المشهد اليمني الأول/

– ليس من إثبات قانوني على مسؤولية إيران عن أي من الحوادث التي تصيب سوق النفط وتتسبب بالمزيد من التدهور في استقراره والمزيد من الصعود في أسعاره، لكن الأكيد أن ما تشهده منطقة الخليج من حوادث تستهدف سوق النفط يتمّ على خلفية النظر إلى مشهد التوتر الناتج عن الاستهداف الأميركي لقدرة إيران على تصدير نفطها من جهة، والرد الإيراني القائم على معادلة، إذا لم نستطع تصدير نفطنا فإن غيرنا لن يستطيع ذلك أيضاً، والعالم كله ينظر للتصعيد القائم الآن وفقاً لمعادلة أبعد من كيف تثبت واشنطن قوتها، أو كيف تردّ واشنطن على ما تتهم إيران به، فالسؤال الكبير دولياً هو مَن يضمن عودة الاستقرار إلى سوق النفط وإلى أسعاره؟

– إذا سلكت واشنطن طريق الاستهداف العسكري المباشر أو غير المباشر، الضيّق والمحدود أو الأوسع، فإن ذلك سيعني تصاعد الوضع أكثر واستدراج ردود على الردود من نوعها، مباشرة أو غير مباشرة، محدودة أو واسعة النطاق، لكن الأكيد هو أن سوق النفط ستبلغ المزيد من الاضطراب والأسعار ستبلغ المزيد من السقوف العالية، وإذا سلكت واشنطن طريق التجاهل واكتفت بالتحذير والسعي لردود دبلوماسيّة، فإن ذلك يقول إن الخط البياني للأحداث التي استهدفت سوق النفط سيتصاعد وبات هو الحاكم المسيطر على معادلات هذا السوق، وعنوانها، إن لم تستطع إيران تصدير نفطها فإن غيرها لن يستطيع.

– بالتوازي تتبقى ثلاثة أسابيع أمام نهاية مهلة الستين يوماً التي ستبادر إيران بنهايتها إلى التخصيب المرتفع لليورانيوم والتخزين لليورانيوم المخصب، وصولاً لامتلاك ما قالت واشنطن ودول الغرب إنه نقطة الخطر، اي امتلاك إيران ما يكفي لإنتاج أول قنبلة نووية، رغم قرارها بعدم فعل ذلك. والسؤال الموازي ماذا ستفعل واشنطن عندها، أو ماذا ستفعل واشنطن قبلها لمنع بلوغ تلك اللحظة، وبمعزل عن المسؤوليات القانونية التي لا تفيد في مثل هذه الحالات تواجه واشنطن أخطر اختبار لمشهد قوتها على الساحة الدولية حيث تبدو كل الخيارات صعبة، ويبدو الزمن الذي تحتاجه واشنطن لاختبار فعالية إجراءاتها الاقتصادية التصعيدية بوجه إيران أكبر بكثير من الزمن الذي وضعت فيه طهران واشنطن أمام اللحظات الحرجة لضمان استقرار سوق النفط ومواجهة مستقبل ملفها النووي.

– الطريق السالك الوحيد أمام واشنطن لتفادي الأسوأ هو استغلال الوقت المتبقي قبل دخول مهلة الستين يوماً حيّز التنفيذ في الشق النووي، والذهاب إلى قمة العشرين في نهاية الشهر الحالي بخريطة طريق، لتأجيل متبادل أميركي وإيراني للحزمة الأخيرة من الخطوات التصعيديّة لستة شهور تمنح خلالها الوساطات الفرص المناسبة للوصول إلى مبادرات سياسية بديلة. وهذا يعني تراجع واشنطن عن كل ما صدر عنها من عقوبات منذ نهاية شهر نيسان الماضي عندما قامت بإلغاء الاستثناءات الممنوحة على شراء النفط والغاز من إيران لثماني دول، وما تلاها من عقوبات على المعادن والبتروكيماويات الإيرانية، مقابل تراجع إيران عن مهلة الستين يوماً، وتوصل الدول المعنية لضمانات للتعاون في منع أي استهداف لأسواق النفط، وسيتلقف الروس والصينيّون والأوروبيّون واليابانيّون هذه المبادرة وتتجاوب معها إيران، التي كان مدخل خيارها التصعيدي التصعيد الأميركي الجديد.

– تبريد التصعيد سيفتح الطريق للبحث عن سقوف منخفضة لتسويات واقعية في سورية واليمن بعيداً عن المطالب الأميركية الوهمية والخيالية. ويفتح طريق تجميد النزاع حول الملف النووي الذي لا يزعج إيران خروج واشنطن منه ولا يريح واشنطن عودتها إليه، ويصعب على الطرفين التنازل في بنوده، وإلا فإن الرعونة الأميركية التي كانت وراء الخطوات الأخيرة في التصعيد تحتاج لخريطة طريق نحو الحرب والفوز بها، وادعاء واشنطن بامتلاكها كذبة ستفضحها كل محاولة للعب بالنار في منطقة تقف على برميل بارود، ربما تكون كلفة الحروب فيه أعلى بكثير من كلفة التسويات، مع فارق أن بين خاسر وخاسر سيختلف الوضع كثيراً. فهناك مَن سيخسر مكانته العالمية كحال أميركا ووجوده كحال «إسرائيل» ونظام حكمه كحال أنظمة الخليج، فوق الخسائر البشرية والمادية المؤلمة التي سيتساوى فيها مع إيران وحلفائها.
ـــــــــــــــــــــــ
ناصر قنديل