام النازحين في أطراف المدينة كدروع بشرية.

وأكد طعيمان، في تصريح صحافي أمس، أن “قوى العدوان رفضت السماح للنازحين بالانتقال إلى مناطق أكثر أماناً وبعيدة عن المواجهات، في محاولة يائسة للمتاجرة بمعاناتهم واستغلالهم كورقة ضغط إنسانية لوقف تَقدُّم الجيش واللجان الشعبية”.

وأشار إلى أن “صنعاء حرصت منذ بدء عملياتها العسكرية على تجنيب المدنيين، بِمَن فيهم النازحون، ويلات الحرب والاستهداف”، مُتّهماً “قوى العدوان باستحداث مرابض للمدفعية بجوار بعض مخيّمات النازحين”.

وكشف أن “هناك توجيهات سعودية بمنع نقل النازحين من المخيّمات الواقعة في الأطراف الغربية والشمالية للمحافظة”، معتبراً أن “تلك التوجيهات تكشف عن نيّات سيّئة لدى قوى العدوان في استهداف النازحين وإلصاق التهمة بالجيش واللجان لإثارة الرأي العام المحلّي والدولي”.

وتزامنت تطوُّرات الساعات الماضية مع فشل الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إرساء وقف لإطلاق النار في مختلف الجبهات، ورفْض حكومة المرتزقة مقترحات حَمَلها المبعوثان الأممي مارتن غريفيث، والأمريكي تيم ليندركينغ، إلى الجانب السعودي، بالإفراج عن سفن المشتقّات النفطية، والسماح بوصولها إلى ميناء الحديدة، وفتْح مطار صنعاء أمام الرحلات الجوية المدنية من دون قيود، كخطوات “حسن نيّة” قبل الدخول في مفاوضات قد تفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار في البلاد.

وطالبت حكومة الفار هادي، في المقابل، بوقف التقدُّم في محيط مدينة مأرب، واتّهمت حكومة صنعاء بـ”عدم الجدّية”، كما عمدت إلى التصعيد في جبهات الكسارة التي لا تزال تتمركز في أطرافها، ليقابِل الجيش واللجان” التصعيد بالتصعيد.

«القاعدة» في جبهات مأرب مشاركة نوعية دفاعاً عن “المعقل”

لم يكن انخراط تنظيم “القاعدة” في معارك محافظة مأرب الأخيرة، إلى جانب القوات المدعومة من السعودية، الأوّل من نوعه، فقد شارك التنظيم ولا يزال في مختلف جبهات القتال منذ اندلاع الحرب قبل ستّ سنوات.

غير أن مشاركته هذه المرة كانت مختلفة من ناحيتَين: مصرع قيادي كبير في تنظيم القاعدة من حيث نوعيّتها؛ إذ دفع “القاعدة” بأعداد إضافية من عناصره إلى جبهات المحافظة المشتعلة، ومن حيث التنسيق؛ إذ تؤكد المعلومات وجود مستوى عالٍ من التنسيق بينه وبين التحالف السعودي الإماراتي من جهة، وقادة الجبهات من جهة أخرى.

وتأتي هذه المشاركة النوعية للتنظيم في ظلّ تصاعُد مخاوف السعودية وحزب “الإصلاح” من سيطرة قوات صنعاء على مركز المدينة، بعد التقدُّم الكبير الذي حقّقته في أكثر من جبهة خلال الأسابيع الماضية.

يرى التنظيم أنّ القتال إلى جانب «الإخوان» والسلفيين، ضدّ «أنصار الله»، واجب ديني

وإضافة إلى ذلك، تُمثِّل محافظة مأرب معقلاً تاريخياً لـ”القاعدة”، وهو ما تُؤكّده جملة من الأحداث المتعلّقة بملفّ “الحرب على الإرهاب”، وأبرزها العمليات الجوية الأميركية عبر الطائرات المسيَّرة، ومن شأن سيطرة قوات صنعاء على كامل المحافظة أن تحرم التنظيم من أهمّ معاقله، كما حدث في محافظات يمنية أخرى.

ومن المهمّ الإشارة هنا، أيضاً، إلى أن وجود “القاعدة” ونشاطه انحصرا، خلال السنوات الماضية، في المدن والمحافظات اليمنية التي تسيطر عليها التشكيلات المسلّحة المدعومة من السعودية والإمارات، بينما أصبح أثراً بعد عين في مناطق خصومها.

واجب ديني

وبعيداً عن الأهمّية التي تُمثّلها محافظة مأرب بالنسبة إلى “القاعدة”، يرى التنظيم أن القتال إلى جانب “الإخوان” والسلفيين، وأيضاً القتال ضدّ جماعة “أنصار الله”، واجب دينيّ، وفق تأكيد بعض قادته البارزين. ففي عام 2017، أكد أمير التنظيم السابق، قاسم الريمي، أن عناصره يقاتلون إلى جانب “الإخوان” (حزب الإصلاح) والسلفيين في أكثر من جبهة، معتبراً ذلك نصرة واجبة “لإخوة في العقيدة”.

كما أصدر “القاعدة”، عام 2013، بياناً حول أحداث منطقة دماج في محافظة صعدة شمال اليمن، توعّد فيه “أنصار الله” بعمليات انتقامية نصرةً لطلّاب “مركز دار الحديث السلفي” في المنطقة. ومنذ عام 2014، ركَّز التنظيم، في أكثر من مناسبة، على دعوة “أهل السنّة” إلى توحيد الصفوف لمواجهة من سمّاهم “الروافض”، في إشارة إلى “أنصار الله”.

وينسجم خطاب التنظيم هذا مع خطاب “الإخوان” والسلفيين الذين يتحدّثون عن الحرب بمفردات دينية وطائفية شبه موحّدة، تؤكد التقاء الجميع عند هدف عام يستدعي لمّ الشمل وتجاوُز الخلافات البينية.

مشاركة موثّقة

وليست مشاركة “القاعدة” في جبهات القتال في محافظة مأرب مجرّد استنتاج يستند إلى تصريحات وأدبيات دينية، بل أكّدها التنظيم نفسه عام 2016، من خلال نشره أخباراً شبه يومية عن معارك جبهة صرواح غرب المحافظة، عبر حساب “أنصار الشريعة” على موقع “تويتر”، قبل أن تأتي التعليمات من قيادة السلطة المحلية بالتوقُّف عن النشر،

وعدم رفع الأعلام السود؛ على اعتبار أن ذلك سيضع “التحالف” في موقف لا يُحسد عليه أمام “المجتمع الدولي”، الذي لم يُخفِ قلقه من الانعكاسات السلبية للعملية العسكرية السعودية على ملفّ “حرب الإرهاب” في اليمن.