مقالات مشابهة

مصر بلا “حماية مدنية”.. كيف باتت دولة السيسي عاجزة في مواجهة الكوارث؟

قبل نحو 255 عاما وتحديدا سنة 1766، عرفت مصر أول عربة إطفاء للحرائق، وكانت عبارة عن صندوق خشبي يرتكز على 4 عجلات، وتتحرك بواسطة الخيل، باستخدام العربة عن طريق سحب الماء من أي مصدر للمياه (بئر- ترع) من خلال طلمبة ماصة كابسة.

عربة الإطفاء هذه، حسب صحيفة الأهرام المصرية (حكومية)، كان يعمل عليها 4 رجال إطفاء، وكان ذلك دلالة على اهتمام الدولة آنذاك بالحماية المدنية وتأمين المجتمع من الكوارث والحرائق.

اليوم تتعالى صرخات المواطن “احنا غلابة ملناش ثمن.. الناس كل دقيقة بتموت” أمام عقار جسر السويس المنهار في القاهرة، معبرا عن سخطه من غياب المسؤولين عن سرعة الاستجابة لإنقاذ المنكوبين.

هذه الحادثة وحوادث أخرى متكررة في جميع أنحاء مصر، كشفت عن ضعف قطاع الحماية المدنية وقلة حيلته أمام الكوارث الكبرى والمتعددة، وهو ما ظهر في تأخر وصول فرق الدفاع المدني، وقيام المواطنين تطوعا بتدارك الأمور.

الحماية المدنية
عرفت مصر أول هيكل تنظيمي للحماية المدنية بشكل رسمي عام 1960، وبحسب الموقع الرسمي لمجلس الوزراء المصري، فإن “مصلحة الدفاع المدني في وزارة الداخلية هي الجهة الرسمية المنوط بها قانونا مواجهة الكوارث”.

لكن أجهزة الحماية المدنية حتى تعمل بشكل فعال لابد من توفر متطلبات مهمة للقيام بدورها في إدارة الكوارث ومواجهتها بفاعلية، وتتمثل في امتلاك الأدوات والمعدات اللازمة، والموارد المالية والبشرية، بالإضافة إلى التنظيم، والتخطيط، والتدريب، فجميع هذه العناصر ترتبط ببعضها بحيث تؤثر على مدى فاعلية أجهزة الدفاع المدني في مواجهة الكوارث.

وحسب دستور المنظمة الدولية للحماية المدنية، التي تأسست في مارس/ آذار 1972، فإن أعمال الدفاع المدني داخل الدول، تتمثل في:

تقديم الإغاثة للمتضررين في حالات الطوارئ.

إعداد المتطوعين للقيام بأعمال الدفاع المدني.

تنظيم قواعد ووسائل السلامة والأمن الصناعي.

مكافحة الحرائق وإطفائها وأعمال الإنقاذ والإسعاف.

إنشاء غرف عمليات ومراكز الدفاع المدني ووضع المواصفات العامة للمخابئ والإشراف عليها لوقاية السكان.

إحداث وإعداد تشكيلات الدفاع المدني من مختلف الاختصاصات وتجهيزها بالعتاد والوسائل اللازمة.

تخزين مختلف المواد والتجهيزات اللازمة لاستمرار الحياة في حالات الحرب والطوارئ والكوارث.

إعداد وتنفيذ ما يلزم من إجراءات تهدف إلى تحقيق السلامة وتجنب الكوارث وإزالة آثارها بما في ذلك تقديم الإعانات النقدية أو سواها.

استخدام وسائل الإعلام لتحقيق أهداف الدفاع المدني.

تنفيذ خطط الإخلاء والإيواء في حالات الطوارئ.

ويقود مصلحة الحماية المدنية في مصر اللواء أسامة فاروق، الذي تم تصعيده إلى رئاسة القطاع في 18 يوليو/ تموز 2020، بناء على حركة تنقلات أصدرها وزير الداخلية محمود توفيق.

وجاءت حركة التنقلات في قطاع الحماية المدنية، بعد انتقادات وجهت إلى وزارة الداخلية والحكومة بسبب الأداء الكارثي للمؤسسة في عدد من الأزمات على رأسها الحريق الضخم الذي نشب في القاهرة بمنطقة الموسكي، في مايو/ أيار 2019.

الحادث سمي إعلاميا بـ”كارثة الرويعي”، حيث نشب الحريق في عمارة تجارية بأول شارع الموسكي وتحديدا في حارة اليهود، عقب صلاة الجمعة، وبدأ في 3 محلات لبيع الملابس بالطابق الأول، وسرعان ما امتد إلى باقي الأدوار، وتسبب في خسائر كبيرة، وعجزت الحماية المدنية عن إخماده لمدة يوم كامل، فيما تحمل الأهالي الدور الأكبر في عمليات الإخماد والإنقاذ.

غياب كامل
شهدت مصر خلال الأيام الأخيرة سلسلة من الحوادث المفزعة في عدة محافظات وفي قطاعات مختلفة، ففي 26 مارس/ آذار 2021، وقعت حادثة اصطدام قطاري سوهاج بصعيد مصر، التي راح ضحيتها 32 شخصا حسب ما أعلنته وزارة الصحة، بينما قال شهود عيان من موقع الحادث إن عدد القتلى يتجاوز 490 مواطنا.

الواقعة تعد من أفدح حوادث القطارات في السنوات الأخيرة، وشهدت غيابا كاملا لمصلحة الحماية المدنية، حيث لم يصل أفرادها ولا معداتها إلى موقع الحادث.

وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي حديث أحد المواطنين من قلب الحدث، الذي أكد أن أهالي مركزي “طهطا والمراغة” هم الذين تحملوا عمليات الإنقاذ والمساعدة في انتشال القتلى والمصابين، بينما لم يكن أي وجود للأجهزة الرسمية وفرق الإنقاذ إلا بعد قرابة 5 ساعات من وقوع الحادثة.

وفي 27 مارس/ آذار 2021، شهدت مصر حادثة مؤلمة بانهيار عقار في إحدى شوارع منطقة جسر السويس بالعاصمة القاهرة، ووصل عدد الضحايا إلى 25 قتيلا بالإضافة إلى عشرات الإصابات.

ورغم أن العقار في منطقة قريبة من وسط القاهرة، لكن سرعة استجابة الأجهزة كانت ضعيفة، وتأخرت قوات الحماية المدنية في الوصول عدة ساعات، بينما كان الأهالي هم الذين يحاولون الإنقاذ وسط صرخات وبكاء من المواطنين.

وفى كل مرة ينهار عقار يأتي التساؤل هل تستطيع مصر والأجهزة الحكومية تحمل تبعات كارثة كبرى مثل الزلزال؟. حسب التقديرات الرسمية الصادرة من جهاز التفتيش الفني على سلامة البناء، في 18 أبريل/ نيسان 2018، فإن عدد المباني الصادر لها قرارات إزالة يبلغ 60 ألف عقار.

فى حين قالت دراسة للمركز المصري للحق فى السكن إن 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى الجمهورية، وأن محافظة القاهرة بها أعلى نسبة عقارات صدرت لها قرارات إزالة، كما أن الإحصائيات غير الرسمية تؤكد أن هناك أكثر من 7 ملايين عقار مخالف في مصر، بحسب صحيفة أخبار اليوم (حكومية).

تلك العقارات القاطن بها ملايين من المواطنين ما هي إلا قنابل موقوتة، ولا توجد في مصر مصلحة حماية مدنية قوية قادرة على استيعاب أزمة كبرى متعلقة بانهيارات المباني أو العقارات، وهو ما تم اختباره في حوادث صغيرة مثل انهيار عقار جسر السويس، وفق مراقبين.

سياسات معيبة
الباحث المصري في السياسات العامة، الدكتور أحمد محسن، وصف تعامل الحكومة مع الأحداث الطارئة والكوارث غير المتوقعة باتباع “سياسات معيبة” وقال لـ”الاستقلال”: “النظام المصري في حالة الجائحة أو الأزمات يسعى إلى الحفاظ على نفسه أولا من الانهيار، ويزيح عن كاهله عبء الحل وإدارة المشكلة، وهذا فرق كبير ما بين الدول المتقدمة والمتأخرة”.

وأضاف: “عند الحديث عن قصور قطاع الحماية المدنية في مصر، فإنه يرجع إلى الدولة في الأساس التي ظلت لسنوات طويلة لا تعمل على تنمية مواردها البشرية، ولا تضع على رأس هذه المنظمات كفاءات مناسبة تستطيع وضع خطط مستقبلية، وتقوم بجمع المعلومات وتحليل البيانات حتى تستطيع أن تتجاوز العوائق”.

وأوضح أن “جائحة كورونا على سبيل المثال كشفت ضعف إمكانات النظام المصري على جميع الأصعدة، بما فيها الحماية المدنية، فهناك قرى بالكامل أصيبت بالكورونا وكانت نداءات الاستغاثة تخرج بمحاولة توفير اسطوانات الأكسجين والأدوية”.

وأردف: “وفي ظل عجز المستشفيات، كان الدفاع المدني يمكن أن يقوم بمحاولة سد الثغرات الخاصة بالدعم اللوجيستي ويقوم بتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات ووضع مستهدفات خدمية لتقليل تبعات الأزمة، لكن على العكس الذي لعب الدور الأهم الأهالي المتطوعون، الذين يمثلون خط الحماية الأول والأخير في مثل هذه الظروف”.

خلل بالغ
عضو هيئة الإغاثة الإسلامية الدولية المصري، عبد الله علي، قال لـ”الاستقلال”: “من العجيب أن دولة بحجم مصر وكثافة سكانها وتقاطعاتها المختلفة، تمتلك نظام حماية مدنية ضعيفا للغاية، وهو أمر ليس بمستجد بل متكررا عبر تاريخها الحديث”.

وأضاف: “لقد شاركت ضمن المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية في إزالة آثار زلزال أكتوبر/تشرين الأول 1992، الذي ضرب بقوة العاصمة المصرية القاهرة، وتسبب في ضعف بالغ للبنى التحتية وانهيار عدد من العقارات، وتشريد عدد كبير من الأسر”.

وتابع: “كانت الحالة آنذاك أشبه بالفوضى ولولا وجود المؤسسات الخدمية خارج نطاق الحكومة، والمتطوعين الشباب خاصة من جماعة (الإخوان المسلمين) لوصلت الأوضاع إلى درجات مأساوية”.

وأردف: “الطاقة الاستيعابية للمستشفيات كانت قليلة للغاية، والمعدات والأفراد التابعون للحماية المدنية كانوا قلة، ومعدومي الخبرة في التعامل مع الكوارث الكبرى، وهو ما كشف بوضوح عن خلل بالغ في القطاع الحيوي”.

وذكر الناشط المصري: أن “الغياب الملحوظ والضعف الظاهر في قطاع الحماية المدنية المصري، والذي ظهر في حوادث مثل قطار سوهاج أو انهيار عقار جسر السويس، أو الحرائق الكبرى كالتي حدثت في الموسكي، أو حتى في ظل أزمة كورونا، يؤكد أن البلاد غير مؤهلة لاستقبال كارثة كبرى لا قدر الله”.

عضو هيئة الإغاثة الإسلامية أكد أن “طاقة الدولة المصرية أصبحت موجهة للمعارك السياسية، ومعالجة الإخفاقات الاقتصادية، وتدور كلها في فلك الحاكم، وميزانية وزارة الداخلية التي تتبعها إدارة الحماية المدنية، موجهة إلى الأسلحة والمدرعات فقط”.

وختم علي حديثه قائلا: “أما الإنسان المصري فيأتي في أسفل سلم اهتمامات الحكومة، وهو ما يظهر عموما في الدول المتأخرة ودول العالم الثالث، فإذا أردت أن تعرف نهضة أي بلد فانظر إلى قطاع الحماية المدنية بداخلها، كلما كان أقوى وأكثر جاهزية، كلما دلل على تقدم هذه الدولة وصعودها إلى مرتبة راقية”.

  • كلمات مفتاحية
  • مصر