مقالات مشابهة

تحت أضواء ثورة 21 سبتمبر.. قراءة نقدية لديوان “اليمن السعير” للشاعر يحيى الحمادي

المشهد اليمني الأول/

يستهويني الاطلاع على فلسفة من أعتبرهم في الضفة الأخرى، رغم فراغها تتحفني تلك التحليلات والمؤلفات والكتب والأشعار والمقابلات والندوات أكانت تنظيرات منمقة بربطات العنق والبنطلون أو غزوات لأحزمة ناسفة من ثوار ثورة القبور لبن عبدالوهاب، أو حتى عنتريات جوفاء لجنرالات تلحفوا يوماً عباءات النساء وقطعوا لأنفسهم عقد الزواج المحرَّم لسفارات وقنصليات لا مجال اليوم لتغطية قبحها المنقطع النظير في أرجاء المعمورة..

لا شيء يبعث على الاطمئنان وراحة البال في ظروف ومرحلة استثنائية كهذه كيقينك بملازمة خندق حق واضح مقابل فيلق باطل أوضح، ولا شيء أنقى وأتقى وأصفى وأبقى وأشهى لي من بقاء هؤلاء في عوالم نسجتها تخيلاتهم جاهدين الاستعانة بكل ما يُطال وما لا يُطال لبرهنة نظرية ما أو إثبات عكس تاريخ أو حدث ما… مهما كان أحدهم بارعاً في حبك الروايات أو ماهراً برسم الكلمات سيطعن ويُمزق روحه وجسده بشفرات الكلمات الثائرة متمردةً على ذلك الطغيان متلهفةً لنقاء مياه الضفة المقابلة.

فخلف كل حرف وكلمة وشطر وموقف ورصاصة وغارة وعبوة وحزام ناسف إشارة تضع التاريخ والأجيال أمام خيار إجباري لا مناص منه، هو الانحياز الكامل بعيداً جداً عن تلك الفضاءات التي لا تشكل رقماً ليكلف التاريخ نفسه باعتماد خط أو دائرة لها في حاشية أو هامش صفحة من صفحاته، تماماً كمن حاول يوماً من خال لهم أن الانتصار المؤقت يشفع من المسائلة والخضوع للمحاكمة والتحقيق.

فزجوا في مدارس الحكومة أن انقلاب 1948م كان “ثورة دستورية”، حتى جاءت أكاديمية ضمير اليمن الخالد وفنار الوطنية الكاملة الفقيد عبدالله البردوني ليحاكم أولئك ويشير لـ 48م بالانقلاب، فكيف لها أن تكون “ثورة دستورية” وقد نصَّبَ “عبدالله الوزير” نفسه “إماماً” على اليمن وبلقب “الإمام الهادي”، وأطلق على انقلاب فبراير 48م، بـ “الثورة الدستورية”، والدستور ألّفه وكتبه الإخواني الجزائري “الفضيل الورتلاني” وكان الإستعمار البريطاني في عدن ينقل مقاتلين جواً من عدن إلى صنعاء للدفاع عن ذلك الانقلاب!.

في فترة من الفترات عكفت على دراسة الروايات الرسمية الأمريكية لحروبها في فيتنام وكوبا ومبرراتهم للهزائم التاريخية التي لقنتها الشعوب إياها هناك، وكم تمنيت إسناد ظهري على قارعة طريق في سايغون الفيتنامية أو جذع شجرة لحطَّاب كوبي في أرياف هافانا، لأنتشي ما أشتهيه من رائحة النصر، والتلذذ بما في روايات أمريكا المنكسرة والخائبة من شعوب مستضعفة ومظلومة صُبَّ عليها أطنان من قنابل النابالم الحارقة.

ومورسَ بحقها أبشع الجرائم والانتهاكات لاحتلالها وسلب حريتها وكرامتها واستقلالها وحقها الإنساني في الحياة… فأي معاني تفي انتصارك أكثر من رؤية عدوك يحرق أوراقه أو يستخدم عباءه نسائية ليلوذ بالفرار، أو رؤيته يتباكى على شهدائك الأبطال بذريعة التضحية بهم في معارك عبثية وهو لم يوفر طفلاً وامرأةَ وكهل إلا وجفف نسلهم مستخدماً أفتك الأسلحة الحارقة والمدمرة.

وأي شيء يثلج صدرك أكثر من بحث أعدائك عن قشة للتمسك بها محاولين إثبات أخلاقياتهم بإنقاذ عملائهم وادعاء همجيتك، أي نصر بعد نصر اعتراف عدوك بصلابتك وثباتك وعنفوانك والإقرار بفراره وانكساره وضعفه ووهن ادعاءاته الساقطة في أول امتحان لها.

لم أرى بكل من يضع نفسه في الضفة الأخرى أو من أحب نعت نفسه بـ”المحايد” ما يبعث على القلق، وكأن جميعهم ختموا بختم واحد، وأمدهم الله بطاقة عالية لكن مهمتها واحدة هي إعطائنا المزيد من الشهادات بأن قضيتنا عادلة ولا وجود لقضايا في جعبتهم خلا أحلام تائهة لأربعون سنة ويزيد وترفض أن تستفيق مهما بلغت الحقائق من الكبر عتيا.

ينكرون ثورة نقية نقاء جغرافيتها من الفوضى والوصاية والهيمنة بحكم السفارات وبراثن الفساد، وينكرون انقلاب أطاح بجمهورية 26 سبتمبر في نوفمبر 1967م، وأفرغها من مضامينها وقذف بها لعدوتها الأولى والسرمدية، وكانوا الطرف الثالث ضد النظام الملكي والجمهوري الثوري معاً، متناسين الملازم الشاب عبدالرقيب عبدالوهاب الذُبحاني الذي تقدم وتصدى وانتصر، ولو إلى حين، حتى أْستشهد بطل السبعين يوماً بالغدر والسحل في صنعاء يناير 1969م.

واعتدلت الثورة للوصاية، وحررها الشهيد المقدم الحمدي، واعتدلت مجدداً حتى ثورة 21 سبتمبر 2014م، بعد نهب ثورة 11 فبراير وادخالها للوصاية من أوسع الأبواب، جمهوريتنا هي الجمهورية التي سحلتها السعودية ومرتزقتها يوماً ما في شوارع صنعاء وانقلب عليها براثن الإفساد والوصاية، جمهوريتنا اليوم شعلة يحاولون إطفائها بالعدوان الشامل لإعادة “الليالي الملاح” التي ولّت بلا رجعة.

يمتطون صهوة فراش في مناماتهم فاتحين مدناً وأرياف، وكان أقصى ما نتمناه منهم استيعاب قاعدة واحدة فقط أن “التخندق مع أمريكا ووكلائها لأي سبب كان أو ادعاء الحياد سيجبرهم على مغادرة الأخلاق والإنسانية والدين والوطنية”.

ولعل أفضل ماقد يوفر علينا الحديث عن ثورة 21 سبتمبر في ذكراها السادسة أن يتحدث عنها مثقفو الضفة الأخرى، وهم يكررون محاولات اغتيال ثورة 21 سبتمبر، بعد اغتيال ثورتي 26 سبتمبر و11 فبراير، يقول عملاق الفكر والثقافة اليمنية الفقيد عبدالله البردوني في استقراء عن أهداف ثورة 26 سبتمبر بعنوان “أهداف سبتمبر تحت أضواء جديدة” والمنشور في كتابه “الثقافة والثورة في اليمن صفحة 88 – 102”: ((كانت خيانة هؤلاء المحسوبين على الثورة أنكى من هجمات الأجانب والجيران…

فكادت أهداف الثورة ومبادئها ان تضل حبراً على ورق لا ينفذ إليها حس تفسيري ولا يحركها قلم مستبصر، وكانت في أحسن أحوالها مسرودة في بعض كتب التاريخ أو محفوظة في ذاكرة البعض بلا تعليل أو تفسير كأقاصيص الجدات والأمهات عن “الجن وعن الوحوش و “الشيخ شوقع”…

لأن الاستقتال الدفاعي تحول إلى ورقة مربحة في أيدي الانتهازيين والتصالحيين والانهزاميين، فاقتدر هؤلاء بغيرهم من الأعداء أن يسدلوا الستار عن الثورة بما أنتجوا من مسرحيات تصحيحية تعايشية مع الموت)) انتهى الاقتباس.

عقود لم تتزحزح فيها أهداف ثورة 26 سبتمبر قيد أنملة، خلا فترة الشهيد إبراهيم الحمدي، والأسوأ من الساسة الانتهازيين الذين تحدث عنهم البردوني، كان المثقفين الذين تناسلوا إلى اليوم، مكررين المسرحيات الانهزامية المتعايشة مع الموت.

فلا في قاموس هؤلاء بناء أمة تعتمد على نفسها من الملبس والصحة والتعليم إلى الغذاء والطاقة والسلاح لتدافع على نفسها من قوى الهيمنة والوصاية، أو أدنى شعور بالمسؤولية تجاه قضايا الأمة المركزية، أو تموضع وتمركز دولي صحيح يحفظ لليمن مكانة اقليمية ودولية تصون استقلاله ومستقبل أجياله.

مفهوم هؤلاء عن العالم والدولة مزرعة بساتين مليئة بالأزهار والورود، وثقافة حياة استهلاكية انهزامية رسختها معاهد الغرب الاستعماري، إذ تتوقف حواس الإدراك لدى هؤلاء عند أول اختبار يعكر أجواء تخيلاتهم، متجاهلين آلاف الشواهد في الداخل والخارج، حالة تبدو كانفصام شخصية وانفصال تام عن الواقع، هم حتى اليوم لم يقتنعوا بعد أن أي ثورة نقية يجب أن تتكالب عليها أنظمة استعمارية وأدواتها الرجعية.

لأن الثورة لا تقف في وجهها أي خطوط حمراء سياسية واقتصادية وعسكرية، بمعزل عن رأسها ونظامها وآلية حكمها، وهو مسار ثورة 21 سبتمبر، الذي يراه أولئك المثقفون مسار يعكر صفوة حفلاتهم في بساتين ثقافة الحياة الوردية بمجتمع انهزامي واستهلاكي.

في الذكرى السادسة لثورة الحرية والاستقلال، أتحفني ديوان شعر وجدت فيه من الأبيات والأسطر ما تشتهيه روحي لتطمأن أكثر وترتاح لشهادات تنهال على ثورة 2014م، وتثبت بإصرار عجيب بأنها كانت الخيار الأمثل مكاناً وزماناً.

الديوان كان للأخ الشاعر “يحيى الحمادي” بعنوان “اليمن السعير”، يوثق فيه روحية المعارضين للواحد والعشرين من سبتمبر، مدوناً ما يختلج مشاعرهم، ولست هنا بوارد التهجم على أحد أو الثأر من أحد قد لا أتفق معه في مواقفه، وليس بيني وبين من يقفون في الطرف الآخر من أبناء الوطن أي عداوة شخصية بل ننظر لهم بأنهم ضحايا تضليل وتغرير واتباع هوى وسوء تقدير لأمر أو آخر.

ونثق أن اليمنيين سيتصالحون فور زوال المؤثرات الخارجية بني سعود والإسلام الوهابي الدخيل على الأمة ومن خلفهم أمريكا وإسرائيل، أساساً لم تكن معركتنا معهم بغياً ولا عدواناً ولا بطراً منذ الاعتداء على المواطنين في دماج وعمران والمتظاهرين في صنعاء والركع السجود في مساجد العاصمة ونحر الجنود في معسكرات الدولة وهلم جراً من أحداث أجبرتنا على خوض معارك جانبية يعرفون جيداً اليوم أنهم كانوا وما زالوا بيادق رخيصة في أيدي أحذية أمريكا وإسرائيل.

لكن كبر إبليس يأبى ذلك، لذلك كان وسيبقى عدونا الأول أمريكا وإسرائيل مهما شكل هؤلاء من أحزمة دفاع لهم حتماً ستتهاوى، ويوماً ما غير بعيد سيجدون أنفسهم في أقسى مواقف التاريخ إذا لم يصحح مسارهم برص الصفوف وإعادة تقييم الموقف.

ربما لست بمستوى نقد شعراء أكنت بخلاف رأيهم أو معهم، ولسنا ممن ينظر للأمور ويحكمون بعواطفهم سريعاً، رغم أن الشاعر في ديوانه في قصيدة “ردة اليقين” 2013/6/6م يشرح حال ثورة 11 فبراير من نضال الثوار وصبرهم وتضحيتهم ثم يقول: ((“(أفَـقْـنَا عَـلَـى فَـجـرِ يَـومٍ صَـبِي)… و مِـــن (مَـلـعَبِ الـثَّـورَةِ) اقـتَـادَنَا.. دُجَــاهَـا إلـــى “ثَــورَةِ الـمَـلعَبِ”))، واصفاً ذلك الحدث الذي أوقف ثورة 11 فبراير وأحالها إلى أحزاب وصراع.

وربما -أقول ربما- كان يقصد الشاعر خروج المحتفين بالمولد النبوي الشريف للمرة الأولى في العاصمة اليمنية صنعاء يناير 2013م بعد عقود من التغريب ومحاولات طمس المناسبة حتى تشويه المحتفين بها.

فإن كان يقصد الشاعر ذلك، فإنه يوجز للجميع النفسية والروحية السوداء التي تمتع بها خصوم ثورة 21 سبتمبر رغم أنها مناسبة دينية إلا أنهم رأوا فيها عنفوان منقطع النظير لتحظى باعتراف الشاعر بمكانة عملاقة في الساحة اليمنية حتى رأى الشاعر أن عامين من ثورة 11 فبراير ومن تضحياتها وعنفوانها قد تقزَّمت، كما حشود السبعين للعهد البائد.

وأصبح يرى الشاعر واقعاً كل القوى ضئيلة أمام مناسبة دينية بجمع غفير، لكن ربما كان حضورها من جميع المناطق وخطاب السيد القائد ومضامين رسائله الوطنية والإنسانية محلياً ودولياً جعلها مناسبة بحجم “ثورة” -كما وصفها الشاعر- سيما مجرد حدوث هذه المناسبة أعاد مساعي التكفير الوهابي لطمس المناسبة عقوداً إلى الوراء، وأضحت مناسبة واحدة فقط ولساعتين من الزمن بحجم “ثورة” وحدث استراتيجي هام ومفصلي سيغير وجه اليمن على أقل تقدير.

عن سرقة ثورة 11 فبراير مقابل سرقة 26 سبتمبر.. انعدام الأمل واعتراف بانحراف يجب إصلاحه

يتحدث الشاعر عن شوقه للربيع وعن انحراف ثورة فبراير، لكنه يفصح عن روحية الانهزام في سراديب أبياته وانعدام الأمل بالأجيال، يقول الشاعر الحمادي في قصيدة “شوق الربيع” 2013/12/14م مخاطباً الشعب عن ثورة فبراير: ((فتحت الجرح كي يشفى ولكن… جراحاً أخرى حوله نبتَّا)).

ويختم القصيدة بأنه سيفعل كما فعل نبي الله يونس عليه السلام “ابن متَّى” حينما يئس من قومه، وفي قصيدة “ما لا يشتهيه القدح” 2013/12/9م يقول الشاعر: ((أو ثائرين استقالوا قبل ثورتهم… واستنكفوا من سواهم بعدما انبطحوا))، أيضاً كانت قصيدة “مسرح العبث 2014/1/5م حين قال: ((فلا بالربيع اخضرار… ولا في الرياح اللقاح))، كلها أبيات انهزامية ترسخ اليأس وتقطع فيها خيوط وأضواء الفجر والأمل، باستثناء نهاية قصيدة ما لا يشتهيه القدح ثمة بصيص لا يرقى للأمل حتى.

على عكس شاعر ومفكر وأديب اليمن العملاق والفريد الفقيد عبدالله البردوني، تجد الفارق الأسطوري بين حديث الحمادي والبردوني عن ثورة سرقت وربما بتعبير متقارب لكن الاختلاف كان فوق أن يُقارن بين أمل وانهزام.

وضع البردوني الأمل في أروع صورة حينما تحدث عن سرقة ثورة 26 سبتمبر قائلاً: ((والأباة الذين بالأمس ثاروا… أيقظوا حولنا الذئابَ وناموا… حينَ قلنا قاموا بثورة شعبٍ… قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا… ماتَ سبتمبر البشيرُ ولكن… أمة ناهد هواها غلامُ))، بالفعل شتَّان شتَّان.

يوثق الشاعر في أبياته وجود خلل وانحراف كبير في ثورة 11 فبراير، وهو ما يضع تساؤلاً بحجم وطن “ألا يبرر ذلك قيام ثورة أو إصلاح مسارها لانحرافها”؟!، أم يريدون ثورة من عالم بساتين الأزهار وثقافة الحياة الاستهلاكية والانهزامية.

كل ذلك يعطي لثورة 21 سبتمبر المزيد من نقاط القوة مقابل خصومها، فما الفرق بين ادعاء “عبدالله الوزير” بما أسماها “الثورة الدستورية” وتنصيب نفسه “إماما” على اليمن، أو من يزعم الثورية ولا يريد كسر خطوط الوصاية والاستقلال السياسي والعسكري والاقتصادي من أعداء الجغرافيا والإنسان اليمني، أحسن الله لمن قال: “أنا أصدِّق العلم”، وأزيد عليها “المنطق والأخلاق والوطنية”.

انعدام الأمن وانهيار الدولة قبل الثورة

يسرف معارضين ثورة 21 سبتمبر بالتنظيرات المضادة لها جاهدين إثبات عبثيتها لكنهم يعجزون عن اخفاء حقيقة أنها كانت ضرورة عاجلة لوقف مسلسل انهيار، بل سقوط حر للدولة عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وحتى سياسياً، يوثق الشاعر حادثة مستشفى العرضي داخل مجمع وزارة الدفاع اليمنية في قصيدة “نذير” 2013/12/5م، متذمراً من تردي الأمن واختراق العناصر الإجرامية التكفيرية للجيش اليمني: ((وماذا بعد يا أمناً تهاوى… ويا جيشاً دس به بن آوى)).

وفي قصيدة “في العرضي” 2013/12/13م يبحث الشاعر عن إجابة لفهم عقلية عناصر التكفير الوهابي وهم يشرعون بقتل المرضى والأطباء والعزل في المشفى، ويذكر الشاعر أسماء بعض شهداء المجزرة البالغ عدد ضحاياها 56 شهيد و176 جريح، قائلاً عن المجرمين: ((يخطب الحور باغتيال الثلايا… والقهالي والمعمري والشميري)).

وفي قصيدة “نشرة الأعباء” 2015/3/21م يوثق الشاعر حالة الانهيار الرهيب للدولة بسرد جملة أحداث على شكل نشرة أخبار حدثت خلال العامين المنصرمين من تاريخ القصيدة، ويذكر فيها حالة انعدام الثقة بالمجتمع الدولي وما يحيكه للبلاد، وتفكيك سلاح الجو اليمني بتساقط الطائرات، وانهيار اقتصاد البلاد، وانعدام الأمن وانتشار الفوضى والاغتيالات، وتعرض خطوط نقل الكهرباء لأعمال تخريبية.

ليس الشاعر فقط، الجميع يتذكر كيف كانت مجاميع الإرهاب التكفيري تعيث فساداً في المدن والأرياف، قبل ثورة 21 سبتمبر، وكيف كانت منشأة سيادية بحجم “وزارة دفاع”، معرضة لهجوم واشتباك يطول لساعات مع عناصر التكفير المُرتَدين لزي الأمن في الدولة، بل أغلبهم يحملون الجنسية السعودية.

ما جعل العناصر التكفيرية أصحاب اليد الطولى في التخطيط والتنظيم والضرب في قلب ودماغ الدولة، وتنفيذ عمليات اغتيال وفوضى في وضح النهار وفي ساحات حية برجال الأمن والمواطنين، وما تحمله من دلالات كبيرة تشير بجلاء إلى كارثية الوضع الأمني، فإذا كانت “وزارة دفاع” معرضة لهجمات مثل تلك، فما بالنا بمساجد ومواطنين، هكذا كان الوضع والتقييم الأمني…

حدث كل ذلك في وقت زعمت الدول العشر في المجتمع الدولي أنها إلى جانب اليمن وشعبه، يشكك الشاعر في ذلك، موصفاً الحالة الاقتصادية المنهارة بالقول: ((بنك وطني معروضٌ… للبيع ولكن بالآجل))، حتى تساقط الطائرات المريب لقوات الجو اليمنية حجزت لها مكاناً في أبيات الشاعر.

هل من إنسان يعرف كل ذلك عن وطنه ولا يرى ضرورة لقيام ثورة توقف فيضان يدمي كل مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية، ويُحطم ما تبقى من اقتصاد الدولة، وهل من يثبت اليوم أن ثورة 21 سبتمبر جاءت بنفس المسار التدميري، لا أحد يستطيع ذلك، وان قامر بالمحاولة ستغتاله الكلمات قبل أن يُكمل.

فالمناطق المحتلة من العدوان لا تبدأ من الاغتصابات للرجال والأطفال والنساء ولا تنتهي بحرق عظام الموتى وهي رميم، قبل أن تمر على حفلات للاغتيالات والنهب والسلب والبسط، أما على المستوى الاقتصادي فيكفي أن يعرف المرء فارق صرف العملات بين صنعاء ومناطق العدوان ومرتزقته ليكتشف بأم عينه ديناميت فجَّر اقتصاد الدولة على يد عصابة “شرعية التدمير والوصاية”.

ودعونا منطقياً نعتبر فرضية أن ثورة 21 سبتمبر جاءت بذات المسار التدميري، فلن نجد مساحة لسرد ذلك لأن الفارق على أرض الواقع يكاد يكون بأرقام فلكية، حتى إن شاءوا تحميل ثورة 21 سبتمبر مسؤولية ذلك، سيقعون في خطيئة العمر، فلا يبرر لمرء أن يزني بأمه نكاية بأبيه، وهذا ما يعكفون عليه، يرتكبون الموبقات ويقولون أنتم السبب، ينتقمون من كل شيء، نكاية بثورة 21 سبتمبر، هذه وحدها كافية لإثبات نقاء خصومهم.

ثورة عملاقة قزَّمت ما دونها.. التفاف يمني وطني يغضب الأعداء

عندما علم  يهود خيبر أن الإمام علي عليه السلام، قادم لفتح خيبر، لم يحتمل اليهود وقع الخبر على قلوبهم وانهاروا الانهيار المذل بعد استعصاء ذلك لمرتين قبلها، هذا الحضور العرم ندر حدوثه في التاريخ، لكن كان حاضراً في ثورة 21 سبتمبر، رغم ذلك فهي ثورة لم تأتي للانتقام من أحد بل أنها قامت بتنصيب خصومها في موقع مسؤوليات أعلى منها.

وفتحت صفحة بيضاء مع الجميع، كما أنها لم تصل لمراحل مواجهة وكسر عظم إلا بعد التحذير لثالثة ورابعة ونقض الاتفاق ولمرتين، كما حدث في اتفاق السلم والشراكة ونقض الخصوم لها، ثورة نبيلة نقية التف حولها اليمنيين التفاف منقطع النظير، وهذا ما يبوح به الشاعر في قصيدة “عطش” 2014/10/16م عقب الثورة وهو يتألم ويبحث عمَّن يقف بوجه الثورة ولا يجد أحد.

فكان وضع خصوم الثورة كمن يصيح في مغارة معتمة بكل اللغات “any body here – هل من أحدٍ هنا” قبل ارتداد الصوت بالخيبة واللوم -حقيقةً- يعبر الشاعر عن بركان غيض يغلي في أدمغة خصوم الثورة من توفيق الثورة وقيادتها حد المعجزات، في قصيدة “عطش” يقول الشاعر: ((مفروشة بالورد هذي التي… كانت بغير الجمر لا تفرش… أين اختفت تلك الحشود التي… غصت بها الأرجاء أين الحشو)).

ورغم ما تسبب به العدوان والحصار ومحاولات ثني وتطويع الثورة وإعادة البلاد لوصاية الرجعية والاستعمار من مآسي وكوراث وصفها مجلس الأمن “بأم الكوارث في العالم”، يحاول مثقفو خصوم الثورة إلصاق أسباب ذلك بها، يثور بركان الغيض لدى خصوم الثورة من التفاف اليمنيين حول السيد القائد، حمم غيض أثلجت صدري عندما عبَّر عنها الشاعر بالقول في قصيدة “ساعة الصفر”: ((حِـيـنَما قُـلـتُ لِـلـضُّحَى: أَنــتَ مِـنّي… كَــفَّــرُونِـي, وآمَـــنُــوا بــابــنِ بَــــدرِ)).

أكاد أشتم رائحة ضحايا يحترقون لهيباً وهم يتسولون أناس توافقهم الرأي، لدرجة أجبروا على اللجوء لأوراق ضغط وابتزاز وترغيب وترهيب لاستمالة ثلة قليلة، باستثناء من لهم باع في الخيانة والتكفير، وحدتهم المصالح اللا مشروعة ومازالوا مختلفين.

على عكس من التفوا وآمنوا بقيادة الثورة ونهجها الصادق مع الله ومعهم، فانطلقوا أفواج أفواج بأنفسهم وأموالهم رغم الرغم، وحدتهم القضية المشروعة والمحقة وكل يوم يزدادون صلابة وشموخ مقابل تشرذم وتفتت الخصوم، والمقارنة معيبة بين الأخذ والعطاء، بين الإرغام والإقدام.. الحرية والعزة والكرامة التي وجدوها مع قيادة الثورة جعلت اليمنيين يكفرون بخصوم الثورة على لسان الشاعر.

شعور بالجوع لمفردات ليست من مستواهم

مثقفو خصوم الثورة يشعرون بالجوع لمفردات تبقي على أقنعتهم السوداء، يحاولون الظهور بمظهر الحمل الوديع، ويستخدمون عبارات ليست من مستواهم، في قصيدة “خطاطيف” 2015/4/30م يقول الشاعر: ((أخاف على الأخوة من صراع… وفرز بالهوية واللباس)).

يا للعجب فهؤلاء كانوا يتباكون قبل قليل لماذا يكفر الناس بهم ويتساءلون أين الحشود ويريدون فرش الأرض بالجمر، وهناك في قصيدة “شهقة واقفة” يعبر الشاعر عن كرهه للحرب، وفي قصيدة “طلع القبح” يتحدث عن تناثر إخاء العيش والملح.

خصوم الثورة يشعرون بالجوع لهذه المفردات الإنسانية بالرغم أنها ليست من مستواهم ولا يمكنهم تطبيقها، فالبصير المبصر الفقيد عبدالله البردوني كتب مقال بعنوان “الوطنية الكاملة” منشور في كتابه “قضايا يمنية” قال فيه أن: ((الوطنية لا تقبل التوسط فليس هناك إلا وطنية كاملة أو لا وطنية.

كل عميل يخلو من الوطنية نهائياً، أو حتى دعواها ببراعة يعجز عن تحقيق مصالحه ومصالح أسياده، ولهذا يشترط في العميل أن يمتلك نصف وطنية على أي منظور أو دعوى وطنية، لأن العميل مهما كان تابعاً فلابد له من أتباع، لكن النصف الوطني ينتهي عندما يوجد الوطني الكامل الوطنية))، انتهى الاقتباس.

يحاول خصوم الثورة إبراز نصف الوطنية عندما يعجزون عن تحقيق مصالحهم ومصالح أسيادهم، يرفعون كتاب الله على أسنة الرماح، يذرفون دموع التماسيح، يتحدثون عن الإنسانية كما تحدثت الروايات الأمريكية عن انسانية الاحتلال الأمريكي في إنقاذ عملائهم في سايغون الفيتنامية من همجية الثوار المتمردين، يتحدثون عن تضحيات شهدائك وكأنهم ضحايا يساقون للموت كما تحدثت أمريكا عن ثوار كوبا.

يتحدث هؤلاء المثقفون عن خوفهم من صراع بالهوية بعد أمنياتهم بفرش الأرض بالجمر، وخوفهم من صراع بالهوية واللباس، وفي جغرافيا ثورة 21 سبتمبر تجد في مساجدها من كل الألوان، فيما سينال أي مرتدي “للجنبية” في مساجد عدن وتعز المحتلة ألف رصاصة وسهم وسيتم سحله حتى يذاب العظم منه.

وسيقومون في مأرب بشواء دماغ من يصلي “مسربل” ويقتلعون كبده ولن يكتفوا حتى تجفيف سلالته كما فعلوا بأسرة “آل سبيعيان”، يا لهذه الانسانية ويا لهذه المخاوف التي تنتقي مفردات ليست من مستوى قائليها لأن خصومهم أكثر من عانى ونزف، فما أقبح أن تطلب ممن أطلقت النار عليه ترك سلاحه وإلا ستقع الفتنة!.

مواجهة الثورة بالأكاذيب والتلفيقات يزيدها نقاء

الأكاذيب والتلفيقات وقلب الحقائق والتشويه والابتعاد عن الحقيقة والواقع كان غذاء خصوم ثورة 21 سبتمبر منذ البداية، وهي أسباب أمدت الثوار بجرعات طمأنينة وراحة بال وسكينة في مواجهة عدوان عالمي ومحلي بفيلق العمالة والمخدوعين المدعومين بأموال وأسلحة أغنى وأقوى دول المنطقة والعالم، لم يدركوا أن الضجيج والمغالطات والمكايدات التي أرادوا إشعالها في صدورنا كانت تتكدس في مخازن ديناميت وصواعق احالتهم لأشلاء عندما أرادوا تفجيرها.

في يوم جريمة العدوان في حي عطان، الجريمة التي قيل عليها “هيروشيما اليمن” بقنبلة فراغية مدمرة، في واحدة من أبشع جرائم الحرب على اليمن، خلفت  84 شهيداً و800 جريح من المواطنين وأحدثت دماراً واسعاً طال مئات المنازل والمنشآت الخدمية والمدارس والمساجد والشركات والممتلكات العامة والخاصة على مسافة 6 كيلومترات من مكان الانفجار.

وثق الشاعر الجريمة من منظور خصوم ثورة 21 سبتمبر، في قصيدة “في الحطمة” 2015/4/20م يعتبر الشاعر ما تعتبره نفسية وروحية خصوم الثورة بمسببات الكارثة وهي مخازن وصواريخ ومعسكرات قرب مدن ومناطق آهلة بالسكان، إذ يقول الشاعر: ((تجشأت الجبال بثلث قرن… تكدس مثلها شكلا ونوعا… تجشأت الجبال فأوجعتنا… كمن جمع السلاح بها واوعى)).

ولاحقاً موقع “إسرابوندت Israpundit” الإسرائيلي ينشر تقريراً للمتخصص الأمريكي “توماس ويكتر” يثبت فيه بأن سبب الدمار الهائل كان مخيباً لآمال غرف العدوان وأدواتها ومثقفيها وشعرائها ولم تكن مخازن لصواريخ وأسلحة، بل قنبلة خارقة للتحصينات شبيهة بـ “أم القنابل MOAB” الأمريكية ألقتها السعودية على عطان بمساعدة إسرائيلية، كما يقول التقرير الاسرائيلي.

جرت العادة في كل جريمة يرتكبها تحالف العدوان الأمريكي السعودي أن يقوم بالتبرير لها مع جوقة مفلسين بحسب مكان وطبيعة الجريمة، فالأسواق بسبب تواجد قيادات حوثية، وصالات العزاء بسبب انفجار من الداخل، والمدارس والمشافي والملاعب والجسور بسبب تخزين أسلحة فيها، والجبال بسبب مخازن صواريخ وهلمَّ جراً.

ولاحقاً يتبين في كل مرة للأشهاد بأن الأسلحة والصواريخ والقيادات والمخازن بريئة من تلك المزاعم براءة الذئب من دم يوسف، أكاد أقول شكراً لهم لأنهم يقذفون بأنفسهم خارج حدود الإنسانية التي لا تتشرف بإصدار حكم البراءة على القنابل ولا تتبجح بإدانة أشلاء الشهداء والدم المسفوك ظلماً وعدواناً.

نموذج فريد لديمقراطية وحرية ثورة

لست في هذه الفقرة في موقع الهجوم على الأخ الشاعر فكما ذكرت أننا نعتبر جميع خصومنا المحليين ضحايا الرغبات والتضليل، لكن حقٌ علينا أن نذكر تعامل الثورة مع خصومها، بعد ساعات على انتصارها وقعت اتفاق السلم والشراكة وقامت بتنصيب خصومها في مواقع أعلى منها، وهذا لا ولن يحدث في التاريخ، وكذلك تعاملت مع فتنة ديسمبر 2017م بالصفح عن كل المغرر بهم، وإلى اليوم تتعامل مع الجميع برحابة صدر منقطع النظر.

يبرهن تحامل الشاعر الحاد على ثورة 21 سبتمبر عقليه فئة في المجتمع لم تنتقم منهم الثورة، في قصيدة “فوضى” 2017/7/15م يقول الشاعر: ((وقومٌ ينصرون الله زعماً… وهم لم يقيموا لله فرضا… أيحيون الجهاد وقد أماتوا… بلاداً أهلها جوعى ومرضى))، في الشطر الثاني أسلوب اتخذته الروايات الأمريكية لتبرير هزيمتها في كوبا أن “الميليشيا المتمردة” عليها ضحت بالناس ودمرت البلاد.. إلخ.

لكن في البيت الأول جزئية هامة بصرف النظر عن المغالطات حسب تخيلات خصوم الثورة، يمجد الشاعر حقيقة نموذج فريد لحرية وديمقراطية قد لا يجدها في أمريكا إن كان أسمراً، وقد يرى سجون اغتصاب الرجال والعذابات الإماراتية إن كانوا من ينتقدهم شعراً، وقد يزج في زنازين إخوان قطر كما حدث للشاعر “ابن الذيب العجمي”.

وقد يخفى من على وجه الأرض إن كان خصماً لأردوغان وثوراته الملونة، أو يقذف به إلى غياهب السجن مع دفع دم قلبه “وتحويشه العمر” ثمناً لشطر تغريدة على “تويتر” أو منشور “فيسبوك” في مملكة “آل سعود” ومشيخة “آل زايد”.

لكن في ثورة 21 سبتمبر هذا غير وارد، ولا يستغرب القارئ العزيز، أن هذا الديوان تم طباعته في العاصمة صنعاء الثورة، وأن هذا الشاعر برغم كل ما قاله بحق الثورة يقطن في صنعاء الأمن والأمان، وربما لا يأمن على حياته في تعز وعدن ومأرب، وهذا رصيد لا يعلى عليه يضاف لجعبة ثورة 21 سبتمبر المجيدة.

المسألة ليست مزاجية

أسرى لرغبات ليس لها وجود على أرض الواقع، يقولون “مالنا ومال أمريكا، علينا بأنفسنا”، وهل تركت أمريكا شيئاً لأنفسهم سوى ثقافة استهلاكية انهزامية متعايشة مع الموت، وهل كانت حميتهم وغيرتهم تجاه عدوان خارجي ما رأيناه ونراه على أبناء جلدتهم فأصبح الغازي محرر وابن البلد محتل، والجلاد ضحية، والضحية جلاد، وكأنها مسألة مزاجية تحتمل الصواب والخطأ.

أعجبتني مستشارة الرئاسة السورية الدكتورة “بثينة شعبان” عندما قيل لها أن المعارضة السورية تعتبر الحكومة وحلفائها ضد البلد وأن كل طرف يعتبر الآخر وحلفاءه ضد البلد، قالت أن “الأمر ليس أمر مزاج وليس رأي شخصي، هناك تاريخ وحلفائنا كانوا دائماً مع البلد، أما حين يريد البعض اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية التي أخذت 35 فيتو ضد القضية الفلسطينية هي بمثابة حليف فهذه مشكلة”.

جوع للخبز أم الكرامة؟

مشكلتنا مع خصوم الثورة عدم استيعاب وحشية أعداء الأمة والإنسانية الذين لن يسمحوا لهم باستخراج ثرواتهم وزراعة أرضهم ليبنوا مجدهم بكل حرية إن كانت تعنيهم مفردات العزة والكرامة، لكن هؤلاء لا مانع لديهم من امتهان كرامتهم كما أهينت وتهان ألمانيا واليابان رغم الاقتصاد والتقدم أقزام بالكرامة، أو بالأحرى أصبحوا انهزاميين متأثرين بثقافة الحياة الاستهلاكية ولا يعنيهم سوى الغوص بين بساتين الأزهار في عوالم العيش الوردي الرغيد.

وهذه الحياة للأسف لم يجدها حتى أنبياء الله تعالى المعززين بمعجزات من الخالق جلَّ وعلا، تلك الحياة لا توجد سوى في جنة النعيم، هناك حيث قال الله تعالى: ((لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا.. إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)) 25-26 سورة الواقعة، بدون جهاد ومواجهة مع أعداء الله والإنسانية المنصوص ذكرهم في القرآن الكريم لا معاني للحياة سوى أن يصبح الإنسان كالأنعام بل أضل.

ربما أراد الدكتور “عبدالعزيز المقالح” في مقدمته لكتاب “اليمن السعير” أن يقترب من معاناة الشعب جراء مسببات واضحة ومسببين أوضح من عدوان وحصار عالمي، وربما كان محقاً بالحديث عن مضمون الديوان وما يعانيه الإنسان اليمني من “جوع إلى الخبر، وجوع إلى الأمن والاستقرار”، لكن الانسان اليمني حتماً لم يكن جائع للعزة والحرية والكرامة، التي يفضلها ملايين الجوعى للخبز عن العيش في مزرعة أبقار وأغنام مطيعة لمن يرغب.

تعلمنا من ملايين القبور التي تلقت قنابل الحقد على امتداد الأرض من فيتنام إلى كوريا الشمالية حتى كوبا وفنزويلا إلى العراق والهند إلى كل مستعمرة بريطانية ومحمية أمريكية حطمتها جالونات من دماء ملايين الشهداء وسحقتها جبال العزة والكرامة.

تعلمنا منها أن الثورة يجب أن تزعج أمريكا وإسرائيل وبريطانيا ومحميات الوصاية والتطبيع، ليست ثورة من لم تُحشد لها الحشود وتُجمع لها الجموع وتفتح في سبيل اخضاعها خزائن الذهب والدولار وبراميل النفط، يجب أن تقف الثورة وثوارها منفردين في مواجهة كل أموال الأرض لحماية ثروة أبنائها وصون كرامة وعزّة شعبها الذي اختار جوع الخبز على جوع الكرامة.

كما وقف بطل السبعين يوماً الشهيد عبدالرقيب وحيداً مع بضعة صامدين.. ثورة 21 سبتمبر أعادت للمصطلحات مكانتها بعد غربة دهر، ثورة عالمية عابرة للحدود خلدها خصومها مفكرين وكتاب وشعراء قبل أن يخلدها التاريخ في أنصع صفحاته بحبر الدم ودموع اليتامى.. وان غداً لناظره قريب.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
جميل أنعم العبسي