مقالات مشابهة

العمق السعودي في خطر بعد سحب “الباتريوت” الأمريكي واستمرار الضربات اليمنية

كشف اعتماد النظام السعودي على حلفاءهم الأمريكان في الدفاع عن أراضيهم، تخبطاً سعودياً بعد أول خطوة قامت بها الولايات المتحدة نحو التخلي عما كان يعد الشريك الاستراتيجي، وهذه الخطوة هي قرار سحب أنظمة الباتريوت الأمريكية من المملكة.

هذه الخطوة تظهر تحولاً أمريكياً نحو ما يمكن تسميته ب”سياسة المصلحة الأمريكية أولاً”.. رغم أنها سياسة أمريكية دائمة في تعاملها سواءً مع حلفائها أو أعدائها.. ويمكن اعتبار الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان تدشيناً لهذه المرحلة.

كما أن سحب الباتريوت الأمريكي في هذا الوضع المحرج، وضع السعودية أمام خطر محدق مع استمرار القصف اليمني بالمسيرات والباليستيات، الذي يصل مداها الى جميع المحافظات السعودية.

صحيح أن نظام الرياض مرتبط بعلاقات استراتيجية واتفاقيات عسكرية ملزمة مع واشنطن جعلت كل التسليح السعودي أمريكي وغربي بدرجة رئيسية ، ولكن يبدو أن ما حدث مؤخرا في أفغانستان وسحب بطاريات الباتريوت من السعودية، جعل هذا النظام يبدأ بالتفكير بما يمكن أن يكون عليه الوضع مستقبلاً.. تجلى هذا التفكير فيما ظهر من تخبط سعودي واضح بالذهاب إلى وجهات مختلفة لمحاولة تعويض الانسحاب الأمريكي..

حيث اتجه النظام السعودي لما وصفه بـ “تنويع مصادر التسليح”، فقد وقع اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا في 23 أغسطس الماضي أعقبها إجراء مباحثات سعودية روسية للتعاون في المجال الدفاعي، كما أرسلت اليونان منظومة صواريخ باتريوت إلى السعودية على سبيل الإعارة، ووافق مجلس الوزراء السعودي، هذا الأسبوع، على إنشاء “الهيئة العامة للتطوير الدفاعي”.

هذه الإجراءات السعودية المستعجلة، والتي جاءت كرد فعل واضح على سحب الولايات المتحدة منظومتها الدفاعية أكثر من كونها سياسة مدروسة، دليل عملي على التخبط الذي وقع فيه نظام الرياض حيث لم يكن يتوقع هذا التخلي السريع من الجانب الأمريكي.

وإذا كان النظام السعودي يدرك هذه الحقيقة، التي تتمثل في أن كل ما تقوم به واشنطن إنما ينطلق من مبدأ تحقيق المصلحة الأمريكية أولاً وآخراً، ربما كان يمكنه تفادي التخبط الذي وصل إليه اليوم.. فإلى أين يمكن أن يصل نظام آل سعود بمحاولاته القائمة اليوم بتعويض واستبدال بطاريات صواريخ الباتريوت الأمريكية؟

ففي هذا السياق، جاءت تصريحات تركي الفيصل، رئيس جهاز الاستخبارات السعودي سابقاً، وكأنها استجداء يائس للولايات المتحدة.. حينما قال أن “المملكة تريد من الولايات المتحدة أن تبدي تمسكها بالتزاماتها تجاه الرياض وإبقاء معداتها على أراضيها”. ويشير ذلك الى منظومة الباتريوت.

وقال الفيصل في حديث لقناة “سي إن بي إس” “يجب أن نعيد التأكد من الالتزام الأمريكي حيث أن الولايات المتحدة عززت وجودها العسكري في المملكة العربية السعودية في عام 2019، ونشرت بطاريتي صواريخ باتريوت في أعقاب الهجمات على المنشآت النفطية في البلاد”.. مضيفاً أن “سحب صواريخ باتريوت من المملكة ليس مؤشرا على نية أمريكا المعلنة لمساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها ضد أعداء خارجيين”. حسب زعمه.

وأضاف أن “السعودية تفضل الاعتماد على الولايات المتحدة، لكنها طلبت دعما آخر لتعزيز دفاعاتها الجوية”.. مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة يجب أن تفكر بجدية في إظهار الدعم للشرق الأوسط الآن وخاصة بعد “الانسحاب الفوضوي” للولايات المتحدة من أفغانستان”.

وفي تناولها لذات الموضوع، قالت صحيفة “التايمز” اللندنية إن “قرار البنتاغون سحب بطاريات باتريوت متقدمة من السعودية أثارت قلق المسؤولين في المملكة حول التزامات الولايات المتحدة العسكرية في الشرق الأوسط”.

تأكيد سحب منظومة الباتريوت

وفي تقرير أعده مايكل إيفانز قال “إن صورا التقطتها الأقمار الصناعية من قاعدة الأمير سلطان التي تبعد 70 ميلا جنوب – شرق الرياض، أظهرت أن المكان الذي وضعت فيه بطاريات باتريوت منذ عام 2019 فارغ”.

وظهرت الصور الفضائية بعد أيام من قرار السعودية إلغاء زيارة لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الذي كان في منطقة الخليج مع وزير الخارجية أنطوني بلينكن.

ورغم عدم وجود إشارات عن ارتباط الموقف السعودي من الزيارة بسحب أنظمة الباتريوت، إلا أن تصريحات تركي الفيصل، كانت دليلاً كافياً على ذلك.

وفي هذا السياق، أكد كريستيان أولريشن، الباحث في معهد جيمس بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس، أن “من الواضح جداً تراخي الإدارة الأمريكية وعدم التزامها تجاه الخليج كما كانت في السابق، وأن صانعي القرار في السعودية وباقي المنطقة يرون أن أوباما وترامب وبايدن يتخذون قرارات تدل إلى حد ما على التخلي”.

وعلى مدى الشهور الماضية، واصلت الولايات المتحدة إعادة انتشارها العسكري، في محاولة لمواجهة ما يعتبره مسؤولون أمريكيون تحدياً ملحّاً من جهة الصين وروسيا.

بدوره يرى الخبير في السياسة الاستراتيجية د. قحطان الخفاجي أن “سحب الباتريوت الأمريكية من السعودية يثير الشكوك من بعض المراقبين، حيث إن توقيت الانسحاب مع استمرار الهجمات على المملكة وتهديد الأمن السعودي قد يؤثر على الجانب السعودي”.

الضربات اليمنية

على ذات السياق، تستمر الضربات اليمنية في العمق السعودي، وتتنوع مابين قصف الطائرات المسيرة، وبين الضربات الباليستية للصواريخ اليمنية.

وتصل الضربات اليمنية، العديد من المحافظات السعودية، بداية بالعاصمة الرياض، ومرورا بجيزان ونجران وعسير، وأبها وجدة مدينة ينبع الصناعية، ومينءا رأس التنورة، وغيرها من المناطق الحساسة.

وتستهدف الضرابات اليمنية، المناطق الحيوية والإقتصادية كمحطة أرامكو في جميع مواقعها، والمحطات الكهربائية، كما تستهدف المواقع العسكرية.

كما تتزامن الضربات اليمنية، مع استمرار غارات تحالف العدوان على جميع المحافظات اليمنية، ومع استمرار الحصار المزدوج برا وبحرا وجوا على الشعب اليمني بدون ىأي وجه حق.

وتعاني المملكة السعودية من تلك الضربات بصورة كبيرة، ويحصل بأن تتوقف محطات أرامكو نتيجة القصف اليمني، كما ينتج عن ذلك اثار اقتصادية وعجز اقتصادي واضح ينعكس على الشعب السعودي، من خلال تضاعف قيمة الضرائب، وغيرها من الإجراءات التعسفية.

التقارب مع روسيا

وتشير التقارير إلى أن الرياض قطعت أشواطاً كبيرة في طريق التقارب مع موسكو، وبدا ذلك جلياً في 23 أغسطس 2021، عندما جرت مباحثات سعودية روسية للتعاون في المجال الدفاعي، بحضور نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، وذلك غداة توقيع البلدين اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري.

هذا الأمر دفع بالمتحدث باسم الخارجية الأمريكية لتحذير السعودية من تعرّضها لعقوبات جرّاء تعاونها العسكري مع موسكو، داعياً “جميع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة لتجنّب المعاملات الجديدة الرئيسية مع قطاع الدفاع الروسي”.

ويرى مراقبون أن “توجه السعودية نحو روسيا وغيرها من الدول الكبيرة فيه رسالة واضحة إلى الشريك الأمريكي المتردد؛ مفادها أنّ الفراغ الذي تتركه ستملؤه قوى أخرى، وأن المكاسب والامتيازات الكبيرة التي حصّلتها واشنطن عبر عقود من الشراكة مع دول المنطقة ليست أبدية، ولا يمكن أن تتواصل من دون مقابل”.

وتلقى النظام السعودي الكثير من الإشارات السلبية، التي بدت واضحة من خلال مجموعة سياسات ومواقف صدرت عن إدارة جو بايدن، وهو ما دفع الرياض للبحث عن شركاء دوليين جدد.

توتر مع واشنطن

وفي السياق نفسه، قال المحلل سيريل ويدرشوفين إن “السعودية تشعر بالقلق من انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.. وأن هذا يأتي وسط تدهور مستمر في العلاقات بين البلدين بدا من خلال التغيرات المستمرة وغير المتوقعة من الرئيس بايدن تجاه المملكة وحكامها”.

وأضاف في موقع “أويل برايس” أن “الهزيمة في أفغانستان والصور التي نشرت بشكل واسع أحدثت قلقا كبيرا في عقول القادة العرب. وفي الوقت الذي أكدت فيه واشنطن أن التحرك في أفغانستان ليس مرتبطا بالضرورة بدورها العسكري والاقتصادي في عموم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلا أن الفوضى صدمت أنظمة السعودية والإمارات”.

ويرى الكاتب أن “قرار الولايات المتحدة الضغط على علاقاتها الاستراتيجية طويلة الأمد مع السعودية مثير للدهشة”.. مضيفاً أن “قرار الولايات المتحدة المنفرد لإعادة نشر أنظمة الصواريخ الدفاعية وبطاريات باتريوت من قاعدة الأمير سلطان الجوية، خارج الرياض مثير للدهشة، خاصة أنه حدث وسط مخاوف معظم حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج من تداعيات الكارثة في أفغانستان”.

إلى ذلك، اعتبر خبراء ومراقبون أن إقدام الولايات المتحدة على سحب أنظمة مضادة للصواريخ ومعدات عسكرية أخرى من السعودية، يمكن أن يعكس وجود توتر حقيقي بين واشنطن والرياض حاليا.

فقد نقل موقع “الحرة” الأمريكي عن الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، “فايز الدويري”، قوله “إن سحب المعدات العسكرية الأمريكية من المملكة قد يكون مرتبطا بخلاف جديد غير معلن بين واشنطن والرياض”.

ولم يستبعد “الدويري” وجود علاقة لما حدث بمسألة رفع السرية عن ملفات استخباراتية أمريكية تربط بين السعودية وأحداث 11 سبتمبر2001.

__________________
تقرير:نجيب هبة، يحيى البدري