مقالات مشابهة

خلفيات الهجوم الإخواني على حماس

الهجوم السلفي والعلماني على حماس، قديم يتجدد، لكن الإخواني منه يحمل خصوصية غير مسبوقة، باعتبار ما لحماس من روابط عميقة بالإخوان، فكيف حصل هذا الافتراق؟

تصاعد النقد الإخواني لحركة حماس، على خلفية تصويب موقفها من سوريا، ليصل إلى حدّ الهجوم الشامل، بما تجاوز التناصح والعتب، لما هو التجريم والتخوين، فحماس التي غادرت سوريا قبل عقد من الزمان، في وقت راهن فيه أيهود باراك على سقوط نظامها في غضون أسبوع، استعادت جزءاً من عافيتها الإقليمية، لتسارع دول كثيرة، بما فيها الجارة تركيا، إلى الانفتاح عليها، بما وضع الإخوان والقوى السلفية، وكثيراً من القوى العلمانية، أمام الاستحقاق الأخير، وهو الاعتراف بالفشل.

الهجوم السلفي والعلماني على حماس، قديم يتجدد، لكن الإخواني منه يحمل خصوصية غير مسبوقة، باعتبار ما لحماس من روابط عميقة بالإخوان، فكيف حصل هذا الافتراق؟ وما خلفياته الفكرية والنفسية؟

حاولت تنظيمات الإخوان، ربط هجومها على حماس، بالعقيدة والشريعة، فضلاً عن السياسة والأخلاق، وقد بلغ هذا الهجوم ذروته مع الموقف الحاسم الذي أصدرته حماس، والذي تجاوز المواربة ل ما هو تصويب كامل، ما فاقم شعور الصدمة والانكشاف التام وسط هذه التنظيمات، لما تمثله مكانة حماس لدى الجمهور الإخواني، باعتبارها درة التاج.

“خطوة غير أخلاقية، وتحمل مفاسد شرعية، وتعزز العقيدة الباطنية، وتنتصر لسياسات الاستبداد، بل هي جريمة وخيانة تستحق البراءة الدينية”!!! إنها خطوة حماس في العودة إلى سوريا، بحسب البيانات الإخوانية الرسمية، وتصريحات كثير من قادة الاخوان، ما أزّم العلاقة بين الطرفين على نحو غير مسبوق، خصوصاً بعد رفض قيادة الإخوان السورية طلب حماس الاجتماع بها قبل شهرين، وهو ما أوصل الأمور إلى حدّ القطيعة التامة، وانعكس على مجمل الطيف الإخواني.

محاولة الإخوان المكشوفة الاستناد إلى العقيدة والشريعة والقيم الديمقراطية والوفاء الخلقي، في هجومها على موقف حماس، تعكس أزمة نفسية فكرية متداخلة، وهي أزمة متجددة، تنبع بالأساس من جملة عوامل تحكم العقل الإخواني، في وقت تأثر العقل الحمساوي، وقد تصدر المواجهة مع المحتل الإسرائيلي، بأولوية هذه المواجهة، بما انعكس على نسيجه النفسي، وأعتقه من الخلفيات الإخوانية.

خصوصاً وسط القيادة، التي غسل كثير من قادتها أيديهم، من تناقضات السياسة الإخوانية، وغرقها في صراعات داخلية لا نهاية لها، وهي صراعات تخدم العدو المركزي لحماس، وهو ما ساهم بدوره في دفع حماس إلى النظر بما يمثله الخطر الإسرائيلي، باعتباره سرطاناً يفتك بالجميع عبر خصوصية النافذة الفلسطينية.

تتمحور خلفيات الهجوم الإخواني الراهن على قيادة حماس، في مرجعيتها الفكرية وتركيبتها التنظيمية وسياساتها الإقليمية، وهي بمجموعها خلقت سياقاً نفسياً أغلق عنها رؤية التحديات التي تعصف بالأمة، وأغرقها في البحث عن مصالحها الحزبية الآنية، فلا ترى الواقع إلا من زاوية نفسها، وهنا أصل الحكاية.

نشأت الذات الإخوانية، ضمن مفهوم الطاعة في المنشط والمكره، وهي طاعة أمير الجماعة، باعتبارها البديل الإسلامي الدنيوي والأخروي، في ظل غياب الخليفة، فأمير الجماعة مطلق الأمر والنهي، والجماعة هي الفضاء الحصري، على كل المستويات العقدية والشرعية والسياسية، بل والاجتماعية والأخلاقية، مهما قيل عن مراجعات وتحديثات، ثبت عند التطبيق العملي أنها للتغريد في الفناء الخلفي للجماعة، وهو ما انعكس على التكوين النفسي لمجمل قطاعات الجماعة، خصوصاً مع طول الأمد، وهو أمد قضى فيه شباب الجماعة مراحل عديدة في ظل استبداد الأنظمة، التي ظلت ترى في الإخوان بديلاً محتملاً.

ولمّا تراكمت عقود البناء الذاتي الإخواني بين مدّ وجزر، وهو مدّ فتحته خطوط دولية وإقليمية لممارسة ألاعيب سياسية وأمنية في الشبك الداخلي، فقد كان للمرجعية الفكرية الإخوانية في طبيعة منشأها، دور في تفعيل الحواضن التكفيرية الدموية، لتنتج السياسة السرورية، التي نجح فيها الإخواني السوري محمد سرور، في دمج الجماعة على مستوى الخليج، بل وعموم المنطقة، ضمن مشروع فكري سياسي، جوهره الحاكمية الشمولية، بخلفية سلفية، بما يناقض رؤية المؤسس الأول للإخوان الذي نادى بالشريعة في عمومها.

حاول حسن البنا في تأسيسه الجماعة، غمر أنفاس شبابها بالانفتاح الصوفي، وهو انفتاح ينظر فيه الصوفي إلى الناس بمحبة وشفقة يؤجر عليها من رب العالمين، باعتبارهم ميدان الدعوة، ولكن الانغماس المكثف في العمل السياسي، في ظل التركيبة التنظيمية للجماعة، بما يشبه الدولة الدينية الداخلية، نقل الجماعة لتنكفئ على ذاتها، فإذا هي أقرب إلى العقيدة السلفية، التي تنظر إلى المجتمع باعتبار اصطفافاته، فمن ليس معي فهو ضدي، وهي ضدّية تلتبس مفاصلها في حدّية فتاوي ابن تيمية الجاهزة للتنفيذ، حتى رأينا مفتي الإخوان الأول الشيخ يوسف القرضاوي يهدر دماء الشيخ الشهيد محمد سعيد البوطي، لمجرد معارضته الحرب على سوريا.

وقد جاءت البراءة التي أطلقها أحد وزراء حماس السابقين، من تصويب حماس لموقفها من سوريا، لتفسّر الأزمة التي تعيشها بعض أوساط حماس، وهي أوساط تحتقن بخلفيات الإخوان الفكرية ومغامراتها السياسية، وقد اعتادت على منابرها الإعلامية، التي ما زالت تغرّد على وتر الوجع السوري، وهو وجع لا ترى فيه العدوان الإسرائيلي المتواصل على الجيش السوري وحلفائه.

ليأتي بيان حماس الأخير ليضع الإصبع على الجرح، بما وضع الجميع، أمام سؤال المرحلة الراهن، سؤال التحدي الإسرائيلي، بما يستوجب على حماس إحداث نقلة فكرية نوعية في جمهورها، بما يلائم مستوى التحدي، وبما يستوجب على سوريا تجاوز الماضي لما هو المواجهة الجماعية للعدوان.

في وقت دخلت فيه الأمة اصطفافات ميدانية تتخندق في سواترها، بانتظار ساعة الحقيقة، وهي ساعة لا تعني من يرى التطبيع التركي مع السرطان الإسرائيلي إلّا مجرد سياسة شرعية، يجتهد فيها الحاكم ويصيب، بينما هي مع الأخ السوري خيانة لله ورسوله، فهل استودع الله ورسوله الأمانة في جيوب هؤلاء ليستبيحوها على أعتاب “تل أبيب”، هناك حيث أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا ؟!.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد جرادات