المشهد اليمني الأول/

 

قبل ساعات على بزوغ فجر الثلاثين من نوفمبر ذلك اليوم الذي تحررت فيه جنوب اليمن من براثن الاحتلال البريطاني قبل نصف قرن يقرر التحالف الذي يحكم قبضته على المحافظات الجنوبية الاحتفال على طريقته وكأنه باختيار هذا اليوم أراد الإساءة لنضالات اليمنيين بعد أن مزقهم شيعاً وأحزاباً، وأعاد بلادهم ليس إلى حقبة الاحتلال البريطاني بل إلى قرون غابرة وقد بات حال اليمن شبيها ببلاد قوم سبأ أولئك القوم الذين باعد الله بين أسفارهم .

 

كانت المحافظات الجنوبية حتى العام 1967 تئن تحت وطأة الاحتلال البريطاني وقد وزعها سلطنات على موالين له لكن اليوم وبعد 51 عاماً يعيد التحالف رسم التاريخ نفسه وقد قرر تقسيم تلك المناطق إلى أقاليم وفقاً لخارطة الاستعمار البريطاني ووزعها على موالين له أيضاً .

 

تلتقي أهداف بريطانيا والتحالف عند مساعي كلٍّ منهما لنهب ثروات هذه البلد وإثراء الصراعات بين تكويناتها بغية التنكيل بالخصوم وهما اليوم يعملان معاً لأجل تحقيق ذلك مجدداً غير أن الفارق بين الطرفين كبير جداً فبريطانيا ساهمت في نهضة الجنوب حينها لكن التحالف دمر كل ماضي وحاضر البلد وحتى مستقبله ويخطط اليوم لتقاسم ثروات الجنوب ومثلما قاد حربه في العام 2015 باسم إعادة الشرعية لليمن ودمر الجنوب بدعم صراع الشرعية والانفصاليين يقرر اليوم تقاسم الجنوب باسم ذات الخصمين، مع أنه لا الشرعية عادت ولا الانفصال تم وما دام هناك أطماع وأهداف مخطط لها مسبقاً لن تقوم للجنوب ولا اليمن قائمة.. يؤكد ذلك تغذية التحالف لحروب اليمنيين شمالاً بينما يبسط ذراعيه جنوباً فبينما يتقاتل الأشقاء اليمنيون وتتصاعد ثورة الكراهية بينهم يتفق الأعداء الخليجين على طاولة تقسيم اليمن.

 

السعودية التي عُرفت خلال الثلاث السنوات الماضية من عمر الحرب على اليمن بذريعة دعم ماتسمي بالشرعية تعزز حضورها اليوم في حضرموت باسم الشرعية وقد استعانت بالسفير الأمريكي الخميس لحضور مراسم استكمال نشر الموالين لها في مديريات ساحل حضرموت بعد أن ظلت تلك المديريات خاضعة لسيطرة الانفصالين المدعومين من الإمارات وقد مزقوا أعلام اليمن التي كانت مرفوعة بجوار أعلام المملكة في شوارع المكلا قبل أيام.

 

قاد السفير السعودي محمد آل جابر نظيره الأمريكي إلى ساحل المكلا وشهدا على رفع العلم اليمني والسعودي والأمريكي بعدما سلَّما قوات خفر السواحل زوارق حربية لتأمين سواحل حضرموت، تلك القوات تدين بالولاء للسعودية وقائدها عاد لتوه من الرياض بعد اجتماع مع نائب هادي علي محسن.

 

كانت رسالة السعودية واضحة للانتقالي وحتى للإمارات التي لم يُدعَ أيٌّ من مسئوليها لحضور الاحتفال البهيج في المكلا، بأن السعودية تدشن اليوم إقليم حضرموت رسمياً وقد قررت عزل النخبة المدعومة إماراتياً بنقلها إلى مناطق صحرواية غرب المكلا تحت مسمى مكافحة الإرهاب وأسندت مهام إدارة شئون الوادي والصحراء لعصام الكثيري وتتحضر لإزاحة البحسني وإرساله ملحقاً في سفارة اليمن بأبوظبي وهو الذي صعَّد خلال الأسبوعين الماضيين محاولاً إعادة ضم وادي وصحراء حضرموت إلى سلطته في المكلا وحشد لنشر النخبة في تلك المناطق التي تعدها الرياض خطاً أحمر بالنسبة لأمنها على الحدود الشمالية الشرقية.

 

لكن وبالتزامن مع احتفالات السعودية في المكلا نظمت الإمارات التي عُرفت بدعمها للانتقالي حفلاً عسكرياً كبيراً في عدن لقواتها وبحضور ضباط إمارتيين رفيعي المستوى كان الحفل الأكبر وقد شاركت فيه عشرات الألوية مع أنه أقيم داخل معسكر للحزام الأمني.. هذا العرض جاء في وقت منعت فيه الإمارات خصوم الانتقالي في الحراك الجنوبي أو حتى حكومة هادي من إقامة أية فعاليات تذكر ماضي الاحتلال أو حاضره، وقد أوعزت للانتقالي بالاحتفال بالذكرى تحت يافطة يوم الشهيد الإماراتي.

 

مع أن الاحتفالات في المكلا وعدن حملت أسماء الانتقالي والشرعية لكن لا أحد من هؤلاء حضر تلك الاحتفالات التي أظهرت بأن صراع الإمارات والسعودية خلال السنوات الماضية لم يكن سوى معارك لاستنزاف الأطراف المحلية شأنها في ذلك شأن الحرب عامة في اليمن، وقد بدا الطرفان منسجمين تماماً مع خطة التقسيم هذه بينما تصعِّد الأطراف المحلية وقد حشرت في زاوية ضيقة ولا تملك قرار الاعتراض حتى.

 

تؤكد المعطيات على الأرض بأن التحالف ماضٍ في خططه لتقسيم الجنوب ولم يعد خفياً على أحد مشاريع الأقاليم التي فرضها التحالف على القوى اليمنية قبل الشروع في حربه الأخيرة غير أن الحراك الحالي في شبوة يشير إلى أن الخلاف الجوهري بين السعودية والإمارات يتمحور حول من يمتلك قرار التصرف بالعائدات فالإمارات التي تضغط بالانتقالي في شبوة وصلت حد دعمه لإحياء ذكرى طرد الاحتلال هناك ترى في المحافظة بديلاً للغاز القطري الذي تقلَّص بفعل الأزمة الخليجية بينما السعودية ترى ضرورة أن تكون تلك الموارد تحت سلطة الموالين لها في حضرموت لكن ومثلما اتفق الطرفان على صيغة التقسيم سيتفقون حتماً على صيغة التقاسم ووحده اليمني سواء كان شمالياً أو جنوبيا هو الذي سيدفع ثمن المستقبل، وقد أوثقت تلك الدول رباطها بتلك المصالح بحرب تكلفتها تريليونات الدولارات.

 

تقرير : ناصر سيف