مقالات مشابهة

الخروج من العزلة من بوابة الزلزال.. جولة انتصار لبشار الأسد في الخليج الفارسي

عندما بدأت الأزمة في سورية في آذار (مارس) 2011 بدعم شامل من المثلث العبري العربي الغربي للإطاحة بالحكومة الشرعية في هذا البلد وتنصيب حكومة تابعة، قلما تصور أحد أنه بعد 12 عامًا، ستكافح دول المنطقة المتحاربة لمقابلة بشار الأسد رئيس سوريا، والعودة إلى دمشق، لكن هذا الأمر أصبح الآن حقيقةً واقعةً.

ورغم أن الدول العربية اتخذت في العامين الماضيين طريق التطبيع مع الحكومة السورية واستأنف بعضها علاقاتها الدبلوماسية، لكن الزلزال الذي بلغت قوته 7.5 درجات في سوريا والذي وقع قبل أسبوعين رغم الخسائر الفادحة، قد أتاح هذه الفرصة للدول العربية، وخاصةً منطقة الخليج الفارسي، لإظهار رغبتها في تصحيح الممارسات الخاطئة في الماضي وإعادة العلاقات مع دمشق، بطريقة مشرفة ومبررة من خلال التعبير عن التعاطف مع السوريين وإعطاء الأولوية للقضايا الإنسانية.

وفي هذا الصدد، قامت سلطنة عمان ببناء جسر جوي إلى سوريا منذ اليوم الأول للزلزال، وأرسلت عدة طائرات تحمل مساعدات إنسانية للمتضررين من الزلزال. وأرسلت السعودية حتى الآن طائرتين تحملان مساعدات إغاثية من خيام وملابس وغذاء ومعدات طبية إلى سوريا، وخصصت 49 مليون دولار لمساعدة ضحايا الزلزال السوري.

کما أرسلت الإمارات 58 طائرة تحمل مساعدات إنسانية إلى هذا البلد، إضافة إلى تخصيص عدة ملايين من الدولارات للزلزال السوري. وأعلنت قطر أيضًا أنها قدمت 70 مليون دولار لضحايا الزلزالين في تركيا وسوريا، لكن ليس من الواضح مقدار ما وصل منه إلى سوريا.

وأرسلت مصر أيضًا طائرات عسكرية تحمل مساعدات طبية طارئة إلى سوريا. كما أرسل الأردن عدة طائرات تحمل مواد غذائية إلى دمشق. واستمرارًا لهذا الاتجاه، غادر بشار الأسد يوم الاثنين الماضي إلى منطقة الخليج الفارسي، في أول جولة خارجية له بعد الأزمة لزيارة سلطنة عمان ثم الإمارات العربية المتحدة.

العودة إلى دمشق من بوابة الزلزال

لم تتم الانفراجة في العلاقات بين سوريا والدول العربية بين عشية وضحاها، وفي السنوات الأخيرة تم توفير الأرضية لذلك من قبل بعض الدول. وظهرت مؤشرات فتح دول عربية أبوابها لدمشق مع إعادة فتح سفارة الإمارات في دمشق عام 2018، ثم زيارة الأسد للإمارات في آذار/مارس 2022.

سلطنة عمان، التي لطالما اتبعت نهجًا سياسيًا مختلفًا مقارنةً بغيرها من مشيخات الخليج الفارسي، واصلت إلى حد ما الإجراء نفسه في حالة الأزمة في سورية، ورغم أنها سحبت سفيرها من سوريا عام 2012، ولکن على عكس العرب الآخرين الذين قطعوا علاقاتهم تمامًا، رفضت سلطنة عمان قطع علاقاتها بغض النظر عن ضغوط الولايات المتحدة والدول العربية.

حتى أن مسقط رفضت التصويت على تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية وواصلت تفاعلها مع دمشق، وفي عام 2020 قدمت تركي محمود البوسعيدي سفيراً لها في سوريا، وبدأ فصل جديد في العلاقات بين البلدين. خلال هذه الزيارة، في لقاء بشار الأسد مع هيثم بن طارق ملك هذا البلد، تم التأكيد على استمرار العلاقات الطيبة بين مسقط ودمشق.

وقال الأسد إن سلطنة عمان حافظت دائماً على سياستها المتوازنة، والمنطقة بحاجة الآن إلى المزيد من دور هذه الدولة من أجل تعزيز العلاقات بين الدول العربية، على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. كما اعتبر سلطان عمان سوريا دولةً شقيقةً، وأعرب عن أمله في عودة علاقات هذا البلد مع الدول العربية الأخرى إلى طبيعتها.

في العامين الماضيين، أعلنت دول كثيرة، وعلى رأسها الجزائر، موافقتها على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وبُذلت جهود كثيرة في هذا المجال، ولم يوافق حتى الآن على هذا الطلب سوى عدد قليل من الدول، بما في ذلك السعودية، ووفقاً للتطورات التي حدثت في الأشهر الأخيرة، هناك احتمال في المستقبل القريب أن نشهد عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.

يعتقد البعض أن الزخم الدبلوماسي سيحسّن علاقات الأسد مع دول غرب آسيا الأخرى، من خلال جهود الإغاثة بعد الزلزال. حيث إن السعودية، باعتبارها العدو من الدرجة الأولى للحكومة السورية، واضطرت العديد من الدول إلى قطع العلاقات السياسية مع دمشق تحت الضغط السعودي، فقد غيرت نهجها العدائي إلى حد ما هذه الأيام.

وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان السبت الماضي في اجتماع ميونيخ الأمني: “هناك إجماع في العالم العربي على ضرورة تبني نهج جديد تجاه سوريا، يتطلب مفاوضات مع دمشق للتعامل مع الأزمات الإنسانية بما في ذلك الزلزال”. وأكد وزير الخارجية السعودي “هناك إجماع في العالم العربي على أن الوضع الحالي لا يجدي، ويجب أن نجد مقاربةً أخرى، وهذا النهج لا يزال قيد الصياغة”.

کما زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي دمشق الأسبوع الماضي، ثم أجرى بشار الأسد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي محادثةً هاتفيةً لأول مرة. والتقى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان مع الأسد في دمشق قبل أسبوع، في ثالث زيارة له منذ بدء الحرب. وكل هذه التحركات العربية مؤشر على انفتاح في تطبيع العلاقات مع سوريا، وهناك احتمالات واضحة لتحسين العلاقات الثنائية.

جولة انتصار لبشار الأسد

النقطة المهمة في زيارة بشار الأسد إلى سلطنة عمان والإمارات هي أنه في السنوات الـ 12 الماضية، غادر الأسد سوريا بضع مرات فقط ولم يزر سوى حلفاءه المقربين في روسيا وإيران، وذهب إلى أبو ظبي لأول مرة واحدة العام الماضي.

اعتاد الأسد أن يجعل زياراته إلى طهران وموسكو سريةً لأسباب أمنية، وبعد عودته إلى دمشق کان ينشر الخبر في وسائل الإعلام، لأنه كان هناك احتمالية للتخريب والعرقلة من قبل الولايات المتحدة وخاصةً الکيان الصهيوني، لإحداث مشاكل للطائرة التي تقل الأسد. لكن أن يزور الآن علانيةً العواصم العربية التي كانت معاديةً من قبل، علامة على ترسيخ قواعد سلطته على الساحتين المحلية والدولية.

بمعنى آخر، إن حط الرحال مرفوع الرأس في العواصم العربية يظهر سلطته، حيث إنه على الرغم من الجهود المكثفة للغرب وعملائه في المنطقة للإطاحة بحكومته، إلا أنه استطاع أن يخرج منتصراً من هذا المجال ولم يكن للعرب مكاسب سوى الهزيمة، وعليهم الآن الخضوع لسلطة الأسد.

وتركيا وقطر، اللتان كانتا أكبر داعمين للجماعات الإرهابية، تسيران الآن على طريق تطبيع العلاقات مع دمشق، لأنهما أدركتا فشل خططهما ولا تعتبران أنه من المستحسن الاستمرار في هذا المسار.

موجة التضامن بوابة الخروج من العزلة

إن الانفراج في العلاقات العربية مع سوريا سيزيد من تفاعل دمشق مع العالم الخارجي، وهذا نوع من الرفض لسياسات الولايات المتحدة التي حاولت منع عودة الدول إلى سوريا بفرض عقوبات واسعة النطاق. حتى أن الولايات المتحدة نفسها اضطرت إلى إلغاء بعض العقوبات تحت ضغط دولي، لتسهيل إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة بالزلزال في سوريا.

بعبارة أخرى، فإن موجة التضامن الدولي بعد الزلزال الأخير في سوريا، هي مقدمة لخروج هذا البلد من العزلة الدولية وإلغاء العقوبات الغربية، التي كانت بمثابة أداة ضغط سياسي حتى بعد الزلزال المدمر. خلال الحرب الأهلية، وقف الشعب السوري ضد الأعداء بألم ومعاناة شديدين، ولكن بعزة نفس، وتحمل وحده عبء الدول العربية ضد الكيان الصهيوني، ولم يسمح للصهاينة والغرب بتحقيق مخططاتهم الشريرة مثل “الشرق الأوسط الكبير”.

وهکذا، يمكن القول إن الزلزال السوري الأخير هو نقطة تحول في تحسين العلاقات العربية السورية، ودقّت توابعه السياسية الجرس في العواصم العربية، ليستيقظوا بعد 12 عامًا من إثارة الحرب، ويدرکوا الحقائق القائمة بعناية ويعودوا إلى أحضان دمشق، لأن ترك سوريا في مثل هذا الوضع يخدم الکيان الصهيوني، وهو ما لم يتحمله الرأي العام في العالم العربي.

إن رد فعل القادة الصهاينة المتطرفين على الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، هو تنبيه للعرب المطبِّعين بأن الصهاينة لا يقيمون وزناً لأرواح المسلمين، ومشروع تطبيع العلاقات هو أيضاً غطاء للتسلل إلى هذه الدول من أجل تحقيق مؤامرة “من النيل إلى الفرات”، ووضع المنطقة كلها تحت نير احتلالهم وسياساتهم الاستعمارية.

لذلك، حان الوقت لرجوع مشايخ التسوية العرب إلى أحضان دمشق واستئناف علاقاتهم السابقة، وعدم تقديم مبرر لأمريكا والکيان الإسرائيلي لاستغلال الوضع.