مقالات مشابهة

في المسؤولية الإعلامية.. هل يتعرض اليمن لحرب عدوانية أمريكية؟

يتردد في وسائل إعلامنا أن الحرب العدوانية على بلادنا أمريكية بإمتياز فنسمع بشكل مستمر “العدوان السعودي الأمريكي” او “الأمريكي السعودي” ويعتقد الكثير من اليمنيين أن هناك دوراً أساسياً للولايات المتحدة في هذا العدوان المستمر حتى يومنا هذا، لكن لم نجتهد أكثر من أجل استدعاء الشواهد والأدلة التي يمكن من خلالها ترسيخ حقيقة ما تتعرض له البلاد من حرب ظالمة سواء من حيث الأهداف أو التفاصيل وتحديداً هنا إعادة توصيف وتعريف العدوان من خلال التطرق لأطرافه الرئيسية من حيث توضيح طبيعة كل دور.

فالمتعارف عليه أن هناك نوايا خبيثة سعودية ضد اليمن وهذا ليس جديداً وحاضراً في وعي اليمنيين جيلاً بعد جيل لكن هل كان للرياض ومعها ابوظبي أن تقدم على خطوة شن الحرب على اليمن دون موافقة واشنطن؟ بالتأكيد لا ثم الم نتساءل لماذا أعلن العدوان على اليمن من واشنطن؟

إضافة الى ان الأمريكيين انفسهم يؤكدون على دورهم في هذه الحرب وكان آخرهم مسؤول المخابرات ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو الذي قال في مذكراته الصادرة مؤخرا انه وعندما اصبح محمد بن سلمان وليا للعهد كان من أولوياته مساعدة الولايات المتحدة فيما أسماه “اجتثاث النفوذ الإيراني من اليمن” فمن ساعد الآخر هل الولايات المتحدة ساعدت السعوديين كما تدعي أم العكس؟

بمعنى أن السعودية والإمارات لم تكن الا أدوات تنفيذية وهذا ما يمكن ان يفهمه أي متابع لما قاله الوزير السابق , وحتى تتضح الصورة أكثر فيما يتعلق بالدور الأمريكي نتساءل هل وقفنا يوما بمسؤولية أمام حقيقة الدور الأمريكي في العدوان ولماذا نعتبره دوراً أساسياً؟ هل الأمر مجرد اتهامات نوزعها بين الحين والآخر وتلفيقات نستدعيها من وقت لآخر؟ كيف نوضح للجميع حقيقة هذا الدور؟

هل توقفنا عند المشهد في واشنطن ليلة العدوان وهل عملنا على تفكيك الخطاب السياسي والإعلامي المتعلق بالعدوان على بلدنا في واشنطن ولماذا تصر الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ 2015م على التأكيد أنها فقط تقدم الدعم والمساندة لما يسمى بالتحالف، وان هذا الدعم لا يصل الى مرحلة المشاركة المباشرة في الأعمال القتالية؟ ثم ماذا عن الخلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في واشنطن حول المشاركة الأمريكية في العدوان؟

ولماذا تتهرب الإدارات الأمريكية من عهد أوباما ثم ترامب والآن بايدن من الاعتراف بحجم الدور في العدوان من التخطيط الى الإشراف على التنفيذ وحتى الدعم بالأسلحة وتحديد الأهداف وفرض الحصار واعاقة مسار التفاوض وما إلى ذلك من العناوين التي تحضر فيها البصمات الأمريكية بشكل واضح وجلي ومن خلال كل ذلك هل يمكن لنا ان نقول اننا نتعرض لحرب أمريكية تديرها واشنطن من خلال ضباطها في غرفة عمليات التحالف وتشرف عليها وتدعمها بالأسلحة وهي من تمتلك إرادة ايقافها كما امتلكت قرار شنها؟

من خلال هذه التساؤلات يمكن ان نناقش بموضوعية حقيقة الموقف وطبيعة الدور وهذا كله سيؤدي الى ترسيخ حقائق لم تجد طريقها الى الوعي الشعبي بالشكل المطلوب وهذا يقع على عاتق المنظومة الإعلامية التي يجب أن تعيد صياغة تعاطيها مع الملف الرئيسي فلسنا بحاجة الى تكرار العبارات وترديد الشعارات بقدر ما المواطن البسيط بحاجة الى استدعاء المزيد من الشواهد ثم تناولها بمختلف القوالب الإعلامية وإعادة تقديمها بأساليب متعددة.

وهنا سنجد أننا اصبحنا أكثر قدرة على استيعاب المشهد من خلال إعادة المتلقي الى الصفحة الأولى منه وهي الصفحة الذي يتوجب ان ننطلق منها كلما خرجنا عن المسار الصحيح ونحن بصدد ترجمة الرسالة الإعلامية من خلال العمليات الإعلامية الاستثنائية أو الفعل الإعلامي اليومي.

ولهذا يجب أن نغوص عميقاً في كل التفاصيل حتى تترسخ العناوين أكثر في الوعي الجمعي فعلى سبيل المثال هل تساءلنا يوما على ماذا استندت الإدارة الأمريكية السابقة في تحديد دورها الداعم والمساند للعدوان هل قرأنا سلطات الحرب في الدستور الأمريكي وهذه تفاصيل مهمة لاسيما عندما ندرك أن الدور الأمريكي لم يقتصر على ما تم إعلانه ليلة 26مارس 2015م بل أمتد الى المشاركة الفعلية في العمليات القتالية وتنفيذ عمليات عسكرية سرية.

إضافة الى ان الدعم المعلن أيضا لم يجد كل الاهتمام فهل تولى الإعلام الوطني مهمة تعريف المتلقي بماهية الدعم اللوجيستي ومستوى ذلك الدعم وأهميته في الحرب وماذا عن تحديد الأهداف فهذه النقطة بحد ذاتها تجعلنا أمام حرب مكتملة الأركان عندما ندرك ان الأمريكي هو من يحدد كل هدف بمعنى أن كل غارة جوية أو على الأقل معظم الغارات الجوية على بلادنا كانت على أهداف حددها الأمريكي وجرى قصفها بسلاح أمريكي ولم تصل الطائرة الا بعد ان خضعت لصيانة من قبل الأمريكيين.

ولم تتمكن من القصف إلا بعد ان قام الفنيون الأمريكيون والبريطانيون بتركيب تلك القنابل وبصيانة الطائرة قبل اقلاعها ولم تستمر في التحليق إلا بعد ان زودها الجيش الأمريكي بالوقود في الجو وهذه كلها عناوين مهمة فيما يتعلق بالعمليات القتالية وتحديدا إدارة العمليات الجوية ضد اليمن برمتها أي من الالف حتى الياء لدرجة ان البعض منهم بروس ريدل (ضابط مخابرات أمريكي سابق) أكد أنه لولا الدعم الأمريكي لهذه الحرب لما تمكن السعودي من شنها وتحدث غيره أن الدور الأمريكي يصل لمستوى تزويد الطيارين السعوديين بالملابس المستخدمة في الطيران وانه اذا أوقفت واشنطن ذلك فلن تستمر هذه الحملة الجوية على اليمن، بل إن من يقوم بتركيب القنابل على الطائرات قبل إقلاعها فنيون أمريكيون وبريطانيون وهذا لا يعني ان الدور الأمريكي اقتصر على هذا الجانب.

بل إن هناك دوراً رئيسياً في فرض الحصار من خلال البوارج الحربية الأمريكية وكذلك في العمليات العسكرية البرية لاسيما في جبهات الحدود واذا انتقلنا من الملفين الأمني والعسكري الى السياسي سنجد البصمات الأمريكية حاضرة لاسيما في إعاقة مسار التفاوض والوصول الى الحل وهذا حدث في أكثر من جولة تفاوضية ومثل هذه المعلومات لا تصل الى الناس بل تصل الى الكثير منهم التصريحات الأمريكية الحريصة على السلام في اليمن ومن هنا تتعاظم المهمة الإعلامية على عاتقنا جميعاً في كشف الحقيقة كما هي منذ لحظة العدوان وما قبلها وحتى ما وصلنا اليه اليوم.

فعندما نتحدث عن الأسلحة يجب أن نستدعي المجازر وما تركته القنابل والصواريخ من بقايا كبصمات تدل على المجرم الرئيسي في هذه الحرب فنتحدث عن القنبلة وزنها ونوعها وإسمها واستخداماتها وبلد المصنع والشركة المصنعة وصفقة البيع وكل شيء يتعلق بها , وعندما نتحدث عن تحديد الأهداف يجب ان نعود الى غرفة العمليات المشتركة وان نعيد التذكير بالتصريحات والكتابات والتناولات المنشورة في الإعلام الأجنبي وتباهي الأمريكيين في الأيام الأولى ان هذه الحرب تستند بشكل رئيسي على معلومات المخابرات الأمريكية وان الأمريكي يمكن له ان يعود الى سجل كل غارة وان أي طائرة لا يمكن لها ان تتحرك لشن غارة دون اذن أمريكي مسبق.

وعندما نتطرق الى الدعم اللوجيستي يجب أن نشرح ونوضح معنى ذلك ووسائله وأهميته وهكذا نتوقف عند كل عنوان بالأرقام والتفاصيل والشواهد والأدلة وهي كثيرة ولا تحتاج للمزيد من النباهة الإعلامية وقبل ذلك الحس بالمسؤولية فهناك أولويات يجب أن نعيد ترتيبها ضمن أجنداتنا اليومية حتى نتجاوز حالة التيه الإعلامي والسياسي التي تجعلنا في حالة تخبط ونحن بصدد البحث عن مهام وأولويات فيتمدد الارباك ويتسع الارتباك فنجد انفسنا أمام قضايا هامشية سرعان ما تصبح في صدارة الاهتمامات اليومية وهذا ليس بفعل مؤامرة او أجندة طرف مضاد بل بفعل أنفسنا وعدم إدراكنا لأهمية المبادرة وفق استراتيجية واضحة المعالم والأهداف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبدالله بن عامر