مقالات مشابهة

أنصاف الحقائق حول الحرب السعودية على اليمن لن تنقذ هدنة الأمم المتحدة الهشة

قدمت القوى العالمية التي تزعم مسؤوليتها عن إنهاء حرب المملكة العربية السعودية على اليمن مؤخرًا أنصاف حقائق حول فشل الأطراف المتحاربة في تمديد الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة. تم تمديد الهدنة مرتين منذ توقيع الأطراف عليها في الثاني من أبريل، وانتهت الهدنة في الثاني من أكتوبر دون موافقة الأطراف على شروط تجديدها.

وطالبت جماعة الحوثي، التي تقود حكومة ائتلافية مقرها العاصمة اليمنية صنعاء المسيطرة على شمال اليمن، الرياض والحكومة اليمنية التي تدعمها في جنوب اليمن بدفع الرواتب الشهرية لموظفي الحكومة اليمنية—وكانت الحكومة المدعومة من السعودية قد قطعت رواتب الموظفين في شمال البلاد منذ أغسطس 2016. وافقت المملكة العربية السعودية فقط على دفع رواتب قطاعي الصحة والتعليم، وهو ما رفضته صنعاء. لا تزال عناصر الهدنة قائمة، في انتظار المزيد من الدبلوماسية من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول أوروبية رئيسية أخرى.

لسوء الحظ، فإن الخطاب والدبلوماسية الحالية لإحياء الهدنة المعيبة في اليمن تتشابه إلى حد كبير مع دبلوماسية التهديد العسكري التي تم انتهاجها في اليمن لسنوات. لقد كان هذا الخطاب موازياً لقصف الرياض المستمر بلا هوادة وتكتيكات الحرب الأخرى. منذ ذلك الحين، تعهد حلفاء الرياض، بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بإنهاء الحرب في اليمن، وهي الحرب التي دعموها عسكريًا وسياسيًا. شاهد اليمنيون حياتهم وبلدهم تمزق وتدمر بسبب الحرب التي تسببت في أكبر كارثة إنسانية في العالم. لكنهم لم يروا بعد جهدًا حقيقيًا لإنهاء الحرب.

عندما تبين أن أمل الرياض في تحقيق نصر عسكري سريع وساحق ضد عدوها أصبح وهما، بدت الحرب الاقتصادية ممكن تحقيقها. في أغسطس 2016، أمرت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية بنقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، المحافظة الجنوبية لليمن التي تسيطر عليها. قالت إن صنعاء كانت توجه موارد البنك إلى المجهود الحربي، وهي تهمة تبين أنها غير صحيحة. حتى انتقال البنك، كانت صنعاء تدفع رواتب جميع الموظفين الحكوميين، حتى أولئك الذين يعتبرون خصوماً. قال دبلوماسيون ويمنيون على كلا جانبي الحرب لرويترز آنذاك إن البنك المركزي “كان آخر معقل للنظام المالي يدير الاقتصاد بشكل فعال في البلد الفقير في خضم حرب أهلية “.

بعد أن دقت الأمم المتحدة والوكالات الأخرى التي تراقب اليمن ناقوس الخطر، تعهدت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية بمواصلة سياسة البنك المتمثلة في دفع الأجور الشهرية –هناك أكثر من مليون موظف حكومي يعيلون نحو عشرة ملايين من أفراد أسرهم. لم ير هذا الوعد النور قط. قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ ستيفن أوبراين، في إحاطة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2017، “إن القدرة المؤسسية لليمن على الاستجابة للاحتياجات الأساسية للسكان تنهار، والتي تفاقمت بفعل فشل البنك المركزي – عقب انتقاله من صنعاء إلى عدن – في العمل لصالح الشعب الذي يفرض عليه خدمته “. وأكد أوبراين أن خفض الرواتب كان “يدفع المزيد والمزيد من الأسر نحو الفقر والمجاعة”.

بالنسبة للرياض، بدا أن سكان اليمن الذين يقدر عددهم بنحو 30.5 مليون نسمة وسبل عيشهم كانت هدفًا مشروعا من خلال حملة القصف التي لا هوادة فيها وتكتيكات الحرب الأخرى. الهجمات على الحافلات المدرسية والمستشفيات وتجمعات الأعراس وصالات العزاء ومصانع إنتاج الغذاء ومحطات الصرف الصحي للمياه من السمات المميزة للحرب السعودية. كان الحصار المفروض على ميناء ومطار شمال اليمن مسؤولاً بشكل أساسي عن وفاة الآلاف من الجوع والمرض وأسباب أخرى كان من الممكن علاجها أو تلافيها.

لقد فشل استخدام التجويع كأسلوب حرب في تحقيق هدف الرياض: إجبار عدوها على الاستسلام وتجويع 80٪ من السكان الذين يعيشون تحت سيطرة صنعاء إلى الخضوع. لقد جاءت بنتائج عكسية. لقد زادت القدرة العسكرية لصنعاء، حيث شنت هجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار على منشآت نفطية في المملكة العربية السعودية وشريكتها الرئيسية الإمارات العربية المتحدة. بينما كانوا يغضون الطرف واليمنيون يعانون من الجوع، أدان حلفاء الرياض، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تلك الهجمات باعتبارها هجمات إرهابية وتعهدوا بالدفاع عن حليفها السعودي. لقد أكدت صنعاء أنها لن توقف ردها الانتقامي إلا بعد توقف حملة الحصار والقصف على اليمن.

لم تنجح أخيرًا محاولات الأمم المتحدة للتوسط في هدنة إلا بعد استهداف المنشآت النفطية للسعوديين والإماراتيين. سمحت الهدنة الحالية للأمم المتحدة بوقف الغارات الجوية السعودية، ورحلتين أسبوعيًا من مطار صنعاء، وتخفيف القيود على موانئ الحديدة في شمال اليمن. في المقابل، أوقفت صنعاء هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ ضد السعودية والإمارات. قال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانز جروندبرج في أغسطس الماضي إن الهدف من الهدنة كان بمثابة استراحة قصيرة من العنف للسماح للأطراف بمعالجة ما وصفها بــ”الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية العاجلة”.

بالنسبة إلى صنعاء وجميع اليمنيين تقريبًا، فإن تلك الاحتياجات الملحة هي دفع رواتب جميع الموظفين الحكوميين ورفع الحصار عن الموانئ ومطار صنعاء. في كل من التجديدين للهدنة، طلبت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة مساعدة عمان للضغط على حكومة صنعاء لتجديد الهدنة بموجب شروطها الأصلية مع وعد بمعالجة تلك الإجراءات الاقتصادية العاجلة بعد ذلك. لم يتم تنفيذ أي من هذه الإجراءات، مما أدى في النهاية إلى المأزق الحالي. بالنسبة للرياض وداعميها، فالقبول بتلك المطالب قبل تجديد الهدنة ينم عن هزيمة.

الدبلوماسية الحالية لإحياء الهدنة معرضة لخطر تجدد العنف الذي سيكون بالتأكيد أكثر خطورة وأكثر صعوبة لاحتوائه الآن. أكدت حكومة صنعاء أنه يجب تخصيص عائدات صادرات النفط اليمنية لدفع رواتب الموظفين الحكوميين بدلاً من إثراء المسؤولين الفاسدين داخل الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية. تشير بعض التقارير الإخبارية إلى أن إجمالي عائدات صادرات النفط اليمنية من 2016 إلى 2021 بلغ أكثر من 13 مليار دولار، وهو أكثر من كاف للسماح بدفع الرواتب بانتظام.

لكن الحكومة المدعومة من السعودية فشلت حتى في دفع رواتب موظفي الحكومة الذين يعيشون تحت أراضيها. منذ انتهاء الهدنة، هددت صنعاء بمنع المزيد من صادرات النفط اليمنية واستهداف أي سفن بحرية تستمر في إعاقة واردات الوقود المتجهة إلى موانئ شمال اليمن. ومنذ ذلك الحين، أوقفت ثلاث محاولات لتصدير النفط بشن ما أسمته صنعاء بــ”هجمات تحذيرية” على ناقلات النفط الراسية في الموانئ اليمنية لعدم الالتزام بتحذيرات صنعاء السابقة.

القوى العالمية التي تلقي باللوم على صنعاء لفشلها في تجديد الهدنة أظهرت مرة أخرى تجاهلها لاحتياجات الناس الأساسية. لقد اتبعوا هذه المرة الخط السعودي القائل بأن هذه المطالب قد أثيرت فجأة ولم تخدم سوى المصالح قصيرة النظر لحركة الحوثيين. يقول بيان لمجلس الأمن الدولي في 5 أكتوبر ما نصه: ” لقد أعاقت مطالب الحوثيين المتطرفة في الأيام الأخيرة من المفاوضات جهود الأمم المتحدة للتوسط في اتفاق، مما يهدد بعواقب سلبية.” وشكر البيان الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية لمشاركتها في جهود الأمم المتحدة، وخص بالذكر الحوثيين ودعاهم إلى “الامتناع عن الاستفزاز، وإعطاء الأولوية للشعب اليمني، والعودة إلى الانخراط بشكل بناء في المفاوضات.

في إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي في 15 أكتوبر، كرر السيد جروندبيرج ثناء مجلس الأمن على الحكومة المدعومة من السعودية وألقى باللوم على صنعاء في الفشل في تجديد الهدنة. وقال جروندبرج، مشيرًا إلى الحوثيين باسمهم السياسي: “يؤسفني أن أنصار الله جاءوا بمطالب إضافية لا يمكن تلبيتها.” وحث جميع الأطراف على “إظهار القيادة والمرونة اللازمتين للتوصل إلى اتفاق موسع.”

تتجاهل المملكة العربية السعودية والقوى العالمية الداعمة لها عمدًا أي إشارة إلى حكومة صنعاء، وتطلق عليها بدلاً من ذلك “الحوثيين” – محاولة لشيطنتها ونزع الشرعية عن المطالب والمظالم المشروعة للسكان الذين تمثلهم. كان ذلك واضحًا في تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينج، الذي قال إن الحوثيين كان لديهم مطالب صعبة. قال ليندركينج عن المطالب التي طرحتها صنعاء قبل التمديد المتوقع في 2 أكتوبر: “… هذا ليس الوقت المناسب لممارسة هذه الأنواع من الألاعيب. أعني، هذا هو الوقت المناسب لوضع أولويات واقعية على الطاولة، وليس رفع السقف إلى ما هو أبعد مما هو ممكن.”

لقد أثار كبار قادة صنعاء قضية دفع الرواتب ورفع الحصار في عدة لقاءات مع السيد جروندبرج. مهدي المشاط، أحد قيادات جماعة الحوثيين والذي يشغر حاليا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة للحكومية في صنعاء، خلال لقائه بجروندبرج في 18، أن على السعوديين، الذين قال إنهم يسيطرون على نفط اليمن وعائداته، “دفع متأخرات الرواتب الشهرية لجميع موظفي الدولة وضمان استدامته.”.

في نهاية مايو، كرر كبير مفاوضي صنعاء محمد عبد السلام طلب المشاط في لقاء مع جروندبرج في مسقط. علاوة على ذلك، قال بيان في يوليو بثته قناة المسيرة، الناطقة بلسان الحوثيين، إن صنعاء لن تقبل المزيد من التمديد للهدنة أثناء ما كان ليندركينج يزور مرة أخرى المنطقة للدفع باتجاه تجديد آخر للهدنة.” يقول البيان: ” لن يقبلَ الشعب اليمني بعبثيةِ التمديدِ على حساب لقمةِ عيشِه وحريّةِ حركتِه… والشعب ُاليمنيُّ على أهبّةِ الاستعداد لمواجهةِ كل ِّالاحتمالات، وتتحملُ دولُ العدوان مسؤوليةَ أيِّ تصعيد.”

في 18 أكتوبر، دعا الملك السعودي سلمان مجلس الأمن الدولي إلى تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وعزلهم، و “تجفيف مصادر تمويلهم”، وهو أمر كان قد ألمح إليه بايدن في يناير عندما رفضت جماعة الحوثي مبادرة التهدئة السعودية. في حين أن القدرة العسكرية لصنعاء لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تضاهي قدرة عدوها القوي، فقد تحسنت بما يكفي لتهديد دول الخليج الغنية بالنفط وتعطيل إمدادات الطاقة العالمية. انتقام صنعاء يلوح في الأفق. إن استئناف العنف ليس في مصلحة أحد. لكن الأمر الأكثر خطورة على الرياض وحلفائها الآن هو الاستمرار في تجاهل الاحتياجات الملحة للشعب اليمني. وهنا سأقتبس ليندركينج وأقول :”هذا ليس الوقت المناسب لممارسة هذه الأنواع من الألاعيب.”

نشر المقال في “جلوبال سترات فيو” وهو موقع إعلامي أمريكي مستقل مقره في العاصمة واشنطن ويكرس للتقارير والتحليلات القائمة على الحقائق التي تثري وتساهم في النقاش الديمقراطي. نشر المقال أعلى في الصفحة الأولى للمجلة التابعة للموقع في إصدارها لشهر نوفمبر.