مقالات مشابهة

ماذا يعني ألا تسمح باكستان مُطلقاً للأمريكيين استخدام قواعدها لمُحاربة “طالبان” بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟

فيما يَعرِض الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، خدماته للبقاء في أفغانستان، دون شَرحٍ تفصيليّ، وتقديم خدمات قوّات بلاده العسكريّة لحماية مطار كابول، والسفارة الأمريكيّة التي يجب أن تبقى تعمل بأمان وفق تصريحات مُستشار الأمن القومي الأمريكي، تأتي تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني على النّقيض تماماً، وفي توقيتٍ يبدو أنه تعمّد اختياره، مع استمرار انسحاب القوّات الأمريكيّة من أفغانستان.

تبدو أمريكا مُضطرّةً للانسحاب الكامل من أفغانستان، والذي تتمّه خلال أشهر قليلة (11/سبتمبر/ 2021) بعد عشرين عاماً على تدخّلها العسكري في البلد المذكور وحجّة هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لكنها تُريد أن تضع أساسات لحماية مصالحها والحكومة الأفغانيّة المركزيّة، وعدم عودة أفغانستان لسيطرة حركة “طالبان” بالكامل حيث حكمت الأخيرة البلاد بين عامي (1996- 2001) قبل الإطاحة بها، وعودتها سيناريو مُرجّح مع سيطرتها على أجزاء كبيرة في البلاد، فالحركة المُتّهمة بالإرهاب، طالبت جميع القوّات الأجنبيّة عدم التأمّل بالبقاء في بلادها، واعتبرتها قوّات غير شرعيّة، وبالتالي ستكون ضمن الاستهداف، والتركيّة التي أكّد الرئيس أردوغان أنها موثوقة ستكون على قائمة الاستهداف أيضاً.

ليس من مصلحة رئيس وزراء باكستان أن تكون بلاده قواعد لاستخدامها وتحت مظلّة ما تقول الولايات المتحدة الأمريكيّة بأنه مُكافحة الإرهاب، أو في الحقيقة هو استهداف لحركة طالبان التي ترتبط مع باكستان بعلاقات قويّة، وإن كانت قد خرجت طائرات بدون طيّار عبر الحُدود من الأراضي الباكستانيّة.

خان.. لن يسمح مُطلقاً للأمريكيين

يبدو عمران خان، عازماً هذه المرّة، على تعكير صفو المُخطّطات الأمريكيّة، وحتى التركيّة من داخل أفغانستان، حيث قال خان وبتصريحات لموقع “أكسيوس” الأمريكي، أنه “لن يسمح مُطلقاً” لوكالة المخابرات المركزيّة باستخدام قواعد على أراضيه للقيام بمهام مُكافحة الإرهاب عبر الحدود، وبعد انسحاب القوّات الأمريكيّة من أفغانستان، وهو ما يطرح تساؤلات حول وضع القوّات التركيّة أمنيّاً التي قال رئيسها بأنها ستكون الموثوق والبديل عن الأمريكيين بعد انسحابهم، ونجاح دورها من عدمه في تأمين مطار كابول، والسفارة الأمريكيّة، مع وجود شُكوك حول القدرات الأمنيّة للقوّات الأفغانيّة الحكوميّة، وإن كان البعض يتحدّث عن تدريبها أمريكيّاً بشكل يمنع سقوط الحكومة المركزيّة الحاليّة، مع تراجع التعويل على المحادثات بين طالبان وحكومة غني التي تُشرِف عليها قطر.

تبدو تصريحات خان، صارمةً، وواضحةً هذه المرّة، فهو يُقر بأن بلاده سمحت للأمريكيين باستخدام قواعدها لمُكافحة الإرهاب، وهي لن تسمح مرّةً أخرى للمخابرات الأمريكيّة باستخدام قواعدها علناً لعلّه وسرًّا في ظِل حكمه.

أساساً، طالما عارض خان تعاون باكستان مع الولايات المتحدة الأمريكيّة في الحرب على الإرهاب وفق الموقع الأمريكي “أكسيوس”، وبالتالي قد تكون المخاوف الأمريكيّة في محلّها بما يتعلّق بتحوّل أفغانستان إلى قاعدة لحركة طالبان، ومُهاجمة الأخيرة بالتالي الأهداف الأمريكيّة.

الموقع الأمريكي الذي أدلى خان تصريحاته من خلاله، قال إن المسؤولين الأمريكيين يأملون في أن يتوصّلوا إلى “ترتيب سرّي” مع أجهزة باكستان العسكريّة، والاستخباريّة، لكن هذا “الترتيب” وفق المراقبين يزداد صُعوبةً مع تصريحات خان بأنه لن يسمح مُطلقاً باستخدام قواعد بلاده ضد أفغانستان، كما أنه أي خان لم يلتق بمدير المخابرات المركزيّة وليام بيرنز عندما قام برحلة غير مُعلنة لإسلام أباد للقاء رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانيّة، ولعلّه من غير المنطقي أن يتم الاتفاق بدون مُباركة خان، أو علمه، وتصريحاته الأخيرة الرافضة لاستخدام الأمريكيين قواعده دليل واضح في ذلك الشأن، وتقطع الطريق على أيّ اتفاق مع الأمريكيين، سرّيّاً كان، أو علنيّاً بتقدير المراقبين.

الصين.. “طالبان”.. وحركة “تركستان”

هذا الانسحاب الأمريكي، لا تتوقّف مخاوفه عند الأمريكيين فحسب، بل يراه البعض مُتعمّدًا للتأثير على الصين، فمخاوف الصين نابعة في منع أسلمة وتطرّف أقليّة الإيغور في إقليم شينجيانغ الحدودي، والخشية الصينيّة في أفغانستان تحديدًا من وحدات تابعة لمُقاتلين سابقين في حركة “تركستان” هؤلاء الذين ينتشرون بين صُفوف حركة طالبان التي نجحت في السيطرة على إقليم بادخشان وممر واخان الواقعين بالقُرب من الحدود الصينيّة العام 2019، ومع تزايد حدّة الصّراع بين بكين وواشنطن، أزالت الأخيرة حركة “تركستان” الإسلاميّة من التنظيمات الإرهابيّة نوفمبر الماضي، بحُجّة أنه لا يوجد دلائل ملموسة على وجود تلك الحركة.

مخاوف الصين هذه عبّر عنها صراحةً جاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، بمجرد تأكيد واشنطن موعد سحب القوات، بالقول إن “القوات الأجنبية المتمركزة في أفغانستان يجب أن تنسحب بطريقة مسؤولة ومنظمة لضمان انتقال سلس في أفغانستان وتجنُّب استغلال القوى الإرهابية الفوضى”.

بكُل الأحوال تَضَرُّر الصين من حركة طالبان يبقى في حدّه الأدنى، فمصالح حركة طالبان كانت قد توطّدت مع بكين، مع سلسلة لقاءات عالية المُستوى عُقِدت بين الجانبين، واستخدام مُقاتلي الإيغور من قبل طالبان ضدّ المصالح الصينيّة غير وارد، فالصين حرصت على لعب دور مُحايد ومُتوازن بين طالبان وحكومة أشرف غني.

لا بل إنّ الصين آمنت على المدى البعيد بأن سيطرة “طالبان” على أجزاء واسعة من الأراضي الأفغانيّة يجب تقبّله مع استحالة منعه، وبالتالي عودة مُشاركة طالبان في الحُكم، إلى جانب كُل هذا لعبت باكستان خان في تعزيز العلاقات بين طالبان، والصين، وهو ما يتعاكس مع الرغبة الأمريكيّة في تعزيز سطوة حُكومة غني المركزيّة، وتحديدًا بعد الانسحاب الأمريكي الكامل المُرتقب، إضافةً إلى مشاريع صينيّة تسعى لربط أفغانستان بالممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، ووضع دول آسيا بالتالي تحت السيطرة الصينيّة وهيمنتها الآخذة بالاتّساع، وكُل هذا يُضاعف من المخاوف الأمريكيّة مع انسحابها من أفغانستان، وخشيتها على نفوذها في العالم أمام التنّين الصيني، مع الإشارة لعدم قدرتها على التراجع عن هذا الانسحاب، فالأخير كان من ضمن وعود الحملة الانتخابيّة للرئيس الديمقراطي جو بايدن، كما أن الخسائر الماليّة الأمريكيّة لها عامل كبير في هذا الانسحاب والذي تأمل فيه أمريكا أن يُقدّمها كراعية للسلام.

الخليج والانسحاب الأمريكي.. تكلفة ومخاطر أقل وإعادة تموضع

الانسحاب الأمريكي في أفغانستان أيضاً يدفع بالتساؤلات الخليجيّة، عدا عن خطر القرب الجغرافي، حول التواجد الأمريكي في قواعدها بدول الخليج، وإن كانت تلك القوّات سيجري تقليصها، فإدارة بايدن، وقبلها ترامب، بدا أنها تُريد وضع نهاية لتواجدها في منطقة الشرق الأوسط.

وتتحدّث صُحف أمريكيّة عن نظريّة أمريكيّة تقول بأنّ المصالح الأمريكيّة، يُمكن الحفاظ عليها بتكلفة ومخاطر أقل، وأنّ مصالح أمريكا اليوم، تحتاج لإعادة نشر قوّات بشكلٍ أفضل في أوروبا، ومنطقة المُحيطين الهندي، والهادئ، فالمُنافسة مع دول عُظمى مثل الصين، وروسيا، تفرض ذلك، وقد سحبت أمريكا منظومات دفاعيّة (باتريوت) من دول عربيّة، بالإضافة إلى سحبها جنودًا من العربيّة السعوديّة ضمن حملة إعادة تموضع، أكّدتها مصادر في وزارة الدفاع الأمريكيّة (البنتاغون)، وهو ما يعني أنّ المشهد قبل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لن يكون كما بعده بكُل حال.