المشهد اليمني الأول/

بعض العروض السياسية قد تساعد في حل قضية ما وتسليط الضوء عليها بما يفيدها، أما البعض الآخر، كالمسرحية التي تشهدها المنامة هذا الأسبوع، لا شك أنها لا تساعد إلا في إضعاف القضية محل النقاش في ذلك “المؤتمر”.

بعد كل تصريحات وإعلانات إدارة ترامب على مدار السنوات الماضية بشأن “صفقة القرن” في الشرق الأوسط، تم التحدث صراحة عن جوانبها ليكون الظهور الأول لها مخيباً للآمال، فالحديث عن الجانب الاقتصادي فيها جاء سخيفاً وغير منطقياً، كما أن رفض فلسطين التواجد يعني أنه لا قيمة لتواجد إسرائيل، أي أنها مسرحية عُرضت وهي تفتقد نجومها إضافة إلى نصف الممثلين، حيث أن الدول العربية المهتمة بالصفقة لم ترسل مسؤولين رفيعي المستوى، بل قام الراعي الرسمي لذلك العرض، جاريد كوشنر، بالتحدث عنه باعتباره ورشة عمل، وليس مؤتمر ضخم، قدم فيها “رؤية” وليس خطة.

المسارات الاقتصادية التي تم التحدث عنها تم انتهاجها من قبل، إلا أن الفشل كان حليفها رغم وجود خارطة طريق واقعية ومفاوضين أكثر ثقة وثقلاً، ومع ذلك لا يمكن إنكار أن الفجوة بين أوهام كوشنر وطبيعة الصراع الذي دام حوالي سبعة عقود وحقيقته، باتت أقل وضوحاً عن ذي قبل، حيث غُلفت بوثيقة “السلام من أجل الازدهار”، الوثيقة التي تعتبر كتيباً أكثر منها مخططاً، تحو أطروحات وأفكار لبرامج، تم إلغاؤها بعد أن رفعت الولايات المتحدة يد المساعدة عن الفلسطينيين، والتي بدورها ساهمت في أن تجعل الصورة أكثر قتامة.

بالنظر لرؤية إدارة ترامب للقضية، نجد أنها تأمل أن تقدم حلولاً اقتصادياً ومساعدات مالية للتنازل عن حقوق أساسية، ولو تم الفرض جدلاً أن الفلسطينيين قد يقبلون بهذه المقايضة، رغم أن مقاطعتهم المؤتمر وغياب أي تمثيل لهم يعني أنهم لن يوافقوا، فإنه لو تم التسليم بذلك فإن معظم هذه “الحوافز” الاقتصادية المقدمة وهمية لا أساس لها في الواقع.

الخطة الموضوعة خيالية بامتياز، خطة بقيمة 50 مليار دولار، دون وجود ممولين حقيقيين، حيث يبدو أن واشنطن تناست أن دول الخليج لا تحرص الآن إلا على توطيد علاقاتها مع إسرائيل، واستعدادها الوقوف علناً إلى جانبها وتحمل مسؤولية ذلك.

العديد من المبادرات المطروحة تم اقتراحها من قبل، بعضها منذ أكثر من عقد، وفي ظل الظروف الحالية فهي غير قابلة للتحقيق، ومع ذلك يتغافل الجميع عن أن أكبر عقبة أمام التنمية الاقتصادية هي احتلال الضفة الغربية والحصار المفروض على غزة.

من جهة أخرى، ووفقاً للمعطيات، لا يمكن الجزم بأن الشق السياسي للخطة سوف يتحقق، على الأقل خلال الولاية الحالية ترامب، ومع ذلك فإن سجل هذه الإدارة في التعامل مع إسرائيل يمكن أن يوجه التوقعات إلى مكان معين، العلاقة القوية بين ترامب ونتنياهو، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إغلاق البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، الاعتراف بضم مرتفعات الجولان إلى إسرائيل، جميعها مواقف قضت على أي فرضية لأن يُنظر إلى الولايات المتحدة كوسيط محايد يتعامل بنزاهة.

الكثيرون يشككون في النوايا الحقيقة وراء جهود كوشنر لإنجاح تلك الخطة، فهدفه الحقيقي لا يتمثل في إقناع الفلسطينيين بقبولها، بل يتركز على إلقاء اللوم عليهم باعتبارهم عقبات أمام الطريق للسلام برفضهم للعرض، الغير مقبول بالمرة، في وقت يتم فيه إعادة تشكيل الحقائق على أرض الواقع، بواسطة حكومة إسرائيلية يمينية، وبتشجيع من الولايات المتحدة.

خلال هذا الشهر فقط، شكك كوشنر في قدرة الفلسطينيين على الحكم الذاتي، بينما قال السفير الأمريكي ديفيد فريدمان إن إسرائيل لها الحق في الاحتفاظ ببعض الضفة الغربية، في الوقت الذي أكدت فيه الإدارة الأمريكية على رفضها الالتزام بحل الدولتين، حيث يقول المبعوث الأمريكي الخاص جيسون غرينبلات إنه لا يوجد سبب لاستخدام ذلك المصطلح، لأن “كل طرف يرى ذلك بطريقة مختلفة”.

في النهاية هناك طريقة واحدة فقط لرؤية الحل البديل: دولة واحدة، والتي لا يمكن أن تكون يهودية وديمقراطية في نفس الوقت، والأوهام التي تم عرضها في المنامة لم تنجح في تقديم شيئاً يخفي هذه الحقيقة.