المشهد اليمني الأول/ تقرير – إبراهيم الديلمي

 

مع انحسار الهيمنة الأمريكية على اليمن أكثر وأكثر وخصوصا في الجزء الأهم والأخطر من الخارطة الجغرافية لليمن والذي تمكن فيه اليمنيون من الصمود والثبات أمام أعتى تحالف صهيو أمريكي سعو أماراتي، مؤكدين للعالم برغم الفارق الكبير والهائل في العتاد والعديد، تفوقهم العسكري في كل جبهات المواجهة، ومقدرتهم الفائقة على الاستمرار في المواجهة وامتصاص ضربات العدو مهما طال أمدها أو كبر حجمها.

 

ليس هذا وحسب بل وتصاعدت وتيرة تهديدهم للعمق الاستراتيجي للنظام السعودي والإماراتي سواء بالضربات المنكلة للقوة الصاروخية والبحرية أو بالضربات المتوالية لمجاهدي الجيش واللجان الشعبية في جبهات ماوراء الحدود منذ بداية العدوان وإلى اليوم وباتت تشكل ألما يوميا يقض مضجع مملكة الرمال.

 

وهنا يكمن سر التصريحات الأمريكية الأخيرة التي جاءت على لسان وزيري الدفاع والخارجية الأمريكية وارتكزت على نقطتين:

 

1- دعوة وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ووزير الخارجية بومبيو، التحالف بقيادة السعودية إلى وقف الحرب في اليمن ووقف إطلاق النار خلال ثلاثين يوماً والعمل ضمن مفاوضات للوصول إلى تسوية سياسية ملمحين إلى أن الرياض وأبو ظبي مستعدتان لهذه الخطوة. ومن هذه النقطة نستنتج ثلاثة أشياء:

 

الأول: التسليم الأمريكي بالفشل العسكري للتحالف الأمريكي السعودي الإماراتي وأدواته في حسم المعركة، ومحاولته تدارك ما أمكن بتصعيد عسكري جديد في الساحل الغربي علق عليه الأستاذ محمد عبد السلام رئيس الوفد الوطني المفاوض بأنه تصعيد يعبر عن فشل تحالف العدوان ولا يمكن أن يحقق شيئا.

 

الثاني: أن القناع الأمريكي الذي حاول الأمريكيون به إخفاء حقيقة أنهم مهندسو الحرب العدوانية على اليمن ورعاتها قد سقط بالفعل وبالتالي فالحديث عن مهلة ثلاثين يوم لإيقاف هذا العدوان لايأتي من وسيط وإنما من سيد ضاق ذرعا باستمرار فشل عبيده في تحقيق أي نصر يذكر، وعليه فهذه المهلة ليست سوى ضرب من الوهم تنفيها حقيقة الوضع الصعب الذي يعيشه المرتزقة والغزاة في جبهة الساحل الغربي وعجزهم المتراكم عن تحقيق أي إنجاز عسكري كما أنها فضحت الراعي الأول للعدوان إذ أن دعوته لإيقاف الحرب جاءت متزامنة مع تصعيد وتحشيد على نطاق واسع في جبهة الساحل سعيا للحصول على مكاسب عسكرية واستحواذ على الأرض يمكن استخدامها كأوراق ضغط على طاولة المفاوضات مستقبلا.

 

الثالث: أن التلميح باستعداد الرياض وأبو ظبي للتفاوض يؤكد أن هذه الحرب حرب دولية عدوانية وليس كما يروج لها من المطابخ الإعلامية للعدوان من أنها حرب تحرير وإعادة شرعية، كما أن الحديث عن المفاوضات لم يتم الإعداد لها مسبقا ليس سوى ذر الرماد على العيون وهو ما أكد عليه الأستاذ محمد عبد السلام رئيس الوفد الوطني المفاوض في تصريحاته الأخيرة حيث أكد أن الوفد الوطني لم يتلق أي اتصال أو دعوة من الأمم المتحدة ولا الأطراف الدولية عن جولة جديدة من المفاوضات.

 

2- دعت تلك التصريحات تحالف العدوان إلى وقف الغارات الجوية التي تستهدف مناطق مأهولة، ووقف الأعمال العدائية من جانب أنصار الله، بما في ذلك إطلاق الصواريخ وغارات الطائرات المسيّرة من المناطق التي يسيطرون عليها باتجاه المملكة العربية السعودية والإمارات، ووقف الأعمال العسكرية في جبهات ما وراء الحدود.

 

وهنا يتناقض الأمريكيون مع أنفسهم كما هي عادتهم لأن دعوتهم إلى وقف الغارات الجوية التي تستهدف مناطق مأهولة تعني أن الأعمال العدائية ليست من أنصار الله وإنما هي من تحالف العدوان وهو اعتراف أمريكي بأن كل الغارات التي شنها طيران العدوان قد استهدفت مناطق مأهولة بالسكان وأنها من تسبب في وقوع مئات المجازر بحق المدنيين الأبرياء .

 

على أن المهم في هذه النقطة هو الاعتراف الأمريكي الصريح بالقوة الصاروخية اليمنية وقوة الطيران المسير كأداتي ردع فعالتين، ولطالما دأب النظامان السعودي والإماراتي على إنكار ضرباتهما الأمر الذي يؤكد جدوايتهما في استمرارية تهديد العمق الاستراتيجي للنظامين السعودي والإماراتي، كما لا ننسى أن مسألة إحلال السلام والأمن والاستقرار في اليمن لا تهم الأمريكيين وما يهمهم هو ضمان أمن النظام السعودي وأمن حدوده.

 

وبشكل عام فإن التصريحات الأمريكية الأخيرة كشفت وبجلاء أن الأحلام الأمريكية باستعادة هيمنتها على اليمن من جديد بدأت بالتبخر وأن الإرادة اليمنية ستكون صاحبة الكلمة والقرار والسيادة ولو بعد حين.