مقالات مشابهة

الإقتراب من مدينة مأرب.. السيطرة على مواقع إستراتيجية حامية لمدينة مأرب وسط قلق أمريكي غير مسبق

يستمر تقدم الجيش واللجان الشعبية الميداني باتجاه مدينة مأرب بوتيرة متسارعة، وذلك يتسبب برفع منسوب القلق الأمريكي، وكأنَّ مأرب ولاية أمريكية، ومعركتها أمريكية بالوكالة!!، فيما تؤكد صنعاء أن لا تفاوض ولا سلام مع استمرار حصار الشعب اليمني.

ووصل الجيش واللجان الشعبية إلى نقاط ميدانية متقدمة ومهمة في مسار العمليات البرية، إذ تمكَّنت فجر أمس الخميس من إسقاط أهم الحاميات الاستراتيجية لمدينة مأرب، بتحرير جبهة “المشجح” الاستراتيجية بالكامل وتباب الحرضة” والهلول” والخمسين”، وباتت على مسافة كيلومترات قليلة من التحرير الكامل، وفق مصادر قبلية وميدانية مطلعة.

قلق أمريكي

تفرض التطورات الميدانية نفسها سياسياً. فمع استمرار تقدم الجيش واللجان الشعبية، يرتفع منسوب القلق الأمريكي أكثر فأكثر، ذلك ما أوحت به تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندر كينغ، الأربعاء الفائت، أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكابيتول، إذ أعلن بشكل غير مباشر فشل مهمته في احتواء التقدّم وتجميد العمليات العسكرية باتجاه مأرب، بقوله: “ما لم نوقف القتال في مأرب، فسيؤدي ذلك إلى موجة أكبر من المعارك والاضطرابات.. إنَّ هجوم صنعاء أكبر تهديد للسّلام”.

وفي أوّل ردّ يعبّر عن موقف صنعاء، خاطب عضو الوفد الوطني المشارك في مباحثات مسقط عبد الملك العجري المبعوثَ الأمريكيَ قائلاً: “إن الجهة التي تدخل السلام من بوابة الحصار لا تريد السلام”، ملمّحاً إلى أن لا تفاوض ولا سلام مع استمرار الحصار سوطاً على رأس الشعب اليمني.

ويتزامن الموقف السياسي الصّلب لصنعاء مع الموقف العسكري القوي في اعتبار معركة مأرب معركة سيادية، وليست استثناء من عمليات التحرر الوطني، وأن ما يجري فيها ليس وليد الأشهر الماضية، بل هو معركة ممتدة منذ بداية العدوان، إذ إنَّ المدينة مثلت نقطة انطلاق لعمليات تحالف العدوان العدائية باتجاه صنعاء والجوف والبيضاء، وهي تحتضن أبرز غرف عمليات تحالف العدوان لرصد الأهداف ورفع الإحداثيات للطيران، كما أنَّها تمثل المعقل الأخير لعناصر تنظيم “القاعدة” في المحافظات الشمالية.

مشاركة تنظيم القاعدة في مأرب

وفي هذا السّياق، كشفت وزارة الداخلية في صنعاء معلومات خطيرة عن خارطة انتشار “تنظيم القاعدة” وطبيعة المهام التي أوكلها إليها تحالف العدوان، وتبادل الخدمات في ما بينهما بعد أسابيع من معلومات وخرائط رفع جهاز الأمن والمخابرات الستار عنها، إلى درجة أنَّ بعض قيادات “تنظيم القاعدة” تتبوّأ مواقع قيادية في وزارة الدفاع التابعة لحكومة المرتزقة.

واستناداً إلى هذه المعطيات، ترى صنعاء أن من حقها السيادي مواصلة عمليات التصدي والتحرير لمواجهة ما تراه أخطاراً وتحديات، وترفض على المستوى السياسي والدبلوماسي تجزئة الحلول بخصوص مأرب، على غرار ما حصل في محافظة الحديدة، بتوقيع اتفاق “ستوكهولم” قبل قرابة 3 سنوات، إلا أن نيران المقاتلين الموالين لتحالف العدوان السعودي لم تسكت منذ ذلك التاريخ، فضلاً عن نكث تحالف العدوان بأبرز بنوده المتعلقة بتسهيل دخول البضائع وسفن النفط إلى ميناء الحديدة، وبالتالي إن فكرة اتفاق خاصّ بمأرب، كما طرح المبعوث الدولي مارتن غريفيث في مباحثات مسقط وقبلها، غير مقبولة.

في المقابل، تتمسّك صنعاء بفكرة أن تكون المدينة ضمن الحل الشامل، بعد رفع الحصار ووقف العدوان بالكامل. ويبدو طرح صنعاء منطقياً، فلو سلَّمنا جدلاً بقبولها حلاً خاصاً بمأرب، فإن تحالف العدوان الأمريكي السعودي يكون بذلك قد جردها من أبرز نقاط قوتها وقيّد يدها العليا ميدانياً، وهو ما يعد، في تقديرنا، جوهر المهمّة الموكلة حالياً إلى المبعوثين الأممي والأمريكي على حد سواء، بل ذلك ما يفسر امتعاضهما وتصريحاتهما التشاؤمية والاتهامية.

ونقصد هنا تصريحات غريفيث في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، وتصريحات ليندر كينغ أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مع ما تضمّنته إحاطة الأخير من مغالطات، بمزاعمه “الإفراج عن سفن المشتقات النفطية والسماح لها بالوصول إلى ميناء الحديدة”، وهو ما نفته لنا مصادر في شركة النفط اليمنية، موضحة أنه تم سحب 3 سفن من منطقة الاحتجاز إلى نقطة الانطلاق، بعد أن حالت بحرية تحالف العدوان دون وصولها إلى ميناء الحديدة.

أضف إلى ذلك مزاعم ليندر كينغ بوصول كمّيات كبيرة من الغذاء، علماً أنّ ما وصل، بحسب مصادر مطلعة، كان “أعلاف دواجن وغذاء للحيوانات” تم دمجها ضمن إجمالي واردات الغذاء لتخفيف الضغط وتضليل الرأي العام المطالِب بضرورة فك الحصار وتسهيل وصول الغذاء والدواء والسلع التجارية والنفط وغيره، مما يعد استحقاقاً طبيعياً يفترض أن يتم تحييده وعدم استخدامه أمريكياً وسعودياً وسيلةً للضغط والمساومات.

 المارينز الأمريكي يصل إلى مطار الغيضة

وانطلاقاً من تشابك الملفات، من المفيد هنا التذكير بأنَّ واشنطن راعية حرب، وليست داعية سلام، وما تصريحات دبلوماسييها سوى ذرّ للرماد في العيون، فبالتزامن مع تصريحات ليندر كينغ وحديثه المضلّل عن السلام ورميه الكرة في ملعب صنعاء، تسربت معلومات خطيرة عن وصول ضباط من المارينز الأمريكي إلى مطار الغيضة في محافظة المهرة، البوابة الشرقية لليمن، لممارسة مهام استشارية وتدريبية، من دون تحديد هُوية الطائرة التي وصلوا على متنها.

هذه المعلومات تحتاج إلى مقال خاصّ بها، ولكنّنا أوردناها كدليل على عدم جدية واشنطن في الحلّ. ينسحب الأمر نفسه على موقف الرياض التي أرسلت أيضاً خلال اليومين الماضيين المتحدث العسكري باسم تحالف العدوان، تركي المالكي، برفقة أجانب، على متن طائرة خاصة إلى محافظة سقطرى، واستقبلهم قائد قوات “الواجب” السعودية العميد نافع بن زابن الحربي.

في خلاصة بسيطة للمعطيات السابقة، يتضح أن واشنطن والرياض لا تتوفر لديهما الإرادة الحقيقية في إحلال السلام، سواء في مأرب أو غيرها، علماً أن طريق السلام واضحة وغير معقّدة، وتتطلب قراراً حقيقياً بوقف كل أشكال الحرب ورفع كل مظاهر الحصار، وذلك وحده كفيل بتوقف رحى المعارك في مأرب وإسكات نيران الحرب في عموم اليمن.