المشهد اليمني الأول/

 

التطورات الدراماتيكية التي يلخصها المشهد الراهن في الشرق الأوسط، فرضتها وقائع الميدان السوري ونتائجه، منذ تحرير حلب، وصولا لتحرير الجنوب السوري، وكل ما أثير حول معركة إدلب، الدائرة سياسيا والمعلقة عسكريا.

 

إضافة للجمود والشلل السياسي، المفروض على كل ما حاولت واشنطن وحلفاؤها، الاستغلال والاستهلاك فيه، بداية من سلسلة جنيف، إلى سلسلة التحالفات الدولية، ووثائقها الخماسية وغيرها، وصولا للتموضع التركي المستجد، بداية من أستانا1، ونهاية باتفاق سوتشي الأخير، والذي وضعه وجها لوجه مع المشروع الأمريكي – الغربي في سوريا، بعد أن كان في المقعد الأول لعربته الأولى، ويعزى ذلك لسبب الاحتواء الروسي- الإيراني لدوره، والسعي لتحويله من عضو مشارك لعضو محارب للإرهاب، في سوريا والمنطقة.

 

كل ذلك دفع واشنطن إلى اللجوء لسياسات جديدة، تحت عنوان “إشعال” الساحات، وقلب الطاولة، على كامل أركان ما بات يعرف اليوم، بمحور محاربة الإرهاب في المنطقة، من خلال خلط الأوراق جميعها، عبر الدفع لإنشاء موجة صراعات جديدة، تطال الجميع دون استثناء، لخلق أوراق قوة جديدة، تمنح وجودها في المنطقة، إمكانية الاستمرار، لأطول فترة زمنية ممكنة، من باب تحسين شروط التفاوض على الخروج، والذي على ما يبدو بات محسوما بالنسبة لها، أكثر من شركائها..! تمثل ذلك من خلال عدة نقلات نوعية، دفعت بها دفعة واحدة، من حيث الزمان وليس المكان، كان أهمها:

 

أولا: دفع “عصبة” من الانفصاليين الأكراد للتصادم مع الجيش السوري في القامشلي شرق سوريا.

 

ثانيا: اختلاق أحداث البصرة، وتحريك عملائها لعرقلة إتمام الاستحقاقات الدستورية والحكومية في العراق. 

 

ثالثا: حرب اليمن وتطوراتها اليومية، والدعم المفتوح عسكريا وسياسيا، مع محاولات التبرير الدائمة من قبل واشنطن، للفعل الثنائي السعودي – الإماراتي بحق الشعب اليمني، والتي كان آخرها تصريح وزير الخارجية مايك بومبيو، 22 سبتمبر/أيلول الجاري، قائلا إن تحقيق السلام في اليمن “ممكن”، إذا توقفت إيران عن “دعم” ميليشيات الحوثي “الانقلابية” بالأسلحة والصواريخ، التي تطلقها على “الأراضي السعودية” من الداخل اليمني، على حد زعمه…

 

رابعا: قيام مرتزقتها بتنفيذ عملية الأحواز الإرهابية في إيران، صبيحة السبت 22 الشهر الجاري، والتبني المباشر والداعم لشركائها في كل من السعودية والإمارات لهذه العملية، خاصة وأن هكذا نوع من الاختراقات الأمنية، لا تغيب عنها البصمة الأمريكية.

 

خامسا: التغطية على الفعل الإسرائيلي العابث بقواعد الاشتباك في المنطقة، وتبرير اعتداءاته المتكررة على مواقع سوريّة، لحجة ضرب الوجود الإيراني فيها، ومنع نقل أسلحة متطورة لحزب الله، والتي “انتهى الأمر” بالنسبة لها، و”تم وأنجز” بحسب تأكيد أمينه العام حسن نصر الله، في آخر إطلالاته 19 الشهر الجاري، وصولا للوقوع في المحظور الروسي.

 

حيث شكل إسقاط طائرة “إيل-20” مساء 17 سبتمبر/أيلول الجاري، وما رافقها من ردة فعل روسية مفاجئة للجميع، وللإسرائيلي خاصة، من خلال إعلانها على لسان وزير دفاعها، عزم بلاده تزويد سوريا بصواريخ “S-300” الدفاعية، ومنظومة الحرب الإلكترونية (كراسوخا –  (Krasukha، خلال فترة زمنية قصيرة، معربا عن قناعته بأن الإجراءات المتخذة “ستبرد” الرؤوس الساخنة، و”ستثنيها” عن تصرفات “غير مدروسة” تشكل تهديدا للعسكريين الروس، على حد تعبيره.

 

إن تسليح الجيش السوري بهذه المنظومات يهدد “بتصعيد خطير” في المنطقة، كان هذا تعليق مستشار الأمن القومي جون بولتون، أحد أهم صقور الإدارة الأمريكية الحالية، عقب قرار موسكو الأخير فيما يخص صواريخ “S-300″، واصفا إياه أيضا بأنه “خطأ فادح” …! 

 

فهل قرأت الإدارة الأمريكية أخيرا الوضع المستجد في الشرق الأوسط؟ وهل وجدت أن البقاء في وجه الاتحاد الروسي، وعلى هذه الصيغة التي تحاول تكريسها، ليس من صالحها؟ وخاصة أن صواريخها “الذكية” أثبتت عدم نجاعتها، أمام صواريخ موسكو السابقة “السورية المطورة”، منذ الضربة المحدودة في ابريل الماضي.

 

وفيما بقائها أمام منظومة “S-300″؟ التي يصار لتصبح الكلمة الأخيرة فيها للجيش السوري قريبا، ما قد يزيد فشلها فشل، في حال أقدمت على توجيه ضربة جديدة لقواته أو مواقعه، والتي طالما توعدت وتتوعد بها، منذ عزمه مع حلفائه تحرير إدلب.

 

وبناء على ذلك وبحسب تقرير الذي نشرته “وول ستريت جورنال” صباح 26 من الشهر الجاري، ونقلا عن بعض المسؤولين العسكريين الأمريكيين، قولهم:”أن الولايات المتحدة تسحب بعض بطارياتها المضادة للطائرات والصواريخ من الشرق الأوسط”، وهي بحسب الصحفية الأمريكية، تلك المنظومات الموجودة في كل من (الأردن والكويت والبحرين)، معللة خطوة البنتاغون هذه، بأنها تهدف إلى “إعادة توطين” تلك المنظومات، ومشيرة إلى “تحول في التركيز” بعيدا عن الصراعات “طويلة الأمد” في الشرق الأوسط…!

 

كان قد سبق ذلك أيضا، وبحسب ما نشرته وكالة سبوتنيك الروسية، عن مصادر مطلعة بتاريخ 25 من الشهر الجاري، أنه تم التوصل لاتفاق بين الجانبين الروسي والأمريكي، حول مصير “لاجئي مخيم الركبان” والمجموعات المسلحة المرتبطة بقاعدة التنف الأمريكية، واعتبرت المصادر أن “تفكيك” مخيم الركبان، وإخراج المجموعات المسلحة من محيط قاعدة التنف، هي  الخطوات الأخيرة التي ستسبق “الانسحاب” الأمريكي من منطقة التنف بشكل نهائي.

 

في الختام، وبغض النظر عن ما صدر من تحليلات تبعت هذه الخطوات الأمريكية المعلنة، والقائلة أنها “لحلب” وجلب المزيد من المال من قبل دول الخليج، حيث نرى أن الأمر إن صح، فهو لا يستأهل كل ذلك، فواشنطن قادرة على اخذ ما تريد من هذه الدول دون مقدمات، والأمثلة كثيرة قديمة وجديدة.

 

نعتقد أن الإدارة الأمريكية، في كل ما سعت وتسعى إليه، من خيارات اللجوء لإشعال مزيد من الحرائق في هذا الشرق، كان هدفه الوحيد هو استنزاف القوة الروسية، عبر محاولات إغراقها في مستنقعات وساحات جديدة، ولكن القرارات الروسية “الخاطئة” و”الخطيرة” على حد زعم واشنطن وكما يبدو، قلبت السحر على الساحر، ووضعت الأمريكي في موقع المُستنزَف لا المُستنزِف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مهران نزار غطروف