مقالات مشابهة

الإنسانيّة آخر حروب أمريكا الإرهابيّة

على مدى سبع سنوات ونيف عجزت الولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفها السّعودي الإماراتي العدوانيّ عن تغيير المعادلات في اليمن أو حسم المعركة بل على العكس تماماً.

ويبدو ذلك جليّاً من خلال ما حقّقته قوّات صنعاء من تقدّمٍ وانتصاراتٍ واتساع رقعة سيطرتها الجغرافيّة ونجاحها بنقل المعركة إلى العمق السّعودي والإماراتيّ واستهداف مصافي النّفط ومراكز وأهدافٍ دقيقةٍ أدّت إلى فرض معادلات ردعٍ جديدةٍ عدا عن الخسائر التي تكبّدتها الرّياض وأبو ظبي جراء تلك العمليّات التي فرضت أيضاً على واشنطن ضرورة اعادة النظر باستمرار العدوان في ظل إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا.

ممّا استدعى إدارة البيت الأبيض للمبادرة إلى الدّخول من الباب الإنسانيّ إلى اليمن من خلال الهدنة بعد انسداد كلّ الأفق أمامها. وبين ليلة وضحاها أصبح السّلام غايةً ساميةً لولايات الإرهاب التي أمعنت قتلاً وذبحاً بالشّعب اليمنيّ وأصبحت أكثر حرصاً على تثبيت الهدنة ليس حرصاً على اليمن وشعبه بل لمآربَ أخرى وأهدافٍ متعدّدةٍ منها:

1 – تعزيز الحضور الأمريكيّ في اليمن وعلى البحر الأحمر وبالتّحديد على باب المندب لأهميّته الاستراتيجيّة.

2 – وقف العمليّات الحربيّة في اليمن مع بدء الحرب الروسيّة على اوكرانيا لتأمين الملاحة البحريّة وإمدادات النّفط.

3 -قطع الطّريق على روسيا والصّين وإيران لتعزيز وجودها في جنوب البحر الأحمر.

4 – ضمان أمن الكيان الصّهيونيّ وحمايته من الصّواريخ البالستيّة والطّائرات المسيّرة اليمنيّة.

5 – محاولة الولايات المتحدة تجزئة محور المقاومة وإضعافه والحدّ من قوّته في أيّة عمليّةٍ قادمةٍ تستهدف الكيان.

هكذا ارتدت الولايات المتحدة الأمريكيّة قناع الإنسانيّة لتتخذه وجهاً جديداً من وجوه الحرب بعنوان أسمى وأكثر حضارة لكن ذلك لم ولن ينطلي على اليمنيين الذين ألبسوها ثوب الذلّ والعار هي وحلفها وأوقعوا بها هزيمةً نكراءَ لا تقلّ أهميّةً عن هزيمتها في فيتنام. فالعدوان الذي أعلن من واشنطن في عهد أوباما واستمرّ في عهد ترامب وصولاً إلى إدارة بايدن فشل في تحقيق أهدافه والأيّام الخمسة عشر التي حدّدها بن سلمان للسّيطرة على صنعاء استحالت سنوات ذلٍّ للعدوان.

أمّا صنعاء التي كانت حلمهم فتحوّلت إلى كابوسٍ قاتلٍ ولعنةٍ تاريخيّةٍ تلاحقهم أبد الدّهر، وهنا كان لا بدّ من أسلوبٍ جديدٍ للحرب من قبل الولايات المتحدة وحلفها العدوانيّ يعيد بعضاً من ماء وجهه ويستعيد بعضاً من هيبة جيوشه التي هشّمته قبضات اليمنيين فكانت الإنسانيّة المدخل الجديد للولايات المتحدة التي تعمل على تثبيت وجودها وزيادة عديدها نظراً لما يشكّله هذا المعبر الاستراتيجيّ من تهديدٍ لمصالح الولايات المتحدة والكيان الصّهيوني المؤقّت وللعالم لا سيّما على مستوى حماية الملاحة البحريّة وممراتها لتأمين ضمان تدفُّق النّفط و الغاز من خلاله.

وما يؤكّد تلك الأهداف هو ما أعلنه تشارلز برادفورد كوبر قائد الأسطول الأميركي الخامس، لوسائل الإعلام، أنّ الولايات المتحدة تصبّ كلّ تركيزها على استقرار حركة الملاحة في البحر الأحمر وضمان الأمن البحريّ في باب المندب وخليج عدن، معلناً عن إنشاء قوّةٍ جديدةٍ باسم (قوّة الواجب المشتركة) ومهمتها حماية تلك المنطقة مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة تعمل على نشر أحدث أسطول طائراتٍ من دون طيار في المنطقة لتعزيز، ضمان الأمن البحري الإقليمي ورصد أيّ نشاطٍ يهدّد استقرار المنطقة.

وهذا يؤشّر إلى خطورة تداعيات الحرب الرّوسيّة الأوكرانيّة واستهدافاً لكلّ من يناوئ الولايات المتحدة وفي مقدّمتهم إيران وقوّات صنعاء وأنصار الله التي باتت تشكّل بقدراتها الصّاروخيّة وطائراتها المسيّرة خطراً حقيقيّاً على الكيان الصّهيوني المؤقت والولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفائها حيث بات الجميع يدرك حقيقة مرّةً شربوا من كأسها علقماً لا زال طعمه حتى اليوم، تلك الحقيقة تقول إنّ أنصار الله باتوا قوّةً عسكريّةً إقليميّةً تجاوزت حدود اليمن بقدراتها العسكريّة وهي تكاد تكون توأم حزب الله اللّبناني وأنّ كلاهما يشكّلان قوّةً كبرى ومؤثّرةً وفاعلةً راكمت المزيد من الانتصارات وهي الجزء الأكبر من قوّة المقاومة المحوريّة التي تمتدّ من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن وهي كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت سائر الأعضاء للدّفاع والتّصدي.

وعليه فإنّ تعزيز الولايات المتحدة الأميركيّة لتواجدها في المنطقة وزيادة عديدها ورفع مستوى عتادها لن يسقطها من قائمة القوى الاستعماريّة المستهدفة ولن يلغي العداء لها ولن يمحو من ذاكرة الشّعوب تاريخ جرائمها. وما هدنتها (الإنسانية) في اليمن إلّا وجه من وجوه الحرب والعدوان الذي تمارسه على اليمنيين من خلال احتجاز سفن النّفط وما ينتج عن ذلك من تبعاتٍ في القطاع الطّبي وقطاعي الماء والكهرباء ومختلف القطاعات وعدم الالتزام بعدد الرّحلات من وإلى مطار صنعاء الدّولي وإدخال السّفن إلى ميناء الحديدة، والامتناع عن دفع رواتب موظّفي الدّولة في كلّ المحافظات التابعة لحكومة صنعاء.

وبالتالي فإنّ كلّ ذلك لا يعني سوى ممارسة الولايات المتحدة المزيد من الضّغوطات على اليمنيين ولأنّ فاقد الشّيء لا يعطيه فإنّ الولايات المتحدة الأميركيّة التي تمارس كلّ هذا الإرهاب غير مؤهّلة لان تحارب الإرهاب وإنّ من يتسبّب بحصار وتجويع الشّعب اليمني هو فاقدٌ للإنسانيّة.

وبالتالي هي غير مؤهّلة للمبادرات الإنسانيّة وعليها الخروج ليس من اليمن وحسب بل من المنطقة بأكملها وكما قال الأمين العام لحزب الله السّيد حسن نصر الله في إحدى خطاباته (على الأميركيين أن يخرجوا من منطقتنا عاموديّاً أو أفقيّاً) وعلى ما يبدو لن يخرجوا إلّا أفقيّاً كما أخرجت نخبة قوّاتهم من المارينز عام 1982 من بيروت وكما بدأ المشهد يتكرّر الآن في سوريا على أيدي المقاومة السّوريّة كذلك سيكون خروجهم من اليمن حيث سيعودون بتوابيت يلفّها الذلّ والعار مهما تعدّدت عناوين وجودهم في منطقتنا.

________
شوقي عواضة